الإرهاب مجموعة الأسس المتجانسة في التطرف ” عسكرياً وفكرياً ” وقيل إن الإرهاب لا دين له ، والإرهاب ليس مجرد أعمال عسكرية وتفجيرات واغتيالات أو عنف موجه دون قاعدة فكرية، ولهذا يحتاج إلى إمكانيات عسكرية وجبهة فكرية ملائمة للوقوف بالضد منه والتخلص من آثاره المدمرة بعد ذلك، واليوم المطلوب من الحكومة الجديدة ( إذا قامت!!” تعريف ” الانتصار العسكري الذي احتفل به وكأنه الخلاص! ” واليوم أيضا وبعد الاحتفال بالنصر والمباهيات بالفعل نجد أن تنظيمات داعش الإرهاب عادت لتشن حملات مسلحة ضد القوات الأمنية والمواطنين في كركوك ومحافظات أخرى ، وهنا وفي هذا الصدد يطرح سؤال
ــــ أين الحشد الشعبي في كركوك وغيره بعد أن استلم الأمن من البيشمركة؟
إذا كان مفهوم الانتصار هو طرد تنظيمات داعش المسلحة بدون استكمال مهمات تعزيز الانتصار فكرياً فهذا مفهوم تبسيطي وساذج فأي معركة حربية وغير حربية تحتاج إلى ركنيين أساسيين
1 ــــ الانتصار الكلاسيكي الذي يتوج باستسلام الخصم أو سحقه أو طرده وهذا المفهوم لا يمكن أن يعمم على الصراعات المسلحة الوطنية التي تحتاج إلى إضافة مستلزمات جديدة تختلف عن الحرب التقليدية
2 ــــ الصراع الفكري الذي يتوج بالمعرفة العلمية للقاعدة الفكرية التي تعتمد الأيديولوجية المعينة، وهو صراع فكري طويل نسبياً ويحتاج إلى أسس من المستلزمات الثقافية التعبوية والحلول المنطقية للمشاكل الحياتية اليومية ورسم آفاق المرحلة القادمة وتقديم الأجوبة الصحيحة لما بعد الانتصار العسكري على أساس الانتصار في معركة الأفكار الذي يحتاج الى وقت وجهد استثنائي، ولهذا فرحنا وباركنا الجهود عندما أعلن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي “الانتصار ” على داعش وطرده من المحافظات الغربية وجرف الشط والى جانب فرحنا وتأييدنا طرحنا ” الانتصار العسكري لا يكفي إذا لم تستمر الجهود في محاربة الفكر الإرهابي وإيديولوجيته المتطرفة” وعندما نحصل على نتائج ملموسة في الانتصار على الفكر الإرهابي والعمل على تحييده ولجمه عند ذلك بالامكان القول ” إنا انتصرنا “، إلا أن حكومة حيدر العبادي بقت على الحال نفسه ثم تلتها حكومة عادل عبد المهدي وهم نائمين في العسل المغشوش!! ولم نتفاجأ بالتحركات والهجمات والتجاوزات التي تقوم بها داعش على المناطق والقوى الآمنة وسجلت أكثر من حادثة وواقعة مسلحة ، وفي كل مرة زيادة في الضحايا وزيادة في الهجمات المسلحة على القوى الأمنية والمواطنين، وهناك أخبار شبه مؤكدة أن تنظيمات داعش تتوسع وتتحرك، وحذرت القوى الوطنية والديمقراطية وقوى عراقية مخلصة بأن داعش يستغل جائحة كورونا وانتشارها النسبي في الوقت الراهن لتكثف هجماتها المسلحة، وصرح مسؤول عسكري لم يكشف عن اسمه، إن “العناصر الإرهابية تستغل حظر التجوال وانشغال القوات الأمنية بتوزيع المساعدات وفرض إجراءات العزل الصحي لتوسيع عملياتها”وبخاصة في مناطق تلال حمرين والحدود الفاصلة بين محافظة ديالى ومحافظة صلاح الدين وبين وشمال شرق البلاد، وفي الوقت نفسه يستغل داعش الإرهاب منصات التواصل الاجتماعي بزيادة حسابات أنصاره وأعضائه لتكثيف نشاطاته المتنوعة ” ونشاطه الالكتروني” وكشف مركز الإعلام الرقمي العراقي يوم الخميس 16 / 4 / 2020 “عودة نشاط تنظيم داعش على منصات التواصل الاجتماعي، وزيادة في أعداد حسابات أنصاره” وهي خطوة بالغة الخطورة تُسهل الدعاية والترويج المجاني لإعلام داعش للتأثير على أواسط غير قليلة من الذين يقفون بالضد من الحكومة والمحاصصة وتداعيات الأوضاع الأمنية والاقتصادية وسوء إدارة الحكومة لقضايا الشعب المطلبية المشروعة وتصرفات فصائل في الحشد الشعبي السيئة في المدن التي طرد منها تنظيم داعش، إن عدم الأخذ بمخاطر داعش على محمل الجد سوف يساعد في انتشار العمليات الإرهابية على التوسع لتشمل باقي مناطق البلاد، وأكد في هذا المضمار نيجيرفان البرزاني رئيس إقليم كردستان يوم الاثنين، 20 نيسان 2020 إن “بغداد لا تأخذ خطر داعش على محمل الجد للأسف” ولا نأخذ تأكيد نيجيرفان البرزاني بشكل مطلق لأننا لاحظنا ذلك بالملموس ما قام به البعض من الأحزاب الطائفية الشيعية والميليشيات الطائفية بمحاولات غمط دور البيشمركة في القتال بالضد من داعش لا بل راح البعض يتهم حكومة الإقليم بأنها تعاونت مع داعش الإرهاب لإسقاط المحافظات الغربية وبخاصة الموصل وكركوك، كما تابعنا نشاط الحكومة الذي لم يتعدى الافتخار ” بالانتصار” دون نشاطها العملي ضد القاعدة الفكرية لتنظيم داعش لا بل لا يوجد تعاون واسع ونشيط مع حكومة الإقليم للتنسيق في مجال العمل الفكري المضاد مع أفكار وتطرف داعش الإرهابي، واعترف رئيس الإقليم البرزاني مشدداً أن “داعش لا يزال يشكل خطراً جدياً في كل مناطق العراق وكردستان، حيث رفع التنظيم مستوى عملياته وأنشطته مؤخراً”، وأوضح عن موقف الإقليم بأنه “نسعى لإيجاد آلية للعمل المشترك يضمن عدم زيادة خطورة داعش بالتعاون مع بغداد والتحالف الدولي”.
أن الخطر المحدق من العودة للقتال ولم يجف حبر بيان الانتصار، إضافة الى مواقف البعض من فصائل الحشد الشعبي من النازحين أو البعض من الممارسات داخل المدن سوف يسهل تحركات وعودة نشاط التنظيمات الإرهابية وبالذات داعش كما يدفع الميليشيات الطائفية لاتخاذ مواقف امتناع مضادة لنزع السلاح وجعله بيد الدولة، هذه المستجدات وغيرها تجعلنا نعيد حسابات معنى الانتصار وبتصورنا أن قتل البغدادي في 26 / 10 / 2019 لم ينهي داعش الإرهاب وصحيح اضعف نشاطها وتواجدها كالسابق ولكن الى حين، فقد استعاد التنظيم العديد من الفرص والإمكانيات إضافة الى استمراره بإطلاق التهديدات ليس على نطاق العراق فحسب بل البعض من الدول الأخرى، وما سرعة إحلال الإرهابي أبو إبراهيم الهاشمي القريشي محل المقتول أبو بكر البغدادي إلا دلالة على إمكانية هذا التنظيم من إعادة نشاطه وترتيب وضعه الداخلي، وقد ذكرت افتتاحية لطريق الشعب ” فإن التنظيم لا يزال يمتلك ما يكفي من الإمكانيات القتالية لتهديد الأمن والاستقرار” وذكرت أن عمليات التنظيم تشمل محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار وكركوك ونينوى، ومنطقة حزام بغداد الشمالي، ويركز أيضاً “داعش” نشاطاته على المناطق الريفية النائية على الحدود العراقية السورية غرب وشمال غرب العراق، والمناطق المُتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم شمال العراق، في محافظتي كركوك ونينوى.، وتشير تقارير صادرة من وزارة الدفاع الأمريكية إن التنظيم لازال يحتفظ ب ( 30 ألف مقاتل ) في العراق وسوريا، إن إعادة تنظيماته هي جزءٌ من استراتيجياته ” لإعادة بناء مجموعاته القتالية في شرق نهر الفرات وغربه في سوريا، وفي المناطق الصحراوية والجبلية في غرب وشمال غرب العراق”.
إن الطامة الكبرى تعكس مدى استهتار البعض من القوى المتنفذة صاحبة القرار بمصير البلاد وتفضيل مصالحهم الضيقة على مصلحة البلاد ولم يستفيدوا من التجارب المريرة التي أصابت رؤوس العباد الأبرياء أو الاهتمام بالأمن والاستقرار، واليوم نجدهم مثلما حدث سابقاً بعد اي انتخابات، يتقاتلون من اجل تقسيم ” كيكة ” السلطة فيما بينهم، أما الإصلاح فهم ألد أعدائه على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم من فرسانه، ولما تعرض الوضع الأمني لمخاطر عودة نشاط تنظيم داعش وتوسعه النسبي فهم غير مبالين وكأن الأمر لا يعنيهم من بعيد أو قريب ،وبالمناسبة فقد أشار تقرير لموقع أمريكي وفق مصادر عراقية محلية نشره موقع الحرة وتوبع من قبل ” ناس ” بتاريخ 17 / 4 / 2020 ” إن مسلحين يعتقد بأنهم ينتمون لتنظيم داعش بدأوا تكثيف هجماتهم في المناطق بين محافظتي صلاح الدين وديالى شرق وشمال شرق البلاد، بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا” وتابع التقرير مؤكداً أن”القوات الأمنية وبضمنها الحشد الشعبي سجلت نحو خمسين هجوما وتحركا لداعش خلال الأسبوعين الأخيرين فحسب، بارتفاع عن نحو عشرين هجوما فقط طوال شهري يناير وفبراير الماضيين”..
الآن أتضح من كل ذلك وما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والأجنبية وما أكده العديد من المسؤولين العاملين في القوات المسلحة العراقية أن تنظيم داعش الإرهاب يعود تدريجياً الى المواقع التي تركها وهو يكثف نشاطاته بين المناطق وقد سجل له خلال أسبوعين ( 50 ) هجوماً ، وأشارت خلية الإعلام الأمني ونقلتها ” أسرار ميديا” يوم الثلاثاء 21 / 4 / 2020 عن ” مقتل( 170 ) من أفراد الأمن والمدنيين على يد مسلحي تنظيم داعش منذ مطلع العام الجاري، ويهاجم تنظيم داعش المناطق والنقاط الأمنية ويطور نشاطاته الإرهابية بواسطة ” المجاميع المتنقلة ” التي قام بتكوينها واستنتاجنا من ذلك انه سيغير تكتيكاته الى ابعد من ذلك بما فيها الاغتيالات والعودة للتفجيرات بواسطة العبوات أو المفخخات، إن تنظيم داعش ” لا يزال يمتلك ما يكفي من الإمكانيات القتالية لتهديد الأمن والاستقرار” فإذا ظلت القوى المتنفذة والحكومة على مراوحتها وبقى الصراع على السلطة بنفس طائفي محاصصي وأستمر السكوت عن الفساد الذي هو سرطان ينخر جسد الدولة والمجتمع فلن تفيد الرقع ومحاولات الضحك على ذقون الناس باسم الدين والطائفية والمرجعيات، وكما نجد أن تلبية المطالب التي طرحتها انتفاضة تشرين هي خير سبيل للبدء بالإصلاح لإنقاذ البلاد والتخلص من المشاكل المستعصية والتوجه للبناء والتقدم، إن بقاء التهافت على تحقيق المصالح الطائفية والحزبية الضيقة والإبقاء على الدوامة بخصوص رئيس وزراء جديد وتشكيل الحكومة بما يلبي مطالب الجماهير المنتفضة وعموم الشعب العراقي سيبقى الشعب العراقي يدفع ضريبة التخلف والشقاء ولن يساعد العراق على الوقوف على أقدامه وتحقيق إقامة الدولة المدنية الاتحادية.