لم يتمكن الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا خلال العقد الماضي، وقبلنا شريحة لا بأس بها من حركتنا الثقافية وعلى مدى العقود الثلاث السابقة، من إحداث تغيير في الحراك السياسي الكردي ولا في مفاهيم المجتمع المتأثر بهم، ولا إلى إنقاذها من أوبئتها، ولا من براثن القوى الإقليمية وإملاءاتها، كما ولم تتمكن من إلغائها، وصنع البديل؛ أو إنتاج الأفضل، بل ساهمت شريحة واسعة منا، وخاصة المتعاملة مع الأحزاب أو التابعة لها، في تعمية بصيرة المجتمع والحراك السياسي معاً، ونستطيع القول إنها لا تزال تعيش في دوامة بين المفاهيم المتضاربة التي تطرحها الأحزاب المتصارعة، وهذا ما حدى بالاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا بمحاولات تغيير منهجية التعامل، والحذر الشديد من الرضوخ للأحزاب، فتبنت منطق الاستقلالية في عرض المفاهيم وتوعية المجتمع قدر الإمكان.
لم يكن الإتحاد العام حركة مستقلة يوما ما، بل حافظت على استقلالية نضالها المنفتح على كل الأطراف الكردية، فحملت مهام الحراك الثقافي، وحاولت إنقاذ الشرائح الراضخة للإملاءات الحزبية، والحد من مسيرة الصراع بين القطبين الوهميين لأحزابنا، وتخفيف حلقات التخوين، وتضييق الشرخ بين الحراكين، المؤدية إلى إعادة إنتاج السلطة الشمولية في المنطقة، كما ورفضت استمرارية جدلية القطبين الوهميين لأحزابنا، المحافظة على وجودهما القوى المهيمنة على المنطقة.
ومن جهة أخرى كنا والحركة الثقافية عاجزين أمام الواقع الكارثي المتنامي، ولادات الأحزاب الجديدة، والتي فاقمت من انشطاراتها السابقة، إلى أن أصبحت منبعاً لسخرية الشارع الكردي، فتكاثرها وضعفها رسخت لدى مجتمعنا قناعات ليس فقط بعدمية قدرتها تحقيق أدنى المطالب القومية الكردية، بل تعقيد الواقع الجاري.
لم يكن خافيا سابقاً، دور السلطة في معظم ما كان يجري ضمن تنظيماتنا السياسية، عن طريق مربعها الأمني المشهور بكل قبائحه في قامشلو، لكن اليوم وبغياب السلطة النسبي لا بد وأنه هناك من يقوم بدورها بدون وعي، ولربما القطبين الحزبيين أو أحدهما، الطامح لإنتاج السلطة في ذاته، أو الذي يعيش الضحالة الفكرية في كيفية تناول القضية القومية والوطنية، وهنا نشاهد غياب دور الحراك الثقافي وضعفه ونحن في الإتحاد العام ضمنا رغم استقلاليتنا، في تصحيح المسار أو توعية الأحزاب المعنية. لكننا أصبحنا على الأقل ندرك ما هم عليه، وما يتوجب علينا القيام به.
فتخلف القطبين عن مطالب الشارع الكردي، وتراجعهما في البعدين القومي والتنظيمي أصبح جليا للمجتمع، كما ولم يبينا عن أية مهنية في معالجة القضايا القومية على المستويين الإقليمي والدولي، وكمحاولة للحفاظ على وجودهما المرفوض من قبل أغلبية الحراك الثقافي والمجتمع، يتقبلان كل ما يملى عليها من الخارج، كالحفاظ على تشرذمها، وتوسيع الشرخ ليس فقط بينهما كأحزاب، بل بينها وبين الحراك الثقافي.
وكمحاولات لرأب الصدع، وتصحيح الواقع المؤلم، وتنوير الدروب والنهوض بهما، حافظنا على منهجية عدم السقوط في منطق التحيز والوقوف مع طرف ضد الأخر، لكن تتبين يوما بعد أخر أن جلهم يؤمنون بمنهجية الأحزاب الشمولية، يبتذلون النقد، ويهاجمون كل مثقف لا يتغاضى عن أخطاءهم، وفضائحهم، وتحريفاتهم حتى للتاريخ الكردي. وبشكل أو أخر يرفضون توعية الذات، أو التجمع مع الأطراف الأخرى، وخاصة الحراك الثقافي الرافض للقطبين المتنافسين، الدارس لمجريات الأحداث، ومعالجة القضايا بعقلانية وبعد قومي، علها تنقذهم من التبعية، وليس من الهلاك، والتي نراها صعبة لكنها ليست مستحيلة.
لأننا جميعنا نعلم أن أحزابنا كانت تتلقى الإرشادات المباشرة وغير المباشرة منذ عقود، والمدرك للواقع لم يكن يعاتبهم عليها، لأنها كانت تعيش تحت هيمنة نظام مجرم، وسلطة شمولية لم تتوان من استخدام كل أنواع الإرهاب عن طريق مربعاتها الأمنية، وكانت من الحنكة الحفاظ على الذات والتلاؤم مع الواقع، لكن الظروف تغيرت في السنوات الأخيرة لصالحهم، وبإمكانهم تطوير الذات، وتغيير مفاهيمهم ومنهجيتهم. لكن جلهم وحتى الآن يفضلون الحفاظ على ماضيهم، إما لأنهم يؤمنون بالثقافة الشمولية التي تربوا عليها، أو أنهم دون الإمكانيات الفكرية القادرة على التغيير.
وفي الحالتين يحاولون إعادة إنتاج النظام السابق أو المشابه له، كطريقة وحيدة لديمومة الذات بمنهجية السيد والموالي، وهنا تتفاقم الخلافات بينهم وبين الحراك الثقافي، وكثيرا ما يهاجمون شريحة منه، إما بإملاءات خارجية أو كأسلوب ساذج لإعادة إنتاج ما لقنوا من المفاهيم، فيحاولون التصدي لكل نقلة نوعية للحراك الثقافي بشكل عام، أن كان فرديا، وهو ما تم ويجري الآن مع عدد من كتابنا وإعلامينا، أو محاربة ممنهجة خاصة عن محاولات حراكنا الثقافي خلق تكوين حديث عصري للحراك الكردي السياسي، محرر فكريا من التبعية للخارج، كمحاربتهم لـ (الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا) وبأساليب عدة.
وفي البعد الأخر، وحيث لا يدركه القطبين الوهميين من الأحزاب الكردية، أن الأنظمة المحتلة لكردستان أصبحت ترى أن بيننا وبينهم خطوة زمنية لا حضارية من حيث السيادة، ونحن على سويتهم من الإدراك والوعي إن لم نكن قد تجاوزناهم، والسيادة التي يتمسكون لا بد من تدميرها، وإعادة تكوينها بنظام فيدرالي لا مركزي، لإنقاذ ليس فقط مجتمعنا الكردي بل شعوب الأنظمة الاستبدادية ذاتها، كالشعب العربي في واقعنا ضمن سوريا كوطن وجنوب غرب كردستان كمنطقة، والعنجهية السابقة لا محالة منتهية، رغم ما تملكه السلطة والمعارضة السوريتين من الإمكانيات، وما تصرفه على أجهزتها الأمنية والإعلامية من أموال، لمواجهة الصعود الكردي، والتي في كثيره لا زالوا ينجحون حتى اللحظة، وعليه لا بد من القطبين الكرديين الحزبي، العمل على إعادة إنتاج الذات، أو على الأقل مراجعة مفاهيمها وأساليب تعاملها مع الداخل والخارج.
لهذا نحيد بالأحزاب الكردية التخلي عن منهجيتهم الفاشلة، لأنها مبنية على الثقافة الماضية الفاسدة، فالحراك الثقافي والإعلام الحر رغم مرارة لهجاتهما، يظلان منبعا التنوير، وبالصراع معهما يخلقون ساحة مليئة بالمرارة، ولنبلغ الغاية ونبني وطنا جميلا لا بد من التعاضد، وتقبل بعضنا، بل على القطبين دراسة كل الانتقادات الموجهة إليهما، علها تشع عليهما نورا، وإلا فلا بديل عن إعادة إنتاج بديلهما.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
4/4/2020م
منطقة المرفقات