بعد غياب طويل عن الساحتين الاعلامية والفنية ظهر الفنان شفان برور ( اسماعيل ايغون) على المواقع الالكترونية والتواصل الاجتماعي في تسجيلين متتالين وهو بهاجم المجتمع الايزيدي ورموزه الدينية وينتقد عاداتهم وطقوسهم، ويصف رجال دينهم بالفاشية وغير ذلك من التقولات التي انطلقت من قناعاته وطرق تفكيره الضيقة مستندا على مبادىء دستورية تكفل حرية التعبير والنقد، في حين عليه قبل ان ينقد ويمارس حريته في النقد ان يكون مطلعا بما يؤهله لممارسة حرية النقد. لكنه عند الاستماع الى حديثه يتبين بانه يجهل ابسط مبادىء الدين الايزيدي واصوله وعاداته، بل تصرف ليس كعادة فنان كبير مثله وخرج من مألوفه والذي نتطرق الى الاسباب في نهاية المقال.
السيد برور تدخل بما لايعنيه واعادة ترتيب البيت الايزيدي كما يريده هو، بحيث قدم نفسه مارتن لوثر الايزيدي، يدعو الى اصلاحات جذرية في المعتقد الايزيدي، انطلاقا من احقاده الدفينة والتي ظهرت مسبقا بشكل فاضح من خلال اغنيته ( كريفي) الذي تهجم فيه على الرموز الدينية رغم اصوات الاحتجاج التي رافقت ظهور هذه الاغنية، لانه صم اذانه عن تلك الاصوات واستمر في تردبد وغناء هذه الاغنية في جميع الافراح والمناسبات الغنائية بل احيانا استفزازا.
في لقاء سابق له مع اذاعة فونك هاوس اوربا في كولن قبل حوالي العشر سنوات، سأل المذيع شفان برور عن سبب عدم تقديمه الجديد من الاغاني منذ ايام الحركة الثورية الكوردية، ثورة الجبل الذي اطلق العديد من الاغاني الثورية والتي اطلقته الى عالم الشهرة. اجاب شفان انه منشغل في تلك الفترة بالمطالعة لتطوير ذاته كي يستطيع الارتقاء بالاغنية الكوردية من حيث النصوص والالحان ليقدمها بالصورة التي تليق بالقضية الكردية. وغنى حينئذ اغنيته ( يا ستار ) التي ذكر فيه كل فئات المجتمع الكردي ماعدا الايزيدية.راجع مقالي المنشور في عدة مواقع الكترونية في 9 كانون الثاني 2010 الذي انتقدت فيه السيد برور حول اهمال اسم الايزيدية، بالرغم ذكر كافة العشائر والاقوام الكوردستانية. ولكن ظهر لنا بجديد عبقريته التهجم على افقر شعب كوردستاني واكثره مسالما، لاضمحلال هويته بطريقته الخاصة.
فهل تناسى شفان ذلك ام تعمده وهو لايزال يهاجم بين الحين والحين الايزيدية الذي يعيش نصفه في المخيمات محرومين من ابسط مقومات العيش البسيط، واكثر من ثلاثة الاف مختطف ومختطفة لدى اخوانه في العقيدة يباعون ويشترون كالعبيد. فهل كلف نفسه يوما ما تلك الجرائم الفظيعة بحق الايزيديين.
هل فكر ولو لمرة واحدة ان ينصفهم بكلمة او اغنية تعبر عن ماساتهم. ام انه مستعد فقط لنقد مجتمعهم ورموزهم وعاداتهم بين الفترة والاخرى فيقدم نفسه ناقدااجتماعيا.
لقد اساء شفان لنفسه حين انتقد وجود الطبقات الدينية في المجتمع الايزيدي وعم جواز التزاوج فيما بين تلك الطبقات، كونه لاينتمي اليهمن بل الاجدر عليه ان ينتقد كوردستانه وشعبه الذين يقتلون المئات من نسائه تحت حجج واهية، وصب غضبه عليهم لانهم يرفضون الزواج من الاديان الاخرى. دون ان يذكر الاثار الكارثية لو تعلق شاب ايزيدي بحب فتاة من معتقد شفان علنا وليس تزوج في كوردستانه على الايزيديين، وهناك امثلة واقعية كثيرة لايستوجب ذكرها.
وكذب شفان او كُذب عليه حين ذكر ان هناك برلمانية ايزيدية سابقة في البرلمان العراقي وهي من طبقة الشيوخ لم تتزوج لحد الان لعدم وجود شاب ضمن طبقتها، هل سأل شفان نفسه كيف تزوج اخوة واخوات تلك البرلمانية اذا لم تكن هناك كفاية من الشباب في نفس الطبقة الدينية المسموح لها. الزواجات لازالت مستمرة وهناك الكثير من الشابات والشباب في كل طبقة . فلكل مجتمع قوانينه وظروفه الخاصة التي يجب ان تصان وعدم تخطيها احتراما للتقاليد والاعراف.
فهل يجرؤ شفان ان يطلب من اكراده المسلمين ان يزوجوا بناتهم من الشباب الايزيدي بحجة وحدة القومية ووجوب توثيقها كي تبقى كردستان شامخة. الا يعرف شفان ان هناك في مجتمعه الكردستاني عادات تمنع زواج البنات ممن هم من خارج العشيرة الواحدة، ثم ان نظام الطبقات اليست موجودة مثلا في الهند وفي بعض المجتمعات الغربية لحد الان، حيث هناك في هذه المجتمعات المتطورة لايسمح بزواج بنته عن رضاه الى شاب من طبقة اقل مستوى منهم وللقول شواهد ودلائل منها حوار خاص مع صديق الماني متعلم.
النقطة الاخرى التي اثارها شفان هي مسالة الشيخ عدي او ادي والذي ذكره باسم “الشيخ هادي”، ولو كان له اطلاعا قليلا على بعض كتابات حول الايزيدية مثل عبد الرحمن المزوري وخليل جندي وغيرهم لعرف سيرة هذه الشخصية المقدسة عند الايزيديين ومدى قدرته على عدم اندثار الايزيديين في تلك الحقبة المظلمة، ما عانوه من غزوات وابادات مستمرة، ولوفر على نفسه تلك المغالطات التاريخية بحق هذا الشيخ الجليل ذو القدسية الدينية لدى مجتمع ليس له دخل فيه.
لقد اتهم السيد اسماعيل “أيغون” الايزيديين بانهم عربا وان اسماؤهم وكنياتهم اغلبها عربية، في حين تناسى هو واهله وغالبية اكراده المسلمين اسمائهم عربية وتركية وهو خير مثال على نتاقض حديثه، ناهيك عن عبادة اكراده بكتاب سماوي ونبي عربي، الذي نكن لحرية عبادتهم كل الود، ونسى شفان دور الايزيديين في الحركات الثورية الكوردية، راجع كتابي في 2015مثالا (دور الايزيدية في ثورة ايلول والشهيد محمود حمرى نموذجا).
ثم هل يستطيع ان يغفل شفان ان تراثنا الديني من اقوال ونصوص وادعية كلها باللغة الكرمانجية منذ عهد الشيخ عدي والى الان، هو واتباعه من صانوا تلك الفلسفة الروحية بلغة الام الاصلية وبشكل ادبي يعتبر خزين كبير يخدم تراثه الكوردي. ام هل نذكره بكلمات اغنية بيتا لالش للشاعر الكبير اديب جيلكي والتي رفض شفان ان يغنيها عندما عرضت عليه، والسبب كان معروفا لكرهه الى الايزيديين.
وكذب شفان مرة اخرى عندما اتهم الايزيديين بانهم لم يعتمدوا على الاكراد ورفضوا التعامل مع الاحزاب الكوردية، بل تعاملوا مع شيعة بغداد وحكومتها، لذلك سلموا شنكال الى داعش، ههنا قفز شفان على الحقيقة واخواتها، حيث بين جهله بواقع الايزيديين بعامة وواقع شنكال قبل الثالث من اب ٢٠١٤ بخاصة، ولنهمس في اذنيه، من هي القوة التي كانت موجودة في شمكال وتحرسها قبل غزوة داعش، حيث كانت الامر والنهي في شنكال، بحيث لايستطيع ايزيدي في شنكال ان يتنفس بحرية الى اخذ الموافقة من قادتها، ولكنها تخلى عن شنكالها دون ان يَعلم ايزيديها بانسحابهم التكتيكي، لكي يخلصون عوائلهم، لما حدثت ماحصل من تلك الابادة على الايزيديين بهذا الشكل.
شفان يطلب من الايزيديين ان يعتذروا منه لان هناك ظهرت غضب وردود افعال من بعض الشباب لسبه، في حين لم يبين اسباب ذلك الغضب، لانه ضرب بصميم معتقدهم واصبحا بوقا للمتطرفين بان هذا الشعب متوحش حسب قوله يجب محوهم من الوجود، راجع تسجيله الثاني.
بين شفان برور في تسجيله انه ضحى جل حياته من اجل القضية الكوردية .لكنه في واقع الحال استغل دماء هذا الشعب المسكين والصعود على اكتافه والترزق باسمهم كبعض الساسة الكرد. فلو كان حقا مايقول وعلى انه جيفارا الكرد ومناضلا ثوريا، لما استلم قطعة الارض التي مساحتها 600 متر الممنوحة له كهدية لما قدمه ابان الثورة في دهوك. بل ظهرا غاضبا كونها صغيرة و اصر على طلب قطعة ارض لا تقل مساحتها عن 3000 متر لبناء فيلته الضخمة باموال ابناء شهداء تلك الحركة التي كان يغني لها، هذا حسب ما بينه السيد عادل حسن مدير دار الثقافة الكردية السابق في دهوك في 14 ابريل، وان كان حقا ثوريا بامتياز لقدم نفسه مثالا حيا ولتنازل عن فيلته لابناء شهداء الثورة الكردية وبيشمركتها.
“بریار هاته دان كو پارچه عهردهكێ بدهنێ ژبوو خانیهكێ ، لوى دهمى ئهز رێڤهبهرێ گشتى یێ رهوشهنبیرى و هونهرى بوم ، مه پارچه عهردهك بوو تهرخانكر ب 600 مهتران ، لێ ئهو یێ موسر بوو كو نابیت كێمتر بیت ژ 3000 مهتران بیت ، مهگوتێ یاسا ڤێ چهندێ قهبول ناكهت ، لوى روژێ تاكو نوكه ئهو رابوو بنهباشى بههسێ پارێزگههێ دهوكێ دكر و بووزانین وى پارێزگههى خانیژى بو ئاڤا كربوو.”
هل كاك شفان دخل حقبة الفنانين الكبار بالخروج من مألوفهم لاختلال التوازن في تفكيرهم ، مثل ما اتجه نحو اليه الشاعر الكبير والفنان الدكتور فرهاد بيربال.
هل اصبح السيد برور مثل المغني الالماني المشهور جدا (خافير نايدو) ذو الاصول الافريقية، ولكنه في الفترة الاخيرة اتجه عن طريق اغانيه بتشجيع اليمين المتطرف، والذي اندهش جمهوره ومحبي فنه، بحيث طرد مرة من برنامج النجوم من التلفزيون ر ت ل الالماني وهو في تلك القمة والشهرة، ولاتحاليل استنتجت اصابته بتلك المرض والتهور، وهو المتوقع لانه قرب عقده السابع وفقد نبرة صوته الغنائي والذي بين في تسجيله الثالث باداءه اغنية لايليق بشهرته، وبهذه الطريقة خسر رهان تلك الشهرة، تحسبا منه بانه هو فيلسوف ولوثرالعصر، يستطيع ان يغير مجتمع يبلك طاقات علمية وثقافية اكبر منه بكثير، وهو قادر بتغير نفسه حسب الظروف الذي يجدونه مناسبا.
حسون جهور
28.April. 2020
Universität Osnabrück