خلال 4 أشهر، أصيب أكثر من مليوني إنسان حول العالم بفيروس كورونا المستجد covid 19 وتوفي أكثر من 133 ألفا آخرين في جائحة وبائية لم يشهد العالم مثيلا لها منذ تفشي الحمى الإسبانية في العقد الثاني من القرن الماضي.
وفي ظل استمرار ارتفاع أعداد المصابين بالفيروس، تطرح الكثير من التساؤلات والتحليلات عن بداية الفيروس والإحصائيات ومخاطر الفيروس وطرق الوقاية منه فضلا عن التنبؤات بانحسار الفيروس ونهايته.
بداية الفيروس
كان اول ظهور لفيروس كورونا في العالم في الصين وتحديدا في مقاطعة هوباي (مدينة ووهان) في الـ 19 من كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي.
“إخفاء الصين لحقيقة الفيروس وعدم إطلاع العالم ومنظمة الصحة العالمية على خطورته وعدد الإصابات في الأيام الأولى، أدى إلى انتشار الفيروس بصورة غير مسيطر عليها”
يشير استاذ علم الفيروسات في جامعة بكين للعلوم “وي جيو” إن الفيروس إن نشأ من اتحاد فيروسين من الخفاش والأفاعي ونقل الى الانسان بواسطة حيوان آخر يعتقد أنه آكل النمل الحرشفي.
ويشير جيو إلى أن أول ظهور للفيروس كان في مدينة ووهان الصينية وتحديدا في سوق بيع الحيوانات البرية في المدينة، لافتا إلى أن الأطباء لم يشخصوا الفيروس في بداية الأمر، كون التسلسل الجيني للفيروس لم يكن معروفا من قبل، وبالتالي فإنه وريثما تم التعرف على الجينوم الخاص بالفيروس كان الفيروس قد انتشر بشكل كبير في المدينة.
من جهته، يشير خبير الإحصاء في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية “ماثيو هوف” إن إخفاء الصين لحقيقة الفيروس وعدم إطلاع العالم ومنظمة الصحة العالمية على خطورته وعدد الإصابات في الأيام الأولى، أدى إلى انتشار الفيروس بصورة غير مسيطر عليها.
ويضيف هوف أن أخطر ما في الفيروس هو سرعة انتقاله وعدم معرفة العلماء بطرق انتقاله الدقيقة، لافتا إلى أن الدراسات المستفيضة للفيروس تؤكد يوما تلو آخر على مدى خطورة الفيروس.
ويشير هوف أيضا إلى أن تسجيل أكثر من مليوني إصابة ووفاة أكثر من 133 ألفا، جعل العلماء يكثفون من دراساتهم باستخدام مختلف الطرق العلمية، لافتا إلى أن أخطر ما في الأمر هو أن الفيروس يمكنه العيش على الأسطح لفترات طويلة تختلف عن بقية الفيروسات، وأن مدة بقاءه حيا على الأسطح تختلف من مادة إلى أخرى، فالحديد يعد من أكثر الأسطح التي يمكن أن يبقى فيها الفيروس نشطا، تأتي بعده الجلود والزجاج والأقمشة وغيرها.
“لا بد من استخدام الكمامات والقفازات وكذلك الحرص على عدم إدخال المواد الغذائية إلى المنزل مباشرة”
ويشير طبيب الأمراض التنفسية “محمد صلاح” في حديثه لوكالة “يقين” إلى أن خطورة الفيروس تكمن في عدد الإصابات التي سجلها، وأن العدد الحقيقي للمصابين بالفيروس قد يكون أكبر بكثير مما هو معلن، لافتا إلى أن معهد روبرت كوخ الألماني ومن خلال طريقة النمذجة الحسابية أكد على أن أعداد المصابين قد يصل إلى عشرات الملايين، خاصة أن هناك الكثير من حالات الإصابة بالفيروس لم تظهر أي أعراض وتقدر نسبة من لم تظهر عليهم أعراض بـ 80%، وبالتالي فإن هذا النوع من المصابين يمكن أن ينقل العدوى لآف آخرين من دون معرفة المصاب بأنه ناقل للعدوى.
ويضيف صلاح أن اختلاف نتائج الدراسات وتضاربها في بعض الأحيان يضفي مزيدا من الرعب والوهم تجاه طرق انتقال الفيروس وخطورته، خاصة أنه لا اتحاد بين دول العالم المتقدمة حتى الآن على العمل سوية لأجل إيجاد لقاح للفيروس، إذ تعمل المختبرات العلمية حول العالم بطريقة شبه مستقلة عن الأخرى.
طرق الوقاية
وعن مدى خطورة الفيروس وطرق تجنب الإصابة، يضيف صلاح في حديثه لوكالة “يقين” أن أفضل السبل للحد من انتشار الفيروس تتمثل بالتباعد الاجتماعي والحظر الصحي، لافتا إلى أن الدراسات العلمية اختلفت بين من يقول إن مسافة مترين اثنين كافية لتجنب نقل العدوى، في الوقت الذي أشارت فيه دراسات أخرى إلى أن الفيروس قادر على الانتقال إلى مسافة 8 أمتار، بحسبه.
وعن طرق الوقاية من الفيروس كذلك والتي يمكن للناس اتباعها، يشير الأخصائي في الأمراض المعدية الدكتور “محمد رياض” في حديثه لوكالة “يقين” إلى أن تنظيف اليدين والوجه وعدم لمس الوجه والعينين إلا بعد غسل اليدين بالماء والصابون واستخدام الكحول الأثيلي تعد خير طريقة للوقاية من الفيروس.
وأضاف أنه وعند الاضطرار للخروج من البيت لأجل التسوق، فلا بد من استخدام الكمامات والقفازات وكذلك الحرص على عدم إدخال المواد الغذائية إلى المنزل مباشرة، بل تعقيمها وغسلها بالماء والتخلص من الأكياس خارج المنزل، بحسبه.
“معهد روبرت كوخ الألماني ومن خلال طريقة النمذجة الحسابية أكد على أن أعداد المصابين قد يصل إلى عشرات الملايين”
أما أستاذ علم الإحصاء “أحمد سامي” فيؤكد في حديثه لوكالة “يقين” على أنه وما لم تعمل جميع دول العالم على الحد من التواصل المباشر، فإن الفيروس سيتفشى بطريقة المتتالية العددية، أي أن المصاب ينقل العدوى إلى اثنين ثم أربعة ثم 16 وهكذا، لافتا إلى أن طرق النمذجة الحاسوبية تشير إلى أرقام مرعبة لأعداد المصابين بالفيروس.
ويضيف سامي أن هذه الطريقة تعد قابلة للتصديق في بعض الدول التي سجلت أكبر عدد من الإصابات والوفيات كالولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا، لكن ما يثير الغرابة وكثير من علامات الاستفهام أن دولا فقيرة لم يتفشى فيها الفيروس رغم افتقارها لنظام رعاية صحية متقدم.
ويختتم سامي حديثه بالإشارة إلى أنه ونظرا لما تقدم، فإن الفيروس يثير تساؤلات كبيرة عن مدى خطورة الفيروس والحد منه ومدة بقاءه وانحساره، خاصة أن هناك الكثير من التحذيرات الدولية ومن منظمة الصحة العالمية أكدت على مواجهة العالم لمثل هذه الجائحة قبل سنوات، وبالتالي كيف استطاعوا التكهن بفيروس لم يكن له وجود أصلا؟!
متى تنتهي جائحة كورونا؟
في ظل عدم وجود أي لقاح أو تحصين ضد فيروس كورونا، ومع عدم وجود علاج ناجع 100% للشفاء من الفيروس، يشغل العالم الآن سؤال واحد مفاده: متى ينتهي هذا الوباء؟
يؤكد الطبيب التركي من أصل فلسطيني “رامي أيوب أوغلو” قائلا: “لا يوجد حاليا تخمين محدد لانتهاء المرض، ولكن هناك أبحاث تقول إنه قد يستمر إلى 18 شهرا، حسب النتائج على اللقاحات التي يعمل العلماء على تصنيعها حاليا”.
“حذرت منظمة الصحة العالمية في عدة تقارير لها من أنه لا صحة للأقوال التي تفيد بأن فيروس كورونا سينتهي مع ارتفاع درجات الحرارة”
وأضاف أوغلو أن إجراءات الدول كفيلة بالعلاج، لكن من ناحية أخرى فإن هذه الإجراءات بحاجة للتعاون مع الشعوب، وفي الوقت الحالي يعد التزام الناس بيوتهم وعزل المريض من أهم طرق الوقاية التي لا غنى عنها حتى الآن.
موضحا أن الناس لديها مخاوف كبيرة بسبب عدم توصل التجارب العلمية حتى الآن لدواء محدد أو لقاح للمرض، لافتا إلى أن مراحل إنتاج اللقاح طويلة وتستغرق 18 شهرا، إذ لا بد من اختبارها على الحيوانات وفئران التجارب ثم تدخل مرحلة الملاحظة السريرية في المختبر ثم على البشر، وبعدها يمكن الجزم بمدى نجاعة اللقاح من عدمه، بحسبه.
ويقول خبير الأمراض الفيروسية البريطاني “ماك روبينسون” إن هناك عدة نظريات للمدة التي قد نشهد فيها تراجعا للفيروس وانحساره نهائيا، وتتلخص بمدى إمكانية الدول في إنتاج اللقاح وهو ما يتطلب 18 شهرا أو إيجاد علاج للمصابين يكون فعالا وناجعا.
ويضيف روبينسون أن الطريقة الأخرى تتمثل بمناعة القطيع التي لم تثبت فعاليتها حتى الآن والتي تعني إصابة نحو 70% من المجتمع، وهذه الطريقة تعد غير آمنة خاصة في الدول التي فيها عدد كبير من كبار السن، إذ ثبت علميا أن كبار السن لديهم جهاز مناعي أضعف من الشباب وأقل مقاومة للفيروس وهذا ما قد يؤدي إلى موت عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من كبار السن.
“إجراءات الدول كفيلة بالعلاج، لكن من ناحية أخرى فإن هذه الإجراءات بحاجة للتعاون مع الشعوب”
وعن مدى صحة النظرية التي تقول إن الفيروس يموت بارتفاع درجات الحرارة، يؤكد روبينسون على أن المعلومات حول فيروس كورونا لا تزال شحيحة، إلا أن بعض الدراسات فندت هذه النظرية مع بعض التجارب التي أثبتت أن الفيروس لديه القدرة على الحياة على الأسطح في درجات حرارة تتجاوز الـ 55 درجة مئوية، بحسبه.
وحتى لو كانت هذه النظرية صحيحة، يؤكد روبينسون على أن هناك مخاطر أخرى تتمثل باحتمالية كبيرة لعودة الفيروس لنشاطه مع بداية فصل الخريف القادم، وهو ما سيعيد العالم إلى المربع الأول، بحسبه.
من جانبها، حذرت منظمة الصحة العالمية في عدة تقارير لها من أنه لا صحة للأقوال التي تفيد بأن فيروس كورونا سينتهي مع ارتفاع درجات الحرارة، منوهة إلى أن الطريقة الأمثل لتجنب العدوى هي اتباع وسائل الوقاية التي تبنتها المنظمة مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي.
يبدو أن لا نهاية معلومة حتى الآن لتفشي جائحة كورونا التي تسببت حتى الآن بوفاة 133 ألفا حول العالم وإصابة أكثر من مليونين آخرين، ما يجعل الفيروس التاجي (covid 19) الأشد فتكا على البشرية من الحمى الإسبانية التي اجتاجت العالم عام 1918.