إغلاق الحدود بين الدول الأوروبية ومنع عبورها يذكر بالستار الحديدي إبان الحرب الباردة
.
إغلاق الحدود كان من أولى الإجراءات التي اتخذتها الدول الأوروبية لمواجهة فيروس كورونا، ما انعكس سلبا على العلاقات الاجتماعية العابرة للحدود وشتت شمل أسر وحرم الشركاء من اللقاء، وهو ما يذكر بالحرب الباردة والستار الحديدي.
مع العزل الصحي والاجتماعي، ومع وقف جميع وسائل السفر، تلقي جائحة فيروس كورونا المستجد بضغوط على كثير من العلاقات، وليس فقط تلك الخاصة بالشركاء الذين يعيشون معا. فقد أصبحت جمهورية التشيك تنظر إلى ألمانيا المجاورة على أنها “بلد خطر”، وتم اعتبارا من منتصف آذار/ مارس 2020 إغلاق الحدود بين الدولتين، وتقوم قوات الجيش والشرطة بمنع الدخول أو الخروج عبر الحدود بشكل صارم.
والآن أصبح يتعين على الشركاء الذين يعيش كل منهم سواء في ألمانيا أو التشيك بعيدا عن الآخر، تحمل مصاعب كبيرة حيث ظهر نوع جديد من “الستار الحديدي” وإن كان بشكل مؤقت بين الدولتين، مما يعيد ذكريات ما حدث في التاريخ الحديث إبان فترة الاتحاد السوفيتي السابق، بل حتى الأزواج صاروا يواجهون قرارات صعبة إذا كان أحدهم يعمل بالخارج.
مهنته ساعدته على لقاء شريكته
ويعمل روبرت برادي وهو من جمهورية التشيك في مدينة ليبيريتس الكائنة في إقليم بوهيميا الشمالي، غير أنه كان يقيم خلال الأعوام الإثنى عشر الماضية على الجانب الآخر من الحدود ببلدة تسيتاو الألمانية. ويقول برادي (48 عاما)، إن قراره بالانتقال للعيش هناك جاء بناء على قصة حب لينضم إلى شريكته التي كانت متزوجة من شخص ألماني قبل ذلك، وهي تعمل ببلدة تسيتاو ويذهب أطفالها إلى مدرسة هناك، ولم يكن التنقل عادة بين البلدتين التشيكية والألمانية يمثل مشكلة في السابق، حيث تبلغ المسافة التي تفصل بينهما 25 كيلومترا فقط. لكن تم إغلاق الحدود الآن بين البلدين.
وكان برادي، الذي يدير ملجأ للمشردين وملجأ للنساء في ليبيريتس، محظوظا. ففي اللحظات الأخيرة وافقت الحكومة التشيكية بضغط من ألمانيا، على إصدار لائحة استثنائية لمرور العاملين في مجال الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية، ومن ثم تم السماح لبرادي بالتنقل بين البلدين يوميا. بينما أصبح يتعين على كل شخص آخر يريد أن يعبر الحدود من التشيك إلى ألمانيا، أن يبقى هناك لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل، وعندما يعود أدراجه يتم عزله داخل الحجر الصحي لمدة أسبوعين آخرين.
ويتفهم برادي هذه القيود ولكنه يشعر بالقلق أيضا. إذ يقول إن “الشبكة الاجتماعية بالبلدة التشيكية أقيمت على مدى عدة أعوام، لكنها تتعرض الان لهزة عنيفة”. وهو يعتقد أن الحياة داخل المثلث الحدودي الألماني البولندي التشيكي، لا يمكن أن تحكمه قواعد بسيطة، حيث يضم الكثير من الزيجات المختلطة.
“أجهش كل منا بالبكاء”
بينما يقول ماتياس كيه من بلدة كلينغنتال الألمانية “أين ذهبت إذن فكرة الوحدة الأوروبية، وأين تقف إنسانيتنا وسط أزمة كورونا؟ حتى الآن تفكر جميع الدول في نفسها فقط”. وإذا نظر ماتياس من نافذة منزله فيمكنه أن يرى جمهورية التشيك ماثلة أمام عينيه، وتقع بلدة كراسلايس الصغيرة على بعد مئتي متر من الحدود، ولكن لا يمكن الوصول إليها الآن بعد إغلاق الحدود. وتعيش صديقته في بلدة كراسلايس حيث تعمل معلمة، وقبل إغلاق الحدود كانا يلتقيان مرتين أو ثلاث مرات كل أسبوع.
ويقول ماتياس (47 عاما) إن “قرار إغلاق الحدود أخذنا على حين غرة”. وكانت آخر مرة رأى فيها صديقته يوم 13 آذار/ مارس الماضي ببلدة كراسلايس، وهما لا يعلمان متى سيريان بعضهما مرة أخرى، ويقول “لقد أجهش كل منا بالبكاء”. ويفترض الشريكان أن الإغلاق سيستمر نحو 30 يوما، غير أنه من الصعب التكهن بموعد فتح الحدود مرة أخرى. إذ يرى ماتيس أن عدم اليقين هو أسوأ ما في الموضوع، حيث يوجد الكثير من المعلومات المتناقضة، ويضيف “على حكومة براغ أن تدرك أنها تغلق دولة بكاملها”.
لا مجال لرؤية الشريك!
ويشير متحدث باسم وزارة الداخلية التشيكية إلى عدد من الاستثناءات التي تم اتخاذها، بهدف تنظيم إعادة لم شمل الأسر، غير أنه لا تزال ثمة أسئلة تحتاج إلى إجابات. فعلي سبيل المثال يمكن أن يدخل زوج ألماني لإمرأة تشيكية جمهورية التشيك لمرة واحدة، في حالة تقديمة وثيقة زواج صالحة، كما يسمح لأطفال الزيجات المختلطة بالعودة إلى الأب في جمهورية التشيك ولكن لا يسمح لهم بالتنقل بين البلدين، أما في حالة عدم الزواج فليست هناك طريقة لرؤية الشريك.
ويعلق برادي قائلا إن الضرر الناجم عن الإغلاق المؤقت للحدود سيستمر لفترة من الزمن، ويعرب عن اعتقاده بأن كثيرا من الأشخاص سيمتنعون عن التنقل بين البلدين في المستقبل. ويضيف إن “الناس سيخشون أن تتعرض حياتهم للتغيير في لحظة ما، في حالة حدوث شيء مماثل مرة أخرى”.
تجدر الإشارة إلى أن الأمر لا يقتصر على الحدود التشكية الألمانية، إذ أن المشهد يتكرر على الحدود مع دول أخرى أيضا، وخاصة سويسرا، حيث هناك تداخل واختلاط كبير بين سكان البلدات الحدودية، وقد حرم إغلاق الحدود بسبب كورونا، الكثير من الشركاء من اللقاء ولم يبق أمامهم سوى التواصل عن بعد وإرسال القبلات عبر الهواء من خلف السياج الحدودي الجديد.