من خلال تجربتي المتواضعة الملموسة في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية في سبعينات القرن الماضي في لجانه المختلفة في مدينة السماوة، ومن خلال نشاطي اللاحق عضوا في اللجنة التنفيذية في اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي “اشدع ” للفترة ( 1998 ـ 2005 ) ، وكوني سكرتيرا للجنة العلاقات الخارجية لاشدع للفترة المذكورة، كتبت هذه المساهمة، ونشرتها في طريق الشعب ايامها والحزب الشيوعي على أبواب مؤتمره الثامن. اعيد نشرها الان ونحن نحتفل بعيد تأسيس اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، وفاء للشهداء الذين قدموا حياتهم لأجل المثل العليا، وتحية لكل الزملاء، من كل الأجيال في كل مكان.
(1)
في تاريخ الحركة الوطنية العراقية ، وفي سنوات النضال من اجل التحررالوطني والاستقلال والانعتاق من الاستعمار ، وفي كل عهود التخلف والاضطهاد والحكومات المتسلطة التي تعاقبت على مقاليد الحكم ، واخرها فترة النظام الديكتاتوري الدموي المقبور ، لعبت منظمات العمل الديمقراطي المهني ، منظمات الشبيبة والطلبة والمراة ، دورا وطنيا رياديا لا يمكن لاي مؤرخ او مراقب تجاوزه واهماله ، وقدمت قوافل من الشهداء خلال سنوات عملها من اجل اهدافها الوطنية النيرة ، ولتحقيق الطموحات المشروعة لمنتسبيها في حياة حرة كريمة للشبيبة والطلبة . وخلال الفترة المعقدة ، سنوات ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري ، واحتلال العراق ، وتشكيل حكومات عراقية من اجل بناء مؤسساتي جديد ، لعراق جديد ، والدعوة لبناء المجتمع المدني ودولة القانون فأن المنظمات الديمقراطية المهنية ، وبالتحديد منظمات الشبيبة والطلبة والمرأة ، يتضاعف دورها وتزداد مسؤولياتها ، بل ويستوجب ان تلعب دورا مهما ، لا يمكن التقليل من شأنه ، بل ويمكن ان ينافس الى حد دور الاحزاب السياسية ، فأن العصر الحالي يمكن القول ووصفه انه عصر منظمات المجتمع المدني ، التي تلعب في المجتمعات الديمقراطية المتطورة دورا بارزا ومؤثرا في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية ، ومن هنا تبرز الحاجة اكثر لاعادة النظر بأساليب بناء وتنظيم منظمات الشبيبة والطلبة والمرأة ، وطرق عمل الشيوعيين فيها ، وفقا لمعايير العمل الجديدة الملائمة للظروف الجديدة في العراق الجديد المزمع بناءه ، والذي تطمح له غالبية ابناء الشعب العراق وقواه السياسية التي عانت من جور وظلم سنوات القهر الديكتاتوري. وتبرز الحاجة اكثر من اي يوم للتنسيق العالي والفعال، وبناء اسس جديدة للعلاقة ما بين منظمات الشبيبة والطلبة ـ موضوع بحثنا ـ والاحزاب الوطنية الديمقراطية، وفي المقدمة من ذلك الحزب الشيوعي العراقي، كحزب وطني، علماني، ديمقراطي، لعب، ويلعب دورا طليعيا في الحركة الوطنية الديمقراطية ، وباعتبارهذه المنظمات تعتبر وسائل فعالة للحزب الشيوعي العراقي للعمل بين الجماهير .
(2)
عند دراسة الفقرات التي يتضمنها برنامج الحزب الشيوعي العراقي المقدم للمؤتمر الثامن، لابد من ادراك انها تعني اساسا كل الشبيبة والطلبة في العراق ، سواء المنتمين الى صفوف الحزب او خارجه ، وسواء من عملوا في منظمات مهنية او خارجها ، فالحزب حريص على ايصال صوته وبرامجه الى اوساط الشبيبة والطلبة ، بشكل مباشر من خلال اعضاءه ، او من خلال نشاطهم في المنظمات المهنية الديمقراطية . وقبل تقديم اي ملاحظات بشأن عمل الحزب الشيوعي العراقي بين الشبيبة والطلبة ، لابد الاشارة من انه لايمكن الحديث عن نشاط وعمل منظمات الشبيبة والطلبة التي ظهرت في تاريخ العراق المعاصر، دون التوقف عند مساهمة ودور الحزب الشيوعي العراقي الفعال والتأريخي في دعم هذا النشاط والعمل ، بل ونكاد نجزم بأن منظمات عريقة مثل اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ( تأسس 14 نيسان 1948 ) واتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي “اشدع ” ( تأسس 15 تشرين الثاني 1951 ) لم يكن لها ان تتأسس وتواصل نشاطها وحياتها لولا دعم ومساهمة الشيوعيين العراقيين . اذ رفد الحزب الشيوعي العراقي، هذه المنظمات بخيرة كوادره الطلابية والشبابية ، والتي قدمت عصارة جهدها ، وزهرة شبابها من اجل تحقيق هذه المنظمات لاهدافها وبرامجها ، وقدم الكثير من الشيوعيين حياتهم قربانا للوطن خلال عملهم في صفوف هذه المنظمات ، وقائمة الشهداء طويلة لو تم استذكارها . وكانت سياسة الحزب الشيوعي تحرص على ان تكون هذه المنظمات طوقا جماهيرا حول الحزب يسنده ويدعمه في تنفيذ سياسته وبرامجه
ولكن هل كانت سياسة الحزب الشيوعي العراقي ، في اطار العمل بين الطلبة والشبيبة ، على صواب دائما ؟ هل كان تاريخ العمل المهني دائما يمر بفترات عمل ذهبية ، كالتي شهدتها سنوات ما بعد ثورة 14 تموز المجيدة ، يوم صار لاشدع مقرات في كل حارة وشارع ؟ ماذا تقول كتب ذكريات بعض القادة من الحزب الشيوعي العراقي بهذا الخصوص؟
(3)
لو القينا نظرة متفحصة على ما حمله البرنامج المقترح للحزب الشيوعي العراقي، المقدم لمؤتمره الثامن، وفي باب “الشبيبة والطلبة ” ، فأننا :
• سنتوقف عند مهام جسيمة وكبيرة وان كانت الوثيقة جمعتها واجملها في اربعة نقاط وتتحدث عن الطلبة والشبيبة في ان واحد بالرغم من هموم ومتطلبات الطلبة تختلف عن الشبيبة رغم اتفاقهما على نقاط مشتركة هنا وهناك ، وكان الاجدر في البرنامج ان يتناول اوضاعهما ومطاليبهما وهمومهما بشكل منفصل ، ويفّصل فيها .
• وبحكم كون البرنامج موضوع لفترة ما بين مؤتمرين ، والتي تحدد حسب النظام الداخلي بفترة اربعه سنوات ، باعتقادي ان من الممكن تقسم هذه المهام الى محورين او بابين :
اولا : المهام الانية : وهي هنا المهام التي تتعلق بمعالجة الاثار التي تتعلق بتركة النظام الديكتاتوري المقبور ، وما برز بين صفوف الشبيبة والطلبة من اثار سلبية ، اهمها حالة تجهيل وتغييب الوعي ـ هي حالة عامة يعيشها الشعب العراقي ـ والنتائج السلبية المترتبة على ذلك في دفع الشبيبة والطلبة للعمل باتجاه طائفي وقومي ، وايضا الاثار التي برزت خلال فترة الاحتلال وما تركت من تاثيرات بين صفوف الشبيبة والطلبة . وما يتعلق بتحسين حياة الشبيبة والطلبة وفي مقدمة ذلك معالجة مشكلة البطالة التي تعتبر حاليا احد الاسباب الرئيسة الحاضنة للارهاب ، اضافة الى غالبية المهام المجملة في النقاط الاربعة المذكورة .
ثانيا : المهام المستقبيلة : التي تتعلق بدور الشبيبة والطلبة في بناء وتعزيز المجتمع المدني ودولة القانون ، واعادة بناء الوطن واعماره وبطريقة تضمن الحقوق والحريات التي ناظلوا من اجلها طويلا .
(4)
وان تنفيذ المهام التي حددتها الوثيقة البرنامجية المقترحة للحزب الشيوعي العراقي، بخصوص الشبيبة والطلبة ، لا يمكن تنفيذها وبابداع دون التوقف عند نقاط اساسية ، منها :
اولا : استقلال المنظمات الديمقراطية
في كتاب ” الاختيار المتجدد ” * وهو مذكرات الفقيد رحيم عجينة ( 1925ـ 1996 ) ، القيادي في الحزب الشيوعي العراقي ، وهو واحد من ابرز الكوادر التي عملت في اشدع في سنوات خمسينات وستينات القرن الماضي ، وتبوأ فيه مواقع قيادية مهمة ، ومثل اشدع في العديد من المحافل الدولية وخصوصا سكرتارية اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي ، يشير الى كون استقلالية المنظمات الشبابية كثيرا ما يهدد بسبب الكوادر القيادية ، فاذ يكونوا عاملين في احزاب شيوعية ( فانهم يطرحون في العادة مواقف احزابهم ) ويؤكد ( بان هذا احد امراض المنظمات الديمقراطية سواء كانت وطنية او عالمية اذ غالبا ما تفقد استقلاليتها وتمسكها برغبات وقرارات اعضاءها ) . وفي مذكراته يؤكد الفقيد رحيم عجينة على ضرورة ( العمل وبجد لتعزيز استقلالية هذه المنظمات لتكون منظمات ديمقراطية ، كاملة الاستقلال، وليس تابعا ملحقا لتنظيم الحزب الشيوعي العراقي ، ودون السماح لهيئات حزبية وكوادر قيادية من ان تفرض وصايتها على الهيئات القيادية تحت ذرائع ومبررات لا حصر لها ) .
ولو راجعنا مذكرات المناضل ، جاسم الحلوائي ** ـ المنشورة على مواقع الانترنيت وصدرت مؤخرا في كتاب ـ والذي تبوأ مواقع قيادية عديدة في قيادة الحزب الشيوعي العراقي ، وتحديدا الفصل المعنون (الإصدام) ، نجده يشير وبجرأة الى ( إن نزعة الهيمنة على المنظمات الديمقراطية والمهنية والإنفراد بقيادة الجماهير الشعبية لم تكن نزعة طارئة وإنما من صلب أيديولوجية الحزب ، وإن الحرص على مبدأ وحدانية المنظمة الديمقراطية أو المهنية الذي كنا ندافع عنه يصب في هذا الإتجاه. إن هذه النزعة كانت موجودة في المواد الخمسة الأولى من النظام الداخلي القديم، التي كنا نشرحها للعناصر الجديدة قبل ضمها للحزب وقد جرى تعديل تلك المواد في المؤتمرين الثاني والثالث . وبدأ الحزب بالتخلص من هذه الأيديولوجية منذ مؤتمره الخامس “مؤتمر الديمقراطية والتجديد” حيث ثبت في نظامه الداخلي الجديد حرصه على إستقلالية المنظمات النقابية والمهنية والإبداعية وغيرها. وواصل دمقرطة الحزب وبرنامجه وسلوكه مع الآخرين وتبنى التعددية والتداول السلمي للسلطة ) .
ان ابرز ما يواجه الحزب الشيوعي العراقي في هذا المجال ، ومن خلال تجربتي المتواضعة الملموسة من خلال نشاطي عضوا في اللجنة التنفيذية لاشدع ( 1998 ـ 2005 ) ، وكوني سكرتيرا للجنة العلاقات الخارجية لاشدع للفترة المذكورة، هو ان الهيئات المختصات الحزبية ، وبحكم حاجة بعض العاملين فيها الى مزيد من الوعي والثقافة النقابية بسبب من قلة تجاربهم في العمل المهني ، ورغم اعلان هذه الهيئات المختصة الدائم عن عدم تدخلها بشؤون عمل المنظمات الديمقراطية والمهنية ، فانها عمليا تعمل بطريقة تكون فيها مقام الهيئات القيادية لهذه المنظمات المهنية ، وما يساعدها على ذلك هو ان الروح الانجازية ـ الانجاز لاجل الانجاز ـ التي تملكها هذه المختصات الحزبية وتجعلها تنجز فعاليات ونشاطات تنظيمية تكون النتيجة فيها أختيار هيئات قيادية ضعيفة الخبرة والتجربة ، فتكون دائما بحاجة ماسة الى الدعم والمشورة ، مما يساعد ويسهل لبعض الكودار القيادية العاملة في الهيئات الحزبية المختصة ان يتحولوا من مقدمي مشورة ونصائح الى موجهين وقادة فعليين للمنظمات الديمقراطية ، وهذا بالتأكيد يتم “تحت ذرائع ومبررات لا حصر لها ” كما اشار الفقيد الدكتور رحيم عجينة . ومع ذلك لا يمكن هنا اغفال تجارب ايجابية عملية في التنسيق العالي بين هيئات قيادية من المنظمات العمل الديمقراطي ، وهيئات مختصة حزبية استوعبت جيدا موضوعة استقلالية المنظمات الديمقراطية ومارست بشكل خلاق وحقيقي دور تقديم المشورة والدعم المناسب فكانت نتائج العمل طيبة ومثمرة.
ثانيا : العمل السياسي والعمل المهني
ان قراءة متفحصة لتاريخ نضالات منظمات الشبيبة والطلبة تجعلنا نتوقف عند تلك الصفحات المشرقة في النضال الوطني ، من اجل الاستقلال والديمقراطية والحرية وحياة افضل ، حيث قدمت هذه المنظمات قوافل من الشهداء الابرار من منتسبيها ، في كل الانتفاضات والوثبات والثورات والاحتجاجات ، وفي مختلف سوح النضال ، في المظاهرات وفي ساحات العمل السري ، وفي السجون والمعتقلات ، وفي سنوات الكفاح المسلح ، وسنوات النفي الاجباري . ان النضال المطلبي والمهني متشابك جدا مع المطالب الديمقراطية، فأن العمل من اجل تنظيم فريق كرة قدم يحمل معه ضمنا نضالا من اجل حياة ديمقراطية ، وهذا ما يجعل هذه المنظمات في صدام مستمر مع انظمة الحكم التعسفية الشمولية . والملاحظ ان العديد من الظروف الموضوعية والداخلية جعلت المنظمات المهنية تتحول الى منظمات سياسية ، تتحدث بذات الخطاب الذي تتحدث به الاحزاب الوطنية وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي ، مما يسبب الخلط بينها وبين تنظيمات الحزب الشيوعي ، ولهذا نتائجه السلبية على التوجه للعمل بين اوساط الشبيبة والطلبة. ان من الضرورة التأكيد على ان يكون للمنظمات الديمقراطية برامجها المهنية الديمقراطية ، التي تحمل هموم ومطالب الشرائح التي تمثلها ، وان تنشط المنظمات الديمقراطية بأتجاه تعزز فيه النشاط والعمل المطلبي وترسم برامج واقعية تلف حولها غالبية من تمثلهم وتتحدث باسمها . ان الاستقلال في العمل والخطاب النضالي لا يعني تعارضا مع الاحزاب الوطنية والحزب الشيوعي العراقي، وكما ان التنسيق في العمل والالتقاء في الاهداف يجب لا يعني التبعية والذوبان . ان تعزيز الجانب الديمقراطي في حياة وبرامج وعمل هذه المنظمات يجب ان يساهم في جعلها منظمات ديمقراطية مهنية حقيقية وليست منظمات سياسية تابعة وذيلية. ان التنوع الفكري لمنظمات الشبيبة والطلبة يدعو الى العمل لتوحيد جهودها ضمن مظلة تنسيق واحدة، تكون اداة لجمع طاقات الطلبة والشبيبة من اجل اهداف مرحلية انية تدعم العملية السياسية وتتصدى للعمل الارهابي والتخريبي ، وهنا يمكن للشيوعيين العاملين في منظمات الشبيبة والطلبة ان يلعبوا دورا اساسيا استنادا الى تجربة حزبهم في العمل المشترك والتحالفات .
هوامش
* ـ الاختيار المتجدد . الدكتور رحيم عجينة . توزيع دار الكنوز الادبية 1998 . بيروت
** ـ جاسم الحلوائي . ذكريات / موقع الناس / فقرة الاصطدام
سماوة القطب
18 تشرين الاول 2006