هو كتاب لعمري يعدّ بما جاء فيه من حديث عن إبادة جماعية ، وانتهاك لحقوق المرأة والطفل الأيزيديين وسفك دماء صمة عار على جبين المجتمع الدولي ، وعلى جبين من نظّروا للحداثة وما بعدها ، ولمن هلّلوا للقيم الكونية وبنودها ، وبشروا بحقوق الإنسان ومفاخرها ، أولئك الذين وعدوا البشرية قولا وتنظيرا عن طريق فلسفاتهم بالجنة الكونية على الأرض ، ولكن ما نراه اليوم في اليمن وليبيا وسوريا والعراق وأفغانستان وفلسطين يعدّ بمثابة الخنجر في خاصرة الأديان المؤمنة بالمحبّة والتراحم وبمقولة ” لا إكراه في الدين ” وكذلك في خاصرة المركزية الأوربية الرافعة للواء الإنسانية زورا وبهتانا ، وما انتصارها لمبادئ حقوق الإنسان إلاّ من قبيل الواجهات الاستهلاكية التي تخرج بها على الناس في المحافل الدولية لا غير أمّا عن داعش ، وهي موضوع الكتاب وسبب قيامه ونشره ، فأمر هذه الجماعة أمر عجب ، والحديث عنها يبعث في النفس الحزن والغثيان والذعر والسّخط ، إذ إنّنا إزاء تنظيم إجرامي إقليمي ، يحمل ظاهرا لواء الدفاع عن راية الإسلام ، أو هكذا يدّعي ، وباطنا وتلك هي حقيقته فهو تنظيم من صنع المخابرات والسفارات والقوى الدولية والإقليمية ، وهو تنظيم سليل الجهل المقدّس والقراءت السطحية للنص الديني والنصوص الحافّة به ، كما يعدّ هذا التنظيم جماعات للوحشية أقرب ، وبالحيوانية ألصق ، كما لا يمتّون للإنسانية بصلة، فهي جماعة ضاربة بمقولات التعدّد والتنوّع والاختلاف الديني والعرقي والمذهبي والطائفي والإيديولوجي والحريات الفردية والجماعية عرض الحائط ، بدليل تقتيلهم للناس بغير وجه حقّ وتجويعهم ، وتشريدهم ، وتهجيرهم ، وحرمانهم من أهاليهم، وأراضيهم ، واقتلاعهم من عيشهم وأحلامهم وطفولتهم البريئة ، واغتصاب نسائهم ، وبث الرعب في صفوفهم والتنكيل بهم ، واغتصاب البنات الصغيرات ، وبيع النساء في سوق النخاسة ، وزواج المتعة ، وتجارة الرقيق، وتجنيد الصبيان واستغلالهم جنسيا ، وتربيتهم على الوحشية في التعامل مع المختلف عنهم دينيا وعرقيا ، وتدريبهم على الجوسسة والوشاية وقطع رؤوس البشر بدم بارد ، رغم عديد النصوص والمواثيق الدولية والاتفاقيات التي جاء على ذكرها الكتاب في الفصل الأوّل ليبيّن بالقانون الدولي ونصوصه مدى بشاعة ما تقوم به ( داعش ) في حقّ الإنسان الأيزيدي الأعزل المسالم ، وقد جاء الكتاب على هذه المواضيع بالتفصيل والتدقيق ، مستندا لشهادات العائدين من مخّيمات العسكر الداعشيّ ، وصعوبة إعادة إدماجهم في المجتمع الأمّ / البيئية الأيزيدية ، وقد جاء الفصل الثني على هذه الصعوبات الإدماجية مع أطفال يعايشون التمزق النفسي
والفكري والهوياتي ( الهوية ) وحتى التربوي ، حتى باتوا يشكلون خطرا على سلامة عائلاتهم لما يتميزن به من عنف تعودوا عليه في مخيمات داعش ومعسكراتها ، وممّا زادا في تعرية واقع هذه المأساة الإنسانية والتي تعرضت لعديد الانتهاكات والتقتيل والتشنيع بها لأكثر من سبعين مرة ، وعلى مراحل زمنية مختلفة ومتباعدة ، وقد أطنب الكتاب الحديث عنها في معرض حديثه بالوثائق والتواريخ .
إنّه كتاب توثيقي في شكل رسالة للعالم وللمجتمع الدولي للتعريف بقضية الأزيديين العادلة ، هذه الديانة غير التبشيرية والتي تعيش حياتها وطقوسها في مجتمع مغلق مسالم .
فوزي الديماسي / تونس