الخميس, نوفمبر 28, 2024
Homeاراءخالد سرحان "الأيزيدي" قضية رأي عام : ابراهيم سمّو

خالد سرحان “الأيزيدي” قضية رأي عام : ابراهيم سمّو

أن خالد الضحية هنا أدين وعوقب بالإعدام، بموجب “قانون الإرهاب”، الذي لم يُسَن أساساً في العراق للمقهورين الأيزيديين
اعتقد الشاب الأيزيدي؛ خالد سرحان، ما إن بلغ “زاخو” في إقليم كردستان، بعد الذي تلقاه من إبادة، استهدفته وكل أيزيدييه، بالقتل والسبي والتهجير، والإكراه على تغيير الدين، وتلويث عقول من في عمره من الناشئة، المستولى عليهم بالفكر الجهادي التكفيري، أنه غدا وأهله في مأمن من أنياب الإرهاب، لكن ظنونه لم تصدق، فسرعان ما عصفت رياح محكمة جنايات نينوى بما أمله، إذ لاحقه قضاة تلك المحكمة تجنياً، وجرّموه بعد توقيف تعسفي دام قرابة سنتين، بفعل لا علم ولا ضلوع له البتة به. المضحك المبكي، أن خالد الضحية هنا أدين وعوقب بالإعدام، بموجب “قانون الإرهاب”، الذي لم يُسَن أساساً في العراق للمقهورين الأيزيديين. كيدية التجريم عبر استغلال قوانين الدولة، لم تعد تخفى على أحد إذاً، ومقتفو حقوق الإنسان يلاحظون، أن قرار تجريم ومعاقبة واحد مثل خالد، لم ينم إلا عن ذهنية جهادية تكفيرية سلفية، فالعراق، بحسب هؤلاء، لا يزال كدولة وسلطات، مغموراً بـ “خلايا” و”اوصال” و”أفكار” و”عقول” داعشية، لا يتورع عناصرها، ومتبنو عقائدها عن قلب الحقائق وتحريفها، وتلفيق الأباطيل، واقتراف الكبائر بحق المستضعفين، وإساءة استخدام السُلطة، بل الاندفاع متخفين وراء تلك السلطات، إلى تقويض أركان الدولة العراقية، ونخر ما تبقى فيها من مظاهر للمواطنة والإنسانية، ويتحفظ أولئك المراقبون، فقرار الإدانة لم يدوَّن إلا بحبر تكفيري ثأري متحيز، وشاهد التحفظ أن “الشك” يهلهل وسط مجريات ووقائع وتفاصيل الدعوى، بينما تغاضى القضاة عن الإحساس به، كمسلّمة نظرية وعملية كبرى، تنهض عليها العلوم القانونية، والقضائية، والفقهية في العراق والعالم. المتحفظون يعيبون على القضاة تدليلهم الفاسد، ومخالفتهم لأبسط قواعد العدل والعقل والمنطق البشري السوي، ويستنكرون الاستخفاف بالعدالة و”النظام القانوني”، اللذين استقرا على أن “لا جريمة اذا أصبحت الادلة يشوبها الشك وتحيط بها الشبهات وأن الشك يفسر لمصلحة المتهم والحدود تدرأ بالشبهات”.
ادلة “الشك”والبراءة: المقتففون أنفسهم يسجلون، أن المحكمة أجهضت عن عمد، في قرارالإعدام، تقدير وتقييم بيّنات ومعطيات، ووقائع وشهادات وقرائن وأدلة منتجة، احتواها الملف، إن بصورة رسمية أو إيحائية، فالقضاة لم يلتفتوا، مثلاً، لدى المناقشة في القرار، إلى شهادات إدارة، ورجال أمن، وسكان “مخيم قاديا”/”زاخو”، المبرهنة بلا لبس أن “المحكوم عليه”، كان ينشط وقت ارتكاب الجرم، على مرأى حشود كبيرة، في استذكار ابادة شنكال؛”سنجار” في هذا المخيم، حتى احتجزه مؤقتاً رجال أمن المخيم، بذريعة تصويره الفعالية الحزينة والغاضبة، دون إذن مسبَّق. وهنالك من يتساءل، بنبرة لا تخلو من تهكم: هل ثبت للقضاة المبجلين، أن المحكوم عليه امتلك وقتها بساط علي بابا مثلاً، أو حاز مصباح علاء الدين، أو تحول إلى مخلوق خارق، فظهرعضوياً وعيانياً، يساهم في زاخو في الاحتفالية التأبينة، ويشترك في الآن عينه، على مبعدة 200 كم، في”مجمع خانصور”، في القتل؟ويتابع المتهكمون: كيف قفز القضاة، على تقدير قرائن “الزمن” و”المكان” و”المسافة”، هل خذلتهم فطنتهم؟.هذه تساؤلا للحقيقة مشروعة، فالمحاكمة لم تكن سوى قراقوشية، وإلا كيف راق للقضاة، أن يتخلفوا في قرار يقضي بالإعدام، عن إبداء مناقشة حقيقية وجادة، لأقوال المحكوم عليه، وطلبات ودفوع محاميه، ثم كيف تقرر الإعدام، على مجرد مزاعم أدلى بها شاكٍ مصاب، كان يرافق المغدور، نقلاً عن “أهل المنطقة”. ألم يكن من واجب المحكمة، أن تتحرى عن قرائن وأدلة ذات مفعول، لمَ لم تسع إلى تفكيك طلسم “أبناء المنطقة “، إلى عوامله الأولية، وتستفسر، من ههناك، عن أسمائهم ومحال إقاماتهم وتفصيل هوياتهم؟ ثم هل شوهد المحكوم عليه حقاً يقود سيارة؟. الظاهر أن شمو سرحان، نفى على فضائية كردية، الزعم بـ”صلاحية” ولده للسياقة بتحدٍّ: “إنه معتقل وللمحكمة الثبت، بمعرفة أهل الخبرة والاختصاص من ذلك”.
في خلفية القضاة وأهلية الشاهد: ينحدر قاضيان من سنجار، ويتمذهبان بـ”السلفية”، وفق قائد قوات أيزيدية في سنجارالجبل؛ “قاسم ششو”، الذي اتهم أعداداً من”عوائل” القاضيين وعشيرتيهما، بالتطرف ودعم داعش في الغزو على الأيزيديين، وإذا صدقت تصريحات “ششو”، فإنها تعرّي الدوافع التكفيرية للقضاة، في الاعتماد على مزاعم غير قطعية، اساسها”الاشتباه”، لـ”شاهد منفرد” افادته “نقلية افترائية”، ثم غير مفيدة لظروف: أولها أنه روِّع بصدمة نفسية، إثر تعرضه لعملية إرهابية، أودت بحياة قريبه وإصابته بطلق ناري، ولا يزال يفتقد إلى التركيز والتوازن النفسي، ويقاسي “اضطراب ما بعد الصدمة”، وثانيها أن وازعه العشائري، يحتم عليه كموروث عرفي، الثأر ولو بـ”التجني الكيدي”، وثالثها أن الشهادة تفتقد إلى قرينة، ولو بسيطة، تعززها، بل ثمة دواحض كثيرة تكذبها، وتفضح من ثم “نزعات” قضاة خالفوا مهنيتهم، وصدّقوا مثلاً لاحصراً، أن المحكوم عليه نصب مع آخرين “سيطرة”؛ أي “نقطة تفتيش”، وهم يعلمون يقينا لكونهم ينتمون للمكان، ان سنجار وقراها وتجمعاتها ونواحيها، افرغت منذ غزوة داعش كلياً من أيزيدييها، وباتت إلى اليوم ساحة صراع مفتوحة، تسيطرعليها قوى ومليشيات وأحزاب عديدة متنازعة، لا يؤذن حتى للنملة أن تدبَّ، على تلك الارض دون موافقة، فضلا عن نصب “سيطرة”.
المظلومية تحولت إلى “قضية رأي عام”: مغدورية خالد، عبرت لمرارتها حدود العراق، وتحولت بمبادرة من شخصيات وجمعيات ومنتديات أيزيدية، فاعلة وموزعة في أوروبا، والولايات المتحدة، ودول أخرى، وبتضامن جاد من أصدقاء، تتعدد صفاتهم، تتنوع وظائفهم ومفاعليهم في تلك الدول، إلى”قضية رأي عام” في العراق والعالم، وباتت “الأروقة الأممية” تتداولها في إطارها الإنساني، وتسعى جاهدة إلى نصرتها
التمييز وما بعده: العيون كلها في الداخل والخارج، تشخص إلى عدالة “محكمة التمييز”، وتترقب تقرير فسخ “الظلم”، وإعادة الملف إلى محكمة نينوى لتصويبه. و”محكمة التمييز”، ههنا، أمام امتحان عسير، ويعول كثيراً، رغم تفشي الفساد والمحسوبية والشللية، والمليشيوية والعصبية والتحيّزين الديني والمذهبي، على نزاهة وحيادية ونباهة قضاتها، ودقة حرفيتهم في استخلاص”الشك” الطافح على الدعوى، وضبط كواليسها، والتعويل لا يأتي هنا من فراغ، فالقاضي “شريح” العراقي، قضى ذات يوم، حسب مصادر تاريخية، لإعرابي بمواجهة عمر، وانتصر للعدالة في خصومتين على عليّ، مرة ليهودي وأخرى لنصراني، ثم..بعد فسخ القرار، وعودة “القضية” إلى محكمة الموضوع، ينصح مشاورون قانونيون خالداً، ولضمان افتراضية محاكمة أكثرعدالة، أن يتقدم وكلاؤه إمّا بطلب “رد القضاة”، أو”مخاصمتهم”؛ أيهما حسب الحال أفضل، فتغيير هيئة المحكمة وفق المشاورين، بات بعد كل ذلك الجبروت، من ضرورات عدالة توجب إغاثة ملهوف، لسان حاله: “والسَّماءُ والأَرضُ شاهِدَتانِ على الظالم”.
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular