الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeمقالاترؤية جديدة في محاكمة يسوع : د. رياض السندي

رؤية جديدة في محاكمة يسوع : د. رياض السندي

تمهيد

في ظهيرة يوم الخميس 14 نيسان من عام 30-33م 1، قبل 2020 سنة، وفي السنة السابعة من حكم الوالي الروماني على اليهودية بيلاطس البنطي (26-36م) وفي السنة العشرين من حكم القيصر الروماني طيباريوس (13-36م) 2، الموافق 13 أبيب لسنة 3760 يهودية (حالياً سنة 5780 عبرية) وبعد نشاط تبشيري إستغرق بحدود سنة إلى ثلاث سنوات، إشتهى يسوع الناصري الذي كان يتجول ويتنقل بين مدن وقرى مقاطعة اليهودية، أن يتناول الفصح أو الفطير في عيد الفصح اليهودي الذي يقام سنوياً في بَيْتِ عَنْيَا بقرب المدينة المقدسة أورشليم، قائلاً لِرُسُلِهِ:‏ «اِشْتَهَيْتُ شَهْوَةً أَنْ آكُلَ هٰذَا ٱلْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ».‏‏ (لوقا 22-15)‏.

كانت أورشليم مزدحمة جداً بالحجّاج أثناء موسم الفصح. كان عدد سكان أورشليم 25-30 ألف نسمة تقريباً. بينما يُقدَّر عدد الحجاج أثناء الفصح 85-135 ألف نسمة. لهذا قُدِّر عدد الناس الكلي أثناء موسم الفصح أكثر من 100,000 نسمة. 3

 

  • تقاليد الفصح اليهودي

كما هي العادة في المجتمعات الزراعية، فإن إحتفالاتها تكون في موسم الربيع. ويستغرق الفصح اليهودي سبعة أيام من الإحتفالات تبدأ من يوم 15 نيسان. 4

الامتناع عن الخمير حيث إن معظم تقاليد العيد مأخوذة من وصفة في التوراة مع التفاسير التي أضيفت إليها عبر العقود. ومن أبرز مميزات العيد هو الامتناع عن أكل الخبز أو أي طعام مصنوع من العجين المختمر، وبدلاً من الخبز يؤكل الفطير غير المختمر المختبز للعيد بشكل خاص، ويسمى هذا الفطير بـ”ماتْساه” (מַצָּה). ويشرح سفر الخروج هذا التقليد كرمز لاستعجال بني إسرائيل عند خروجهم من مصر حيث لم يتمكنوا من الانتظار لانتفاخ العجين عندما أعدوا مؤونتهم.

حسب الشريعة اليهودية المعاصرة على كل يهودي التخلص من كل المأكولات المصنوعة من عجين مختمر قبل حلول العيد وأن يقوم بحرق ما يبقى من هذه المأكولات في طقس يقوم به عشية العيد عبارة عن استعداده لأداء وصايا العيد.

والتقليد الأهم فيه هو عشاء العيد تعرف عشية العيد باسم “ليل هسيدر” (לֵיל הַסֵּדֶר “ليلة المنهاج”) وفيه يجتمع أبناء العائلة والأقرباء للعشاء الاحتفالي المرافقة بصلوات وسلسلة من الطقوس الدينية، وتعرض تفاصيل منهاج الصلوات والطقوس في كتاب خاص يسمى ب”هچداه” (הַגָּדָה “سرد”). “كتاب الهجداه” هو من أكثر الكتب التقليدية انتشاراً لدى اليهود، وهو يحتوي على نصوص ذات علاقة بالعيد من التوراة، الميشناه والتلمود كما يحتوي على صلوات العيد والمزامير مع تعليمات عن الوقت الملائم لقراءة كل منها وطريقة أداء الطقوس المرافقة بالقراءة. ويتكون العشاء من: بقدونس – الأعشاب المرة – خليط المكسرات المطحون مع تفاح – بيض مشوي مكسور – ماء بملح – برتقال -مع إضافة عظمة مشوية لخروف في الطبق. وبالطبع مع هذا أربع كؤوس من النبيذ (عصير عنب).

من أهم الطقوس هو شرب أربع كؤوس من خمر العنب خلال قراءة نصوص ال”هجاداه”، كذلك يغني أصغر أبناء العائلة ترنيمة بعنوان “ما نشتانا” (מָה נִשְתָּנָה “كيف تختلف”، أي كيف تختلف هذه الليلة عن باقي الليالي). وتطرح في هذه الليلة أسئلة عن العيد وأجوبة يغنيها جميع أفراد العائلة وهي عبارة عن واجبهم لسرد قصة الخروج لأبناء الأجيال القادمة. في نهاية العشاء يفتح أحد الشيوخ مع أحد الأولاد باب البيت ويدعوان إيليا لينضم إلى العائلة عند شرب الخمر ويبارك أبناء العائلة. وعادة يستحم أفراد العائلة أستعداداً وطهارة للعيد، وعند وجود ضيوف لديهم، يقوم ربُّ العائلة بغسل أقدامهم كنوع من التكريم.

ويقوم صاحب الدار بتكليف أحدهم بتوزيع بعض الأموال على الغرباء -كما هي العادة في الأعياد عند كل الشعوب- ولهذا فقد أرسل يسوع تلميذه يهوذا خازن المال أو أمين الصندوق -والذي غالباً ما أتهم باختلاسه من تلك الأموال- إلى أورشليم لهذا الغرض، وهناك تمكّن الكهنة اليهود من رشوته بمبلغ ثلاثين قطعة من الفضة مقابل أن يدلّهم على معلمه يسوع، في قُبلة هي الإشارة إليه، لكيلا يتم الخلط بينه وبين تلاميذه في ظلام المساء، ولتلافي هروبه منهم.

 

  • العشاء الأخير ليسوع

تعني كلمة فصح في العبرية “العبور”، وهي بحسب سفر الخروج الليلة التي تحرر بها بنو إسرائيل من فرعون، بعد أن “عبر” ملاك الله عن البيوت التي عليها دم الحمل بينما قتل الأبكار في البيوت التي لم تكن عليها تلك العلامة. ويدعى اليوم الثاني من تذكار الحدث “يوم الفطير” حيث تجتمع عائلات بنو إسرائيل استذكارًا لخروج أسلافهم من مصر، ويتناولون فطيرًا أي خبزًا غير مخمر، إذ إن أسلافهم عند خروجهم من مصر لم يتسع لهم الوقت ليختمر العجين فخبزوه دون خمير، وفق سفر الخروج أيضًا، كما يتناول حمل الفصح وبعض الأعشاب المرّة في ذلك العشاء. وبهذه المناسبة أمر يسوع بطرس ويوحنا بن زبدي حسب إنجيل لوقا أن يذهبا إلى القدس ويطلبا من أحد الرجال إعداد المكان الذي سيتناول به الفصح مع التلاميذ، وهو مكان قريب من بستان الزيتون حيث يسوع قد انتقل بعد العشاء.

وعَمَلًا بِإِرْشَادَاتِ يَسُوعَ،‏ يَصِلُ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَبْدَآنِ بِإِعْدَادِ تَّرْتِيبَاتِ الْفِصْحِ.‏ وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ. فَأَرْسَلَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا قَائِلًا: «اذْهَبَا وَأَعِدَّا لَنَا الْفِصْحَ لِنَأْكُلَ» فَقَالاَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ؟». فَقَالَ لَهُمَا: «إِذَا دَخَلْتُمَا الْمَدِينَةَ يَسْتَقْبِلُكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ إِلَى الْبَيْتِ حَيْثُ يَدْخُلُ، وَقُولاَ لِرَبِّ الْبَيْتِ: يَقُولُ لَكَ الْمُعَلِّمُ: أَيْنَ الْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي؟ فَذَاكَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً. هُنَاكَ أَعِدَّا». فَانْطَلَقَا وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا، فَأَعَدَّا الْفِصْحَ. وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ اتَّكَأَ وَالاثْنَا عَشَرَ رَسُولًا مَعَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: «شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ، أَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ». ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ». وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ. وَلكِنْ هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ.

وَسُرْعَانَ مَا يَصِلُ هُوَ وَتَلَامِيذُهُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ.‏ فَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى ٱلْبَيْتِ حَيْثُ سَيَأْكُلُونَ ٱلْفِصْحَ،‏ وَيَصْعَدُونَ إِلَى ٱلْعُلِّيَّةِ ٱلْكَبِيرَةِ.‏ فَيَجِدُونَ كُلَّ شَيْءٍ مُعَدًّا لِيَتَنَاوَلُوا هٰذِهِ ٱلْوَجْبَةَ عَلَى ٱنْفِرَادٍ.‏ لَقَدْ كَانَ يَنْتَظِرُ بِشَوْقٍ هٰذِهِ ٱلْمُنَاسَبَةَ.‏ لِذَا يَقُولُ لِرُسُلِهِ:‏ «اِشْتَهَيْتُ شَهْوَةً أَنْ آكُلَ هٰذَا ٱلْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ».‏ ‏[لوقا 15:22‏].‏

وقد دَرَجَتِ ٱلْعَادَةُ أَنْ تُمَرَّرَ عِدَّةُ كُؤُوسٍ مِنَ ٱلْخَمْرِ إِلَى ٱلْمُحْتَفِلِينَ.‏ وَيَأْخُذُ يَسُوعُ وَاحِدَةً مِنْهَا،‏ ثُمَّ يَشْكُرُ وَيَقُولُ:‏ «ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ». وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». َكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ.».‏ [لوقا18:22]

ويعتبر هذا الحدث شديد الأهمية في المسيحية إذ به أسس يسوع، وفق الإيمان المسيحي، القداس الإلهي والقربان الأقدس ويدعى يوم استذكار ذلك سنويًا «خميس الأسرار»، لكونه قد شهد تأسيس سري الكهنوت والأفخارستيا. ويؤمن الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيون والمشرقيون وكذلك أتباع كنيسة المشرق الآشورية وأغلب البروتستانت بأن الخبز والخمر يتحولان فعلاً في جوهرهما إلى جسد يسوع ودمه بينما اكتفت بعض الطوائف البروتستانتية بالمعنى الرمزي للحدث. 5 وهنا ظهر فصح مسيحي إل جانب الفصح اليهودي.

وَبَيْنَمَا هُمْ يَحْتَفِلُونَ،‏ فَإِذَا بِيَسُوعَ يَقُومُ عَنِ ٱلْعَشَاءِ،‏ يَضَعُ رِدَاءَهُ جَانِبًا،‏ وَيَأْخُذُ مِنْشَفَةً.‏ ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً فِي طَسْتٍ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُ.‏ فِي ٱلْعَادَةِ،‏ يَحْرِصُ صَاحِبُ ٱلْبَيْتِ أَنْ تُغْسَلَ أَقْدَامُ ضُيُوفِهِ.‏ وَغَالِبًا مَا يَقُومُ بِذٰلِكَ أَحَدُ ٱلْخَدَمِ.‏ (‏لوقا 44:7‏)‏ لٰكِنَّ صَاحِبَ ٱلْبَيْتِ لَيْسَ مَوْجُودًا.‏ لِذَا يَأْخُذُ يَسُوعُ هٰذِهِ ٱلْمُهِمَّةَ عَلَى عَاتِقِهِ.‏ طَبْعًا،‏ كَانَ بِٱسْتِطَاعَةِ أَيٍّ مِنَ ٱلرُّسُلِ أَنْ يَغْسِلَ أَقْدَامَ ٱلْبَاقِينَ.‏ لٰكِنَّ هٰذَا لَمْ يَحْصُلْ.‏ فقد أعطاهم يسوع درساً في التواضع وخدمة الناس.‏

وَعِنْدَمَا يَحِينُ دَوْرُ بُطْرُسَ،‏ يَعْتَرِضُ قَائِلًا:‏ «لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا!» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ». قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي»‏.‏ يَغْسِلُ يَسُوعُ أَقْدَامَ رُسُلِهِ ٱلِـ‍ 12 جَمِيعًا،‏ حَتَّى قَدَمَيْ يَهُوذَا ٱلْإِسْخَرْيُوطِيِّ.‏ وَبَعْدَمَا يَنْتَهِي وَيَلْبَسُ رِدَاءَهُ،‏ يَتَّكِئُ ثَانِيَةً إِلَى ٱلْمَائِدَةِ.” [يوحنا4:13]

إن مشاركة يسوع الناصري وتلاميذه في الفصح اليهودي تدل دلالة قاطعة إن يسوع كان يهودياً وظلّ كذلك، حتى صلبه. ولم يدّع إنه رومانياً، ولو تم ذلك لتعذر صلبه، فالمواطن الروماني لا يعاقب كالمجرمين والخارجين على القانون.

 

إلقاء القبض على يسوع

يبدو إن يسوع كان يخشى من إلقاء القبض عليه ليلاً، حيث يتعذر على اليهود ذلك نهاراً، لكي لا يسبب ذلك القلاقل لدى الشعب وخاصة من تلاميذه ومحبيه، وقول لوقا يفسر ذلك: وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ. [لوقا2:21] لذا فقد إعتاد على أن يقضي النهار في الهيكل، ويختلي ليلاً في جبل الزيتون. “وَكَانَ فِي النَّهَارِ يُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ، وَفِي اللَّيْلِ يَخْرُجُ وَيَبِيتُ فِي الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ.” [لوقا37:21]

وبعد العشاء، وكما تتفق الأناجيل الإزائية تقدم يهوذا الإسخريوطي يرافقه فرقة من الجند الرومان بقيادة كورنليوس، وهم في الغالب يقيمون منفصلين عن اليهود في محميات خاصة خارج المدن، فلم يكونوا على اختلاط بيسوع وربما استقدموا في إطار حفظ الأمن خلال عيد الفصح لا غير، وقد اتفق مسلموه مع الجند ويهوذا، أن الذي يقبله هو يسوع، فبعد أن قبله قال له يسوع: “يا يهوذا أبقبلة تسلّم ابن الإنسان.”[لوقا 48/22]

لا يذكر إنجيل يوحنا شيئاً عن قبلة يهوذا، لكنه يضع التسليم في إطار لاهوتي، فعندما سأل يسوع الجند من تريدون وأجابوه أنهم يريدون يسوع الناصري، قال لهم “أنا هو” 6، وهو العبارة التقليدية في الديانة اليهودية للإشارة إلى الله فتراجع الجنود بقوة خارجية وسقطوا على الأرض، لكنهم قبضوا عليه بعد ذلك، وبحسب العقائد المسيحية واتفاق الأناجيل الأربعة، فهو من سمح لهم بالقبض عليه. حاول التلاميذ إبداء المقاومة، وقام بطرس بضرب عبد رئيس الكهنة المدعو ملخس فقطع أذنه، لكن يسوع رفض استخدام القوّة وقال: “ردّ سيفك إلى غمده!، فإن الذين يلجأون إلى السيف بالسيف يهلكون. أم تظنّ أني لا أقدر أن أطلب من أبي فيرسل لي اثني عشر جيشًا من الملائكة؟ ولكن كيف يتم الكتاب حيث يقول إن ما يحدث الآن لا بدّ أن يحدث”.[متى 52/26-54] وقام بإعادة أذن ملخس إلى مكانها، ثم وجه كلامه للجند ومرافقيهم: “أكما على لص خرجتم بالسيوف والعصي لتقبضوا عليّ؟ كنت كل يوم بينكم أعلم في الهيكل، ولم تقبضوا علي ولكن قد حدث هذا كله لتتم كلمات الأنبياء”.[متى 55/26] أما التلاميذ فقد هربوا بعد ذلك جميعًا،[متى 56/26] وتركوه وحيدًا وينقل إنجيل مرقس أن الجند حاولوا اعتقال بعض التلاميذ لكنهم فشلوا.[مرقس 51/14]

 

التهم الموجهة ليسوع

ويمكن تلخيص التهم الموجهة ليسوع، والتي تقسم إلى ثلاث أنواع مختلفة إلى تهمة دينية، وتهم جنائية وسياسية، وتهمة إقتصادية واحدة، وهي: –

  1. التجديف (المساس بالذات الإلهية)، أو إزدراء الدين، أو إهانة الله، أو الادعاء بالألوهية، وإنتحال صفة الله.
  2. إفساد الشعب.
  3. التحريض على الشغب والثورة.
  4. الإمتناع عن دفع الجزية (الضريبة) للحاكم.
  5. الإدعاء بالسلطة (المَلَكية).

وقد تغيرت التهم الموجهة ليسوع الناصري من تهم دينية تتمثل في الإدعاء بالألوهية، أو الادعاء بأنه المسيح، والتي لا يعاقب عليها القانون الروماني بإعتبارهم إمبراطورية تتعدد فيها الآلهة، على الرغم من أن الشريعة اليهودية تعاقب عليها بالعقوبة الأشد وهي الرجم، إلى تهم سياسية وهي الإدعاء بالسلطة على مقاطعة اليهودية بإعتباره ملك اليهود وإثارة الشغب والقلاقل بين الشعب والتحريض على الثورة، وهي تهم سياسية مناهضة لسلطة قيصر روما، ويعاقب عليها بالعقوبة الرومانية الأشد وهي الصلب. ولما كانت اليهودية تحت سلطة الاحتلال الروماني قبل 63 سنة من ذلك التاريخ، فإن سلطة إنزال العقوبة القصوى بالموت قد أصبحت محصورة بيد الوالي الروماني وهو بيلاطس آنذاك، وإذا ما إرتكبها رؤساء الكهنة اليهود فإنهم يعاقبون بجريمة القتل العمد.

أما التهمة الاقتصادية والمتمثلة بتخريب إقتصاد الإمبراطورية الرومانية من خلال دعوة يسوع الناصري للشعب إلى عدم دفع الجزية للقيصر، فَلم تثبت، لأن موقف يسوع العلني منها كان واضحاً، وهو ضرورة دفع الجزية للقيصر، بقوله: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ».

” وينقل لنا لوقا في إنجيله ثلاث تهم هي: يفسد الشعب، يمنع دفع الجزية للقيصر، يدعي إنه ملك، فكتب يقول: وَابْتَدَأُوا يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «إِنَّنَا وَجَدْنَا هذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ». [لوقا 2:23] ويبدو أن بيلاطس لم يهتم لها، لعدم إيمانه بها أو قناعته بصحتها، وربما تذكّر الجميع قول يسوع: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ». [مرقس 12:12-17].7

ويذكر إنجيل يوحنا إن تهمة يسوع كانت وفقاً للناموس لإدعائه بأنه إبن الله. أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللهِ». [يوحنا 7:4019]

وخشية من إفلات يسوع من العقوبة، فقد إرتأى اليهود تحويل التهمة من تهمة دينية إلى تهمة سياسية، لا بل والأكثر من ذلك، فقد هدوا بيلاطس بتهمة عدم محبته لقيصر روما، “مِنْ هَذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ وَلَكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبّاً لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكاً يُقَاوِمُ قَيْصَرَ». [يوحنا 12:19] وقد نجحوا في ذلك.

 

وقفة عند فكرة المسيح

فكرة المسيح (المسيّا) هي بدعة يهودية خالصة، تشير إلى مجيء شخص من نسل الملك داود يتمتع بالقوة لإنقاذ اليهود وجمع شتاتهم وردت على لسان إشعيا النبي ووضع له شروط معينة، وهي أن يولد من عذراء بقوله: اسمعوا يا بيت داود هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضا، ولكن يعطيكم السيد نفسه آية ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو إسمه عمانوئيل. [إشعيا 13:7 -14] وكان يسميه زكريا (ربُ الجُنود) أو مرسل من قبله، وهو تعبير يشير إلى القوة العسكرية. ويقول إشعيا “هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبّ ُبِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ. هُوَذَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَعُمْلَتُهُ قُدَّامَهُ. [إشعيا 10:40] 8 ويذكر إشعياء 53، والمعروف بأنه نبوة “الخادم المتألم”، تفاصيل موت المسيا من أجل خطايا شعبه. ويقدم إشعياء تفاصيل حياة وموت المسيح قبل ميلاده بحوالي 700 عام. سوف يكون المسيا مرفوضاً (إشعياء 53: 3؛ لوقا 13: 34). سوف يقتل المسيا كذبيحة كفارية عن خطايا شعبه (إشعياء 53: 5-9؛ كورنثوس الثانية 5: 21). سوف يكون المسيا صامتاً أمام المشتكين عليه (إشعياء 53: 9؛ متى 27: 57-60). سوف يكون المسيا بين مجرمين عند موته (إشعياء 53: 12؛ مرقس 15: 27).

وقد تكررت هذه الفكرة وتطورت لدى الكثير من أنبياء إسرائيل مثل إرميا ودانيال وملاخي وزكريا وغيرهم، حتى أصبحت فكرة مجيء المسيح المخلص والمنقذ لشعب إسرائيل اليائس والمشتت والضعيف ويعيد بناء الهيكل وإحقاق الحق وبداية العصر المسيّاني فكرة متسلطة على اليهود حتى يومنا هذا، علماً يمكن أن يكون المسيح غريباً مثل الملك الفارسي كورش الثاني الذي أطلق عليه النبي أشعياء لقب المسيح (سفر أشعياء 45:1). كما رأى العديد من يهود العصر الحديث إن “بن غوريون” أول رئيس لدولة إسرائيل قد حقق كل ما أرادت نبوءات العهد القديم من المسيح تحقيقه في جمع شتاتهم وغير ذلك.

“ومع ذلك، تتفق جميع الروايات التوراتية الأربعة على أن قيافا والسنهدرين أدانا يسوع في نهاية المطاف بتهمة التجديف. وتُسجل الأناجيل أنه عندما سأل قيافا يسوع عما إذا كان يدعي أنه المسيح، أجاب: “أنا هو” (مرقس 14: 62) (أو «أَنْتَ قُلْتَ!». (متى 26: 64) أو «إِنْ قُلْتُ لَكُمْ لاَ تُصَدِّقُونَ». أو فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا هُوَ». (لوقا 22: 67-8) أو “أنتَ تقول إنني” (يوحنا 19: 7).  على الرغم من أن كتاب المِشنا، وهو رمز القانون اليهودي والذي تم تجميعه حوالي 200م، في القسم هاء، يُعرف التجديف بشكل أضيق على أنه المساس بأسم الله المقدس (يهوه).” 9

 

جلسات الإستماع ومحاكمة يسوع

عُقِدت ست جلسات للأستماع إلى التهم الموجهة ليسوع الناصري وشهود القضية، ثلاث منها دينية وثلاث الأخرى مدنية، وأمام كل مِنْ:

  1. رئيس المجلس اليهودي الأعلى (السنهدريم) حنانيا.
  2. كبير الكهنة اليهود قيافا (المُعيّن من قبل الرومان) وهو نسيب حنانيا.
  3. الوالي الروماني لمقاطعة اليهودية بيلاطس البنطي.
  4. الحاكم الروماني لمدينة الجليل هيرودس.

أما شهود الإدعاء ضد يسوع فكانوا:

من قبيلة إسرائيل: روان، دانيئيل، رامبينيل، يوناكين، روتيم، يوتافيل وبيريكولان.

من المملكة والولاية الرومانية: لوكيوس، ستيتيليوس وماكسيميليوس.

من الفريسيين: باربوس، سيميون وبونيلي.

من القضاة الأعليين الرومانيين: رابان، ماندانيس وباكارولاس.

مراقب الجرائم اليهودية: بوتان.” 10

وقد وصفهم الإنجيل على أنهم شهود زور. فيقول متى في إنجيله: ” وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ». فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟» [متى 59:26]

 

إهانة المتهم وإحتقاره

ويثور التساؤل الآتي: هل إحتقر بيلاطس يسوع وأهانه هو أو جنوده الرومان؟ في الواقع، بخلاف ما يشاع وما توحي به بعض الأناجيل، فإن بيلاطس لم يحتقره أو يهينه، بل إن الذي قام بذلك هو هيرودس أنتيباس حاكم الجليل وشرق الأردن 11 الذي ورث الحكم عن والده هيرودس الكبير في سنة 4 ق.م. وقد تم تقسيم مملكته بين أولاده الأربعة، فكانت الجليل من حصة هيرودس أنتيباس ولهذا كان يسمى برئيس الربع. وكان من المفترض أن يحاكم يسوع أمامه لكونه جليلياً، ولكنه بدهائه تخلص من هذه الورطة، وألقى الكرة في ملعب بيلاطس، ولكنه لم يَدَع الفرصة تَمُر دون أن ينتقم معنوياً من يسوع، وكان يومها قد جاء من الجليل إلى أورشليم ليحضر إحتفالات الفصح، وعندما أحيل يسوع إليه، إستمع إلى التهمة الدينية التي يتهمه به اليهود، وهي الادعاء بأنه المسيح ملك اليهود، ويذكر إنجيل لوقا دور هيرودس بوضوح قائلا: ” فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ ذِكْرَ الْجَلِيلِ، سَأَلَ: «هَلِ الرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ؟» وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضًا تِلْكَ الأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا، لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيل أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَي آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ. وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ، فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. فَصَارَ بِيلاَطُسُ وَهِيرُودُسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا. [لوقا 11:23] بينما الأناجيل الثلاثة الأخرى لا تتهم هيرودس بالإسم بإحتقار يسوع. فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلًا مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!» وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. ويضيف يوحنا جزئية صغيرة أخرى في ذات السياق وهي إجلاس يسوع على كرسي الولاية بإعتباره ملك إستهزاءً به: فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «الْبَلاَطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا». وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ، وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». [يوحنا 13:19]

ويبقى السؤال: لماذا فعل بيلاطس أنتيباس كل ذلك، وكان فرحاً بمصير يسوع، وما هو الدافع لذلك؟

الإجابة على هذا السؤال تتطلب العودة إلى الوراء أكثر من 30 سنة من ذلك التاريخ، وتحديداً في عام 6 ق.م. وعند ولادة يسوع، حيث تنبأ المجوس الذي زاروا هيرودس الأول 12 أو هيرودس الكبير بولادة طفل سيكون ملكاً لليهود وفقاً لنبوءة ميخا (2:5). وخشية على زوال ملكه، فقد أمَر هيرودس بقتل جميع أطفال بيت لحم بعمر يوم واحد وحتى السنتين. وقد صادفت ولادة يسوع أثناء الإحصائية الأولى عندما كان كيرينيوس والياً على سوريا (لوقا 2: 2)، وينقل لنا إنجيل متى القصة ببعض التفصيل، بقوله: “وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟ فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ». حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ الْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ النَّجْمِ الَّذِي ظَهَرَ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: «اذْهَبُوا وَافْحَصُوا بِالتَّدْقِيقِ عَنِ الصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا. ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ. وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ.” [متى 1:2-15]

وهكذا، فما فشل فيه أبوه هيرودس الأول قبل أكثر من 30 سنة، حققه هو هيرودس انتيباس. وإذا كان يسوع قد إستطاع أن يفلت في المرة الأولى وهو طفلاً، فإنه لم يفلت في المرة الثانية وهو رجلا بعمر الثلاثين. كما تجدر الإشارة إلى إن يسوع كان قد نَعت هيرودس بالثعلب. [لوقا 32:13]

وقد ذهب العديد من المؤرخين القدماء مثل تاسيت إلى إن هيرودس هو الذي أمر بصلب يسوع.13 إقترحه هيرودس بالذات، حيث يذكر إنجيل بطرس المنحول، وهو أقدم نص منحول بين أيدينا حول آلام المسيح لذا يسمى بإنجيل الآلام، بقوله: إذاك أمر الملك هيرودس بأقتياد الرّب، قائلا: “نفذوا الأوامر كلها التي أعطيتكم إياها في شأنه.” 14 أو إقترح هيرودس الصلب، وهو ما نفذه بيلاطس بلا مبالاة.

 

دفاع يسوع عن نفسه

تكاد كل الأناجيل تعطينا صورة واضحة تبين فيها إن يسوع لم يدافع عن نفسه بل كان دفاعه ضعيفاً، وكانت إجاباته غير منطقية، وبعيدة عن الأسئلة الموجهة إليه، كما إنها كانت فلسفية يصعب على أي حاكم أن يفهمها في سياق محاكمة قضائية. يضاف إلىذلك، إن يسوع لم يُفند شهود الوزر ضدّه. وينقل لنا إنجيل متى ذلك، قائلا: وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُور وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ». فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟» وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ». فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلًا: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا: «إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ». [متى 60:26] وحتى أمام الوالي بيلاطس لم يُجِبْ بكلمة واحدة على الشهود العديدين ضدّه، مما دفع الوالي إلى التعجب من ذلك جداً. فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟» فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدًّا. [متى 13:27]

وأضعف نقطة في دفاع يسوع هي عندما “وَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي قِائِلًا: «أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ».” [متى11:27] وكان على بيلاطس أن يقول له: إن هذا هو سؤال موجّه لك كمتهم وليس رأيي الشخصي فيك. ولكن بيلاطس لم يشأ أن يزيد في معاناة يسوع، وإكتفى بذلك. ويبدو إن يسوع كانت قد تملكته حالة من الذهول المفاجئ والوقتي -وخاصة في حالات تخطيط المشتكي مسبقاً ومفاجأة المتهم بها فيؤخذ على حين غرّة- والتي تجعل منه يبدو كما لو كان أخرساً، وهي حالة تزول بعد فترة قليلة، وهكذا نجد أن يسوع بعد ذلك وهو في طريقه للصلب يعزي بنات ونساء أورشليم ويتحدث مع اللصين الذين صلبا معه على يمينه ويساره، ويوعد أحدهم بالجنة. ومن المستغرب ألا نجد في كل مراحل محاكمة يسوع إدعاءه صراحة بأنه هو (المسيح المنتظر)، رغم تكرار السؤال عليه أكثر من مرة مِنْ قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، كما أسلفنا.

ومن المؤكد إن نفي يسوع للتهمة كانت ستنقذه من الصلب، وكان عليه مناقشه الشهود والإدعاء بإن ما قصده كان أمراً مغايراً، ولكن يبدو إن ذلك كان سيُسقطه في نظر تلاميذه وأتباعه كمعلم ومخلص ولن يعودوا يصدقوا بإدعاءاته لاحقاً، ولما قامت الديانة المسيحية فيما بعد، ولكنه كان سينقذ حياته. وما جرى هو خلاف ذلك كما في السياق. والواقع، إن قضية صلب يسوع إنما تشير بوضوح إلى الفجوة الكبيرة بين مجتمعين هما: المجتمع الروماني المتحرر، والمجتمع اليهودي المنغلق، أو شرخاً كبيراً حضارتين، بين الشرق والغرب. فحكام روما الأشرار والفاسدون والذين لم يتورعوا عن القتل بوحشية وممارسة الزنا حتى بالأقارب، ويعبدون آلهة متعددة، بالتأكيد كانوا يسخرون في سرّهم ويستهزئون من تعقيدات المجتمع اليهودي الشرقي الذي يحاسب على الزنا بالرجم حتى الموت، أو السرقة، أو القتل، أو حتى التجديف “الإستخاف المتعمد بالمقدسات”، ونكران الله أو الشرك به. فهيرودس الذي أصدر حكم صلب يسوع لإنه قال أنا المسيح الموعود، كان قد تزوج أخته هيرودية، وهكذا، يمكن تصور هذا الفرق بينهما. وهذه الفجوة موجودة حتى يومنا هذا.

 

الباعث الخفي لمحاكمة يسوع

على الرغم من أن يسوع ظَلّ ينتقد رؤساء الكهنة اليهود والفريسيين طيلة نشاطه التبشيري الذي إستمر لسنة أو ثلاث في أكثر تقدير، ويصفهم بأقذع الألفاظ، مثل: أولاد الأفاعي (متى 34:12)، أو (وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ)، (متى 14:23) ومع ذلك لم يلتفت اليهود إلى ذلك كثيراً، إلا إن دخول يسوع الهيكل يوم السبت قبل أسبوع عيد الفصح اليهودي، وهو أقدس الأماكن اليهودية، ومجادلته أحد الكهنة حول الطهارة. وقد إستغربوا من محاسبة يسوع لهم، وَفِي أَحَدِ تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ كَانَ يُعَلِّمُ الشَّعْبَ فِي الْهَيْكَلِ وَيُبَشِّرُ، وَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ مَعَ الشُّيُوخِ، وَكَلَّمُوُه قَائِلِينَ: «قُلْ لَنَا: بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هذَا؟ أَوْ مَنْ هُوَ الَّذِي أَعْطَاكَ هذَا السُّلْطَانَ؟» [لوقا 1:19]

يقول متى الرسول: “وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ داخل الهيكل، مشيراً إلى قول إشعيا النبي: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»” (متى 21: 13). كان هذا الإقتحام بمثابة القشّة التي قصَمت ظهر البعير، فقد مسّ بتصرفه هذا الجانب الاقتصادي الهام للمجتمع اليهودي، وهذا الجانب لا يقل أهمية عن الجانب الروحي لكل دين، فالثراء والتجارة في المعابد الدينية أمر جَليّ وواضح في كل الديانات بحيث جرى الإهتمام بتذهيب تلك المعابد مقابل إهمال الاهتمام بحياة الناس ومستوى معيشتهم. وقد كانت عملية إقتحام الهيكل والطعن بتصرفاتهم التجارية-الدينية، واحدة من التهم التي وجِهَت ليسوع أثناء المحاكمة، كما سنرى لاحقاً.

ويقول ليندر: ” تصف روايات الإنجيل مشاركة يسوع في احتجاج موجه إلى بعض الممارسات التجارية المرتبطة بالهيكل.  وقد أساءت هذه الممارسات إلى العديد من اليهود.  وفقاً لمتى، اشتكى يسوع: ” بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ” (متى 21: 13). ووفقاً لمرقس ويوحنا فإن يسوع قد قَلِب طاولات الصيارفة، وهؤلاء الأشخاص هم الذين يقومون بتحويل القطع النقدية التي تحمل صورا للإمبراطور إلى القطع النقدية الفضية التايريان (شيكل)، وهو الشكل الوحيد للعملة المقبولة للتبرع.  كما تصف الأناجيل يسوع وهو يخرج بائعي الحمام (استخدمت الطيور كذبائح من قبل المصلين) من المعبد.  إن من الصعب أن نتصور أن مثل هذا العمل الدرامي لم يكن ليجلب ردًا فوريًا من حراس الهيكل المسلحين، لذلك من المرجح أن الأناجيل بالغت في أفعال يسوع. ومهما كانت الطبيعة الدقيقة لأفعاله، فقد كان من شبه المؤكد أنها كانت مصحوبة بأقوال – بما في ذلك التنبؤ بأن المعبد سيسقط ما لم يتم إجراء إصلاحات لإعادة المعبد إلى مهمته الدينية المركزية. في وقت من التوتر الشديد مثل عيد الفصح، فمن المرجح أن أي عمل تخريبي في المعبد – حتى العمل ذو طبيعة رمزية – من شأنه أن يثير ردّة فعل قوية من كبار الكهنة والمسؤولين الرومان. وهذا ما حدث. ولِفهم الجريمة التي أدت على الأرجح إلى اعتقال يسوع، فإن من الضروري أولاً فهم دور الهيكل في الحياة اليهودية في القرن الأول.  لقد خدم الهيكل في القدس أغراضا مزدوجة. كان المركز المبجّل للحياة الدينية – مكان للصلاة والتضحيات – وبنك مركزي، ومكان للضرائب والعُشور.” 15

 

إصدار حكم الصلب

وأخيراً، رضح الوالي الروماني لرغبة اليهود ورؤساء الكهنة وأصدر قراراً بالصلب في الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة، وسيق يسوع للصلب في الساعة العاشرة صباحاً، فوصلوا جميعاً إلى مكان الصلب وهي قمة تلة تدعى «جُلْجُثَةَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». [مرقس 22:15] حيث كان هناك خشبة عمودية طويلة مغروسة في الأرض، فيما كان المجرم يكلف بحمل خشبة قصيرة تمتد على طول الذراعين والتي كانت تُلف بالحبال ومثقوبة في الوسط لتنزل أفقياً داخل الخشبة العمودية، فيما كانت المسامير الطويلة تُدق على الأرجل فقط خشية عدم السقوط.

أما اللافتة الصغيرة التي وضعت أعلى الخشبة العمودية والتي كتب عليها عبارة [يسوع الناصري ملك اليهود] فلم يكن القصد منها السخرية كما صورتها الأناجيل، ولكنها كانت صورة مصغرة جداً لتهمة المصلوب، لكي يطّلع الجمهور ويعرف الشعب سبب عقوبة هذا الشخص، حيث إن القاعدة تقضي بعدم قتل إنسان دون سبب أو جرم. وهذا ما قصده مرقس في إنجيله بقوله: “وكان عنوان علته مكتوبا: ملك اليهود.“ [مرقس 15:36] ويقصد بالعِلّة التهمة الموجهة له. وهي الإدعاء بالملوكية على اليهود خلافاً لإرادة القيصر.

وقد إعترض اليهود على ذلك لعدم إعترافهم بيسوع ملكاً عليهم، ولكن بيلاطس لم يلتفت لهم ورفض تغيير اللافتة، وردّهم بالقول لقد كتبت وانتهى الأمر، في إشارة ضمنية إلى إن هذه هي التهمة السياسية التي إدعيتم بها وحكم عليه بموجبها، ولا يمكن تغييرها. “فَقَرَأَ هَذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيباً مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوباً بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَاللَّاتِينِيَّةِ. فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ». أَجَابَ بِيلاَطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ». [يوحنا 20:19].

وترى الكنيسة إنها إعتراف بملوكية يسوع، “فالعبريّة هي الآراميّة لغة الكتاب المقدّس؛ واللاتينيّة 16 هي لغة السلطة الرومانيّة المحتلّة، أما اليونانيّة، فهي لغة المخاطبات الثقافيّة والتجارية… ويرى يوحنا، في العنوان الممنوح ليسوع، كلامًا نبويّا حقيقيّا، وإعلانا ملوكيّا. ونقول، مع الكاردينال كارلو مارتينيّ: إنّ الحقيقة العميقة التي تنطوي على هذا المشهد هي بالضبط ”الملوكيّة المشيحانيّة للكلمة المتجسّد”. فيسوع هو المسيح الذي كان إسرائيل ينتظره؛ وعلى الصليب، أظهر سيادته، حسب تفسير القديس يوستينس، وقد تبنّته الليترجيّا: ألربّ يملك بالصليب، اعترفت السلطة العليا المعاصرة بهذه السيادة.”17

وكانت الإجراءات تقضي بإسقاء المصلوب عصارة من الخل ممزوجا بمرارة لتخديره قليلاً وعدم شعوره بالألم، كما يُطعن المصلوب بعد عدة ساعات في قلبه بالرمح للتأكد من موته، وفي حالة يسوع قام جندي روماني إسمه لُوْنْجان بطعنه في جنبه، متناولاً حربة، فخرج دم وماء. وأخيراً تكسر ساقي المصلوب كعقوبة أخيرة، ولكن يبدو إن الرومان قد إستغنوا عن ذلك فيما يخص يسوع فإستثنوه من ذلك الإجراء إعتقاداً منهم إنه قد مات، كما جاء في الإنجيل، وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. (يوحنا 33:19)

وقبل وضع المجرم على الصليب يتم تعرية المصلوب كنوع من الإهانة له أمام الشعب. ويشرح يوحنا في إنجيله ذلك، بقوله: ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْماً. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضاً. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ مَنْسُوجاً كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ نَشُقُّهُ بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هَذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ. (يوحنا 23:19) وبهذا الصدد يقول ليندر: “ويبدو إن تجريد السجناء من ملابسهم ومقتنياتهم كانت أيضاً ممارسة رومانية عادية، حيث يتم تقسيم الملابس وغيرها من الممتلكات الصغيرة لضحايا الإعدام بين الجلادين.  فالإذلال في الصلب عارياً في مكان بارز يشكل إضافة إلى قيمة الردع المقصود من العقاب.” 18 وذهب إنجيل نيقوديموس المنحول غير المعترف به كنسياً، والذي يعود إلى القرن الخامس الميلادي، إستثناءً إلى القول: عرّاه الجنود من ثيابه وزنّروه بقطعة قماش.” 19 أي أن الجنود وضعوا في حقويه قطعة قماش.

وجرى الصلب بحضور والدة يسوع مريم وأحد تلاميذه يوحنا، وهو الوحيد من بين تلاميذ يسوع الإثني عشر، فقد هرب الجميع خشية القبض عليهم ومعاقبتهم. وكان من بين الحضور عدد من النسوة اللواتي عَرفن يسوع في حياته ومن بينهم مريم أخت أمه زوجة كلوبا أو مَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ، بالإضافة إلى مريم المجدلية.

وبعد 3 ساعات، وفي تمام الساعة الثالثة بعد الظهر، أسلم يسوع الروح، وكانت إجراءات الصلب تقضي بقاء المصلوب على الصليب لعدة أيام، وهي في الغالب ثلاثة أيام لتنهشه طيور السماء، ولكن يسوع أستثني من ذلك بناءً على طلب أحد أعضاء المجلس اليهودي المكون من 70 عضواً والذي كان بمثابة تلميذ ليسوع خفية كما يذكر يوحنا في إنجيله، وهو يوسف الرامي (من مدينة الرامّة) الذي يصفه مرقس في إنجيله بأنه شخص مشير شريف بقوله: جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. (مرقس 43:15) بينما يذهب يوحنا مجازاً إلى إنه تلميذ يسوع بقوله: “ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ”. (يوحنا 38:19). وقد طلب يوسف من بيلاطس بحكم معرفته به، أن يأمر الجنود الرومان بأن يسلِّموه جسد يسوع ليقوم هو ونيقوديموس، وهو عضو أخر في مجلس السنهدريم إعترض هو الأخر على محاكمة يسوع، بتحنيطه وتعطيره ودفنه في قبر في بستان قريب كان يوسف الرامي قد إشتراه سابقاً. وتجدر الإشارة هنا إلى إن القبر هو أشبه بكهف أو غرفة صغيرة يوضع فيها الميت ملفوفاً بكف من القماش أبيض والقطن، ويمكن دخول شخص أو شخصين إلى الداخل والجلوس إلى جانب الميت. وتغلق هذه الغرفة بلوح خشبي أو بحجر، وفي حادثة يسوع، تم غلق القبر بحجر دحرج أمام الباب. ومن هنا يجب التفريق بين القبر والدفن، فالقبر في تلك الأيام كانت أكثر فسحةً، بينما الدفن هو طمر الإنسان تحت التراب في مساحة ضيقة جداً لا يدخلها أحد، كما يتعذر على المدفون الجلوس لو عادت له الحياة.

وينقل لنا إنجيل يوحنا ذلك بقوله: وَجَاءَ أَيْضاً نِيقُودِيمُوسُ الَّذِي أَتَى أَوَّلاً إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً. فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا. وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيباً. وقد وافق بيلاطس على إنزاله بعد موته كما هي العادة، وقد إستغرب كثيراً عندما علم إنه مات بعد الصلب بثلاث ساعات، فسأل قائد المئة المكلف بالصلب، فيما إذا كان قد مات فعلاً. فَتَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعًا. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ. (مرقس 44:15). فيما طارد اليهود يوسف هذا، وسجنوه لاحقاً.

وقد أنزل جسد يسوع في الساعة السادسة مساءً لتلافي حلول الظلام ودخول عشية يوم السبت الذي يُحرّم فيه على أي يهودي القيام بعمل ما.

والأناجيل الأربعة متفقة في تحديد موعد العشاء يوم الخميس والصلب يوم الجمعة والقيامة يوم الأحد.

إن هذه الحقائق لا تنتقص من يسوع الناصري ورسالته الإنسانية، بل هي عرض لبعض الحقائق والوقائع التاريخي بشكل موضوعي ودقيق، والتي غالباً ما يتم تجاهلها تحت التأثير العاطفي أو التعلق الشخصي، أو عدم معرفتها.

هذه هي خلاصة محاكمة يسوع الناصري وصلبه، والتي كانت لها تداعيات كثيرة، سنوردها بالتفصيل في كتابنا القادم حول محاكمة يسوع.

 

د. رياض السندي

خميس الفصح 2020

 

 

1 تذهب الكنائس الشرقية في معظمها إلى إن سنة الصلب هي 33 ميلادية، في حين تُصِّر الكنائس الغربية على إن سنة الصلب هي 30 ميلادية.

2 هو ثاني أباطرة روما، واسمه الكامل هو “طيبيريوس كلوديوس نيرون Tiberius Claudius Nero واسمه الرسمي كإمبراطور هو “طيباريوس قيصر أوغسطس” Tiberius Caesar Divi Augusti filius Augustus. ولد في نوفمبر 42 ق. م. وكان أبوه -بنفس الاسم- قائدًا من قواد يوليوس قيصر، ثم إلى جانب أنطونيوس ضد أوكتافيوس (أوغسطس قيصر فيما بعد)، ثم صارت زوجته “ليفيا” زوجة ثالثة لأوغسطس قيصر، وهكذا أصبح طيباريوس -الابن- ابنًا لزوجة أوغسطس قيصر. حكم طيباريوس قيصراً في 13 م. (أو 11 م. في رأي آخر) أصبح طيباريوس بمرسوم إمبراطوري خاص وصيًا على العرش. وعندما مات أوغسطس قيصر في 19 أغسطس 14م، خلفه طيباريوس. وقضي جرمانيكوس (ابن أخته، وابنه بالتبني) على تمرد قوات الراين. وقد سار طيباريوس على هدي وصية أوغسطس، بالحفاظ على الإمبراطورية بحدودها كما هي، فتخلى طيباريوس عن خطة دفع الحدود إلى نهر الألب، ووجه جهوده لتقوية الإمبراطورية والحفاظ على تماسكها. ولكن هذه السياسة الحريصة الجامدة، وجدت لها أعداء، وبخاصة أنه كانت لا تزال هناك قوي داخل مجلس الشيوخ لم تقبل استمرار هذه الأوتوقراطية المستترة. وفي 26 م. اعتكف طيباريوس في كابري حيث لاحقته الشائعات بالإسراف في الفجور. وفي 16 مارس عام 37 مات طيباريوس في مسينا، وخلفه كايوس كاليجولا، الابن الثالث لسيجانوس. ومنالمستبعد أن يكون طييباريوس قد سمع شيئًا عن المسيحية، فقد مات طيباريوس في عام 37 م، ولم تكن المسيحية قد انتشرت في نواحي الإمبراطورية. ويذكر يوستينوس الشهيد ويوسابيوس أن بيلاطس أرسل تقريرًا إلى طيباريوس عن محاكمة يسوع وصلبه، وهو أمر غير مستبعد. ويذكر تقليد أبو كريفي أن طيباريوس استدعى بيلاطس إلى روما لاستجوابه عن صلبه يسوع. ولكن ما حدث في الواقع هو أن حاكم سوريا عزل بيلاطس من ولاية اليهودية وأرسله إلى روما لمحاكمته أمام القيصر على الفظائع التي ارتكبها (انظر مثلا لو 13: 1)، ولكن طيباريوس مات قبل وصول بيلاطس إلى روما. أنظر، طِيباريوس قيصر | تيبيريوس قيصر، موقع الأنبا تكلا هيمانوت. الرابط:

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/16_TAH/TAH_39.html

3 عدنان طرابلسي، تاريخ الصلب – اليوم والشهر والسنة، موقع شبكة أرثوذكس أونلاين، الرابط: https://www.orthodoxonline.org/theology/biblical-studies/biblical-general-studies/1632-the-date-of-crucifixion-day-month-and-year#gsc.tab=0

4 في التقويم اليهودي يعتبر شهر نيسان أول أشهر الربيع وعيد الفصح نفسه يسمى أحيانا بـ”عيد الربيع”، ولكن لكون الأشهر اليهودية قمرية، يجب في بعض السنوات مضاعفة الشهر الذي يسبق نيسان، أي شهر آذار، كي لا يتراجع شهر نيسان إلى موسم الشتاء.

5 العشاء الأخير، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.

6 هذه العبارة ترد في مطلع الوصية الأولى من وصايا الله العشر لموسى على لسان الله (إيلوهيم) بقوله: أنا هو الرب إلهك، لا يكون لك إله غيري. والمفترض أن يجيب يسوع على سؤال الحرس بكلمة نعم، ولكنه إستخدم عبارة (أنا هو) التي جاءت على لسان الله في الوصايا، مما عزز الشكوك بادعائه الألوهية.

7 كانت الحيلة أن الهيرودسيين يتظاهرون بالتديُّن لكي يصطادوا المسيح ويمسكوه بكلمة، فيسلِّموه إلى حكم الوالي وسلطانه. فتقدموا إليه وتملَّقوه واستشاروه إن كانوا يدفعون الجزية للحكومة الرومانية أو لا يدفعونها، أملًا أن يمسكوه في شبكتهم مهما كانت إجابته، فإن قال بدفع الجزية ينفر الشعب منه، لأنهم ضجروا من هذه الضريبة التي هي علامة استعبادهم للرومان، ولأنهم ينتظرون مجيء المسيح ليحررهم منها. وكانوا يسألون: “كيف يمكن أن يكون المسيح ملك إسرائيل – كما هتف له الشعب بالأمس في الهيكل، ويحكم أن ندفع الجزية لقيصر”؟. وإن أجاب بعدم دفعها كما يرغب الهيرودسيون (وهو ما كانوا يرجّحونه) يحصلون على حجة كافية ليسلموه للحكومة، كمثير للفتنة ضد القيصر الذي وضع هذه الضريبة. أنظر، ما معنى الآية: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”؟ موقع أليتيا في سبتمبر 29, 2017.

8 المسيح الماشيح أو المسيا (بالعبرية: המשיח) (ومعناها المسيح) [1][2][3][4][5]، في الإيمان اليهودي هو إنسان مثالي من نسل الملك داود (النبي داود في الإسلام)، يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي من ويلاته. وفي اللغة العبرية تعني “ماشيح – מָשִׁיחַ” من الفعل “مشح” أي “مسح” ومعناها في العهد القديم “الممسوح بالدهن المقدس”، ونقلت كلمة “ماشيح” إلى اللغة اليونانية كما هي ولكن بحروف يونانية ” ميسياس –Мεσσίας” ومن ثم ترجمت ترجمة فعلية ” خريستوس –Хριστός” من الفعل اليوناني ” خريو –chriw” أي يمسح؛ وجاءت في اللاتينية “كريستوس ـ Christos” ومنها في اللغات الأوربية ” Christ“؛ كانت عملية المسح تتم في العهد القديم بواسطة الدهن المقدس الذي كان يصنع من زيت الزيتون مضافًا إليه عددًا من الطيوب (سفر الخروج 22:30-31)، وقد ظل هذا التقليد حتى أيامنا هذه في المسيحية في سر الميرون؛ وكان الشخص أو الشيء الذي مسح يصبح مقدساً ومكرساً للرب؛ وحصر استخدامه للكهنة، الملوك والأنبياء (خروج 30:30)؛ ولهذا دعوا بمسحاء الرب (المزامير 15:105)، ومفردها “مسيح الرب” (صموئيل الثاني 1:23)، ويصفهم الله بمسحائي (أخبار الأيام الأول 22:16)؛ لكن الوحي الإلهي في أسفار العهد القديم يؤكد أن هؤلاء “المسحاء” جميعاً؛ كانوا ظلاً ورمزاً للآتي والذي دعي منذ داود فصاعداً بـ “المسيح”، وكانوا جميعاً متعلقين بمسيح المستقبل الذي سيأتي في ملء الزمان ودعاه دانيال النبي المسيح الرئيس (دانيال 24:9)، و”المسيح” و”قدوس القدوسين” (دانيال 25:9)، لأنه سيجمع في شخصه الصفات الثلاث: الكاهن والنبي والملك؛ وهذا الشخص وفق العقيدة المسيحية هو يسوع، بينما لا تزال الديانة اليهودية تنتظر قدومه. أنظر، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.

Douglas Linder, The Trial of Jesus: An Account, SSRN, 16 Oct 2007.   https://ssrn.com/abstract=1021250 

10 جورج حداد، تقرير بيلاطس البنطي عن قضية صلب السيد المسيح، موقع الحوار المتمدن-العدد: 3583 – 2011 / 12 / 21.

11 هيردوس أنتيباس ثاني ملوك عائلة هيرودس، تقاسم مع أخويه مملكة أبيه، وكانت حصته حسب القسمة الجليل وشرق الأردن، وهو إحدى الشخصيات الواردة في العهد الجديد وقد دعي في الأناجيل بأمير الربع، أي ملك ربع بلاد فلسطين، وقد ساكن زوجة أخيه فيليبس فكان ذلك سبب كره له في الشارع اليهودي، كذلك فقد تسبب له بتوبيخ يوحنا المعمدان (يحيى)، وكان هو من أصدر الأمر بقتله. نعته يسوع بالثعلب، وخلال محاكمة يسوع مثل أمام أنطيباس إذ كان متواجدًا في أورشليم أيضًا لمناسبة عيد الفصح، وقد ذكر لوقا بأن أنطيباس ازدرى يسوع وألبسه ثوبًا براقًا للهزء والسخرية. أنظر، هيرودس أنتيباس، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة. اسم “هيرودس” معناه بطل، ولكنه كان هشـًّا ضعيفـًا أمام شهواته ونزواته، فانتهى للضياع.  ولُـقـِّب بأنتيباس لتمييزه عن الكثيرين في عائلته بذات اسم هيرودس.. وهو ابن هيرودس الكبير الذي قتل كل أطفال بيت لحم ليقضي على الطفل يسوع. أما هيرودس أنتيباس فكان حاكمًا على الجليل وبيريه أيام المسيح، ولُـقـِّب برئيس الرُبع، أي رُبع مملكة اليهود، من عام 4ق.م – 39م.  تزوج من ابنه الحارث ملك العربية ثم طلـّقها ليتزوج هيروديا زوجة أخيه. وكانت نهايته أليمه، حيث علم كاليجولا، قيصر روما، بتأمر هيرودس ضده مع ضابط روماني اسمه سيجانوس؛ فاستدعاه كاليجولا للمحاكمة، ونفاه إلى فرنسا، ثم أسبانيا؛ حيث مات هناك. أنظر، هيرودس أنتيباس، الرابط: http://www.nahwalhadaf.com/makala.aspx?mid=255

12 هوردس أو هِيرُودِسُ (العبرية: הוֹרְדוֹס؛ 73 قبل الميلاد – 4 قبل الميلاد) هو ابن الدبلوماسي انتيباتر الأدومي من زوجته النبطية، عين حاكماً على الجليل ثم أصبح ملك اليهودية. وهو الابن الثاني لأنتيباتر، الأدومي الأصل. وكانت أمه أدومية أيضًا لذلك لم يكن يهوديًا من ناحية الجنس مع أن الأدوميين كانوا قد رضخوا للمذهب اليهودي بالقوة منذ سنة 125 ق.م. وكان قيصر قد عين انتيباتر Antipater the Idumaean حاكمًا على اليهودية سنة 47 ق.م. وقسَّم انتيباتر فلسطين بين أبنائه الخمسة وكان نصيب هيرودس في الجليل. وبعد أربع سنوات قُتِلَ انتيبار. فجاء ماركوس انطونيوس إلى فلسطين وعيَّن الابنين الأكبرين للعاهل المقتول على فلسطين. ثم قَتَلَ أكبرهما نفسه بعد ما أسره الفوتيون الذين هاجموا فلسطين. وهكذا خلا العرش لهيرودس. وفي سنة 37 ق. م. دخل القدس فاتحًا بمعونة الرومان. وقد تزوَّج هيرودس عشر نساء وكان له أبناء كثيرون. ولد يسوع في أواخر أيامه، بعد أن كانت نقمة الشعب عليه، وخوفه من منافسة أعدائه، قد بلغت أشدها. ولذلك أسرع الأمر بقتل جميع الأطفال في بيت لحم، حتى لا ينجو ابن داود، ولا يملك على اليهود ويتربع على عرشه (متى 2). ولكن الوقت لم يمهله كثيرًا. إذ مرض مرضًا خطيرًا، وسافر إلى شرقي الأردن للاستشفاء بحمامتها، ثم عاد إلى أريحا أسوأ مما كان عليه قبلًا. وهناك مات، وهو في السبعين من عمره، بعد ملك أربعًا وثلاثين سنة، وكأنه لم يشأ أن يودع الحياة على عكس ما كان في حياته. فأمر بقتل وجهاء القدس ساعة موته، حتى يعم الحزن المدينة ولا يجد أحد السكان فراغًا ليبتهج بموت ملكه المكروه. ومن بعده جاء ابنه هيرودوس انتيباس فأعدم الرسول يوحنا المعمدان، لأنه عارض الملك معارضة شديدة لعلمه انه تزوج من أخته هيرودية بعد تطليقها من زوجها فعارضه يحيى المغتسل يوحنا المعمدان بقوة وأمره بتطليقها وفي احدى الحفلات التي كان ينظمها هيرودس في قصره طرب لنغمات الموسيقى التي كانت تتراقص عليها بنت أخته هيرودية سلامة أو سالومي كما تذكر في المصادر العبرية فطلبت منه راس يوحنا المعمدان والحت في الطلب حتى قام بتلبية طلبها وهو كره لخشيته من رد فعل الكهان والكتبة اليهود إلا انه نجا بفعلته لكون النبي يوحنا المعمدان يحيى المغتسل يعارض الهيكل كثيرا فلم يعقب أحدا من الكهان أو الكتبة اليهود على ما حدث وقدم لها راس النبي على طبق وذهب. توفي هيرودس عام 4 ق.م. فقسَّم الإمبراطور أغسطس مملكته بين أبنائه الثلاثة حسب وصيته الأخيرة، فعين أرخلاوس Archelaos حاكماً على يهوذا التي تحولت بعد إقصائه عن الحكم عام 6م إلى مقاطعة رومانية، أما فيليب Philippos فحكم المنطقة الشمالية الشرقية (توفي عام 34م)، في حين حصل هيروديس أنتيباس على منطقة الجليل التي حكمها حتى عام 39م، وكان مثل بقية أسرته يهودي في الداخل وهلنستي في الخارج. أنظر، هيرود الكبير، ويكيبيديا-الموسوعة الحرة.

13 إ. س. سفينسيسكايا، المسيحيون الأوائل والإمبراطورية الرومانية، خفايا القرون، ترجمه عن الروسية د. حسان مخائيل إسحق، ط 2، دمشق 2007، ص 85.

14 الأناجيل المنحولة، ترجمة اسكندر شديد، تقديم ومراجعة أ. جوزيف قزي – أ. إلياس خليفة، بيروت 2004، ص 130.

15    Douglas Linder, The Trial of Jesus: An Account, SSRN, 16 Oct 2007.   https://ssrn.com/abstract=1021250  

16 العنوان اللاتيني INRI وهو اختصار لاتيني لـ Iesus Nazarenus Rex Iudaeorum ، والذي يترجم إلى ” يسوع الناصري ملك اليهود .

17 الكتابة فوق الصليب” يسوع الناصريّ ملكُ اليهود “. هل هي كتابة نصر أم إخفاق؟! موقع زينيت في مارس 27, 2016.

18 Douglas Linder, The Trial of Jesus: An Account, SSRN, 16 Oct 2007.  https://ssrn.com/abstract=1021250

19 الأناجيل المنحولة، ترجمة اسكندر شديد، وصدر سابق، ص 146.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular