لقد تعمدت أن لا أكتب عن الفيديو الذي نشره شفان برور منذ أيام في لحظات غروره كي لايأخذ الموضوع صدىٍ أكبر من حجمه ، ولكن ردات فعل الشارع الكردي وبالاخص الايزيديين منهم دفعني أن أكتب وجهة نظري ككردي وكإيزيدي ..
فبداية يجب أن نعرف بأن من حق أي إنسان أن ينتقد، أي سياسة أو فلسفة أو دين أو مذهب بما في ذلك إنتقاد الرسل والأنبياء والقران والتوراة والإنجيل والأفيستا ومصحف روج ، فلا أحد فوق النقد ، خاصة إن كان هذا النقد من كاتب أو فنان أو شاعر أو إعلامي ، حيث لكلٍ رؤيتة الفكرية والسياسية في هذا الحياة و لا يوجد شيئ مقدس في ذات الانسان ، و لربما ما تعتبره مقدساً يعتبره غيرك غير مقدس والعكس صحيح..!!
لكن .. بتصوري كلام شفان برور هذه المرة عن الايزيديبن لم يكن مجرد نقد بل لربما كان متقصداً الى حد الإساءة المتعمدة من خلال نقطتين :
١- عندما حاول التساوي بين رموز الايزيديين و شيوخ الإسلام على إن كلاهم سبباً في تخلف المجتمع الكردي إجتماعيا و ثقافيا و سياسياً ، دون أن يدرك بأن الإيزيديين على مر التاريخ عانوا أشد الويلات على يد المسلمين (الكرد والعرب و الأتراك) ، و رغم ذلك حتى في أوج قوتهم لم يعتدوا يوماً على غيرهم ، ولم تُصدر مرجعياتهم الدينية يوماً أي فتوى تحرض على القتل والنهب والسبي ،و الإيزيدية كديانة مسالمة غنية بنصوصها و سبقاتها و أدعيتها التي دائماً تطلب الخير و الرحمة لكل الأمم والملل ومن ثم لنفسها ، و لم تكن في هذه الديانة في يوم من الأيام عائقاً امام فكرة القومية الكردية و تحرر المجتمع الكردي ، بل كان ومازال بمثابة الإرث التاريخي للامة الكردية في الوقت الذي فيه شيوخ الإسلام ( بمافيهم من الكرد المسلمين) والمراجع الدينية يحاربون الفكر القومي وخاصة الكردي ، و يحرضون بالصوت والصورة على قتل الايزيديين و ذبح اطفالهم ونهب ممتلكاتهم وسبي نسائهم حتى في عقر البرلمان الكردي في كردستان العراق وغيرها ، و يرفضون حتى الوقوف للنشيد القومي الكردي ( أي رقيب) ، بل و يعتبرونها نشيد الكفار على مرأى و مسمع شفانوا وغيره ..
فكيف يمكن المقارنة إذاً بين من يقتل و يحلل القتل والذبح والسبي وبين من ينادي بالخير والمحبة والتسامح ..؟؟ فالمقارنة هنا بحد ذاتها كانت بمثابة سقوط حر لشفانو ..
٢ – والموضوع الاخر الذي ظن فيه شفان بأنه يريد أن يزيل الحدود والسدود بين عامة الكرد – عندما دعا بتزاوج الكرد الايزيديين والكرد المسلمين ، سيما و يستشهد بحادثة الفتاة دعاء ، فهنا أجزم حقاً بأن شفان لايعرف الايزيديين و خصوصياتهم الدينية التي كانت ومازالت تريد الحفاظ على نقاوتها التاريخية ، فشأنها شأن الديانات التي لاتسمح بالزواج من ديانات أخرى ، سيما و الإيزيديون أنفسهم حسب ترتيب الهرم الديني لا يجوز لهم التزاوج فيما بينهم ..فكيف إذاً و بهذه السزاجة سيتقبلون كلام شفانوا الذي يتعارض مع أبسط مبادئ الإنسان الإيزيدي ؟؟
ثم و كأننا نعيش حالة لامجتمعية ( أي خارج قانون الاحوال المدنية) فهل يمكن تثبيت اي عقد زواج في المحاكم المدنية بالدول الاسلامية( إذا كان أحد الاطراف مسلماُ) دون أن يعلن الطرف الغير مسلم إسلامه ؟؟
فبإختصار كان بإمكان شفان أن يتجنب مثل هذه المواقف وهذه المواضيع التي يجهلها وليست له علاقة بها ، سيما و إنها مواضيع تتعلق مباشرة بالهرم الإيزيدي، و لايحق لأحد البت فيه سوى المجلس الروحاني الإيزيدي الأعلى ..
وأما بالنسبة لرجم الفتاة دعاء( لا أعلم مالذي فكره بها بعد ١٤ سنه) فأولاً الإيزيديبن أدانو وأستنكروا هذا الفعل الارهابي جملة وتفصيلا .
وثانياً بالأصل لا توجد في الايزيدية فتوى الرجم او النحر او الذبح .. ولم تُقتل او لم ترجم دعاء لأنها إيزيدية وكانت بعلاقةحب مع شاب مسلم وإنما نتيجة موقف يتعلق بالشرف و عادات عشائرية و قبلية ليست لها علاقة بالدين ، لكن للأسف سُيقت القضية على خلفية دينية بشكل سياسي كي يظهروا بأن الايزيديين كذلك إرهاببين و لهم دواعشهم ..لذا فيجب ان نفرق بين عادات الشعوب وعباداتهم ..
ثم لا أظن أن تؤثر عادات وعبادات وخصوصيات بضع مئات الالاف من الايزيديين على اربعون مليون كردي .
علماً بأنني كنت ومازلت معجباً بآداء هذا الفنان الذي غنى لكردستان و للماركسية اللينينية والتحرر القومي وتحرير الإنسان و المراة .
لكن رغم ذلك فهذه ليست المرة الاولى التي يرتكب فيها شفان غلطته ، فقبلها – وبالرغم إنه يعرف سلفاً ردات فعل الايزيديين ، غنى أغنية كريفة بلحن كردي ممتاز لكن للأسف بكلمات و معاني كانت مبعثرة و غير مترابطة ، فحينئذ أعتبرها الإيزيديون بأنها إبتزازاً لهم ..
فقبل كل الاعتبارات مثل هذه المواضيع الحساسة تؤثر و تسيء لمشاعر البسطاء بشكل مباشر فليس من مهمة شفانوا كفنان أن يحشر بنفسه فيما لايعنيه ولايفهم فيه.!!
– فإن كان فعلاً شفان برور يهمه قضية كرد وكردستان فهناك عشرات القضايا التي تشغل الشارع الكردي في هذه المرحلة من عفرين وقامشلي ألى شنكال و أربيل و قنديل فعلى سبيل المثال دون الحصر :
هل أسباب فشل الكورد.و تضحياتهم بأكثر من عشرون الف شهيد وخسارتهم لأنقى جغرافيا كردية في كوردستان سوريا سببه فاشستية شيوخ الايزيديين ( كما يدعي شفان) و لأن الكرد الإيزيديين والمسلمين لا يسمحون بالتزاوج فيما بينهم ..؟؟
ثم – وهل خيانة الطلبانيين بتسليم كركوك للحشد الشيعي و تسليم المناضل الكردي الشهيد مصطفى سليمي الى آيات الفسق في إيران و من ثم إعدامه مباشرة بشكل مهين لعامة الكرد أمام مرأى ومسمع العالم ..هل سببه شيوخ الايزيديين..؟؟
– وهل و تزايد أصوات الأرهابيين الدواعش يوماً تلو الآخر بين الكرد وخاصة في كردستان العراق و تركيا بشكل مخيف ( حتى على مستوى اعضاء البرلمان ) وهم يحللون بالصوت والصورة قتل الإيزيديين على مراى و مسمع شفانو وغيره .. لأن شيوخ الايزيديين لايسمحون بزواج بناتهم من الكورد المسلمين ..؟؟
– ثم وهل سأل شفان برور يوماً لماذا إنقرض المكون الايزيدي في كردستان تركيا وأصبحت طيور البوم تغرد وتعشش اليوم في قراهم المهجورة..؟ هل كان ذلك لنفس الأسباب السابقة أم نتيجة إطغاء طابع التطرف الإسلامي الكردي المدعوم اوردوغانياً على الطابع القومي و لأسباب اخرى ( يطيل شرحها) أجبرهم على ترك بيوتهم..؟؟
– و هل إختفاء ٣٠ مليون كردي من الخريطة السياسية في كردستان تركيا بشكل لا أخلاقي وإطفاء حثهم القومي لدرجة الممات سببه شيوخ الايزيديين و عدم السماح للإيزيديين والمسلمين بالتزاوج فيما بينهم ..؟؟ ..
فالحديث في هذا المجال يطول ، وعذرا منكم للإطالة لكني أريد بالختام أن أسأل :
فبالرغم من إني لست إيزيدياً متديناً : لكن لنفرض جدلاً ذهب شخص إيزيدي مفعم بروح القوميته الكردية الى اورفه عند والد شفان الذي لم ينسى ركعة صلاة ، وطلب منه يد إبنته (أي أخت شفانو) ليتزوجها على إنه كردي و هي كردية و على الطريقة الايزيدية ( طريقة خودي وشيخادي و طاوسي ملك) ، فهل تتصوروا أن يرجع هذا الشخص سالماً لأهله ..؟؟!!
فبالنهاية أقول صحيح إن شفان برور فنان مثقف لكنه ليس فيلسوف او مفكر ومناظر سياسي و كان بإمكانه أن لايخطئ مثل هذا الخطأ سيما وكما اسلفت فغلطتة هذه المرة كانت غلطة الشاطر ( اي بألف غلطة) ، وإذا أراد شفان أن يبقى كما كان، وكما كنا نعرفه فليتجنب مثل هذه المواصيع التي لاتعنيه لأنها أكبر منه ..و إن بقي شفان على هذه الوتيرة فحتماً سيفقد شعبيته تدريجياً ليس بين كرد الايزيديين فحسب بل بين عامة الشعب الكردي ..
لكن على الإيزيديين – وخاصة العقلاء منهم أن يتحلوا بالاخلاق الايزيدية والابتعاد عن السلوك الإستفزازي والألفاظ المنافية للإيزيدياتية .. فبالنهاية شفانو إنسان و الإنسان ليس معصوم عن الخطأ.. فيجب أن لا نطلق أحكام مسبقة فلربما يظهر لنا شفان غداً بفيديو آخر يتراجع و يعتذر فيه عن آراءه سيما والاعتذار من شيم الشجعان والجبناء هم دائماً محاموا الدفاع عن مواقفهم الخاطئة ..
وللموضوع بقية