الجمعة, نوفمبر 29, 2024
Homeاخبار منوعةأسوأ 10 قراراتٍ اتخذها البشر عبر التاريخ، أدت إلى عواقب كارثية

أسوأ 10 قراراتٍ اتخذها البشر عبر التاريخ، أدت إلى عواقب كارثية

قبل البدء بالأسوأ، يجب علينا أن نذكّر أنه وخلال تاريخ البشر قد تم اتخاذ العديد من القرارات الذكيّة والمذهلة والتي اوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، ولكن وكما أن العقل البشري قادرٌ على الإبداع بإيجابية فهو خلّاق في الذهاب إلى أقصى حدود السذاجة. واليوم نستعرض عشرة من هذه ”الإبداعات“ ونتائجها الكارثيّة.

1. تعبئة منطاد (هيندين بيرغ) بالهيدروجين

كارثة هيندنبرغ. صورة: Wikimedia Commons

بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، كانت مناطيد (ريجيد–Rigid) والمعروفة باسم (زيبيلينز–Zeppelins) قد أقلّت عشرات آلاف الركاب لملايين الأميال طوال ثلاثين عاماً، وكانت قد سافرت هذه المركبات الألمانيّة لأكثر من 2000 رحلة دون وقوع أي إصابات أو حوادث.

حلّقت شعبية شركة (زيبيلينز) عاليّاً وأعتقد الجميع أنها موجة المستقبل، كما أن مناطيدها قد حققت رقماً قياسيّاً جديداً للشركة حيث أقلّت المناطيد المسافرين فوق المحيط الأطلسي برفاهيّة وأناقة بما مجموعه 60 ساعة من الرحلات الجويّة، كان هذا الأمر مذهلاً بالنسبة لشركة طيران في ذلك الوقت. اعتقد الجميع أنّ هذه المناطيد ستحتل خطوط السفر العالميّة، كان ذلك حينما وقعت الكارثة.

حدث ذلك في 16 من الشهر الخامس لعام 1937م، وحدث لمنطاد (هيندين بيرغ) والذي عدّ في ذلك الوقت أهم منطاد ذو محرك، وأكبر المناطيد في أسطول الشركة، حيث كان بضعفي ارتفاع وبثلاثة أضعاف طول طائرة (Boeing 747 jumbo jet). كان المنطاد قد حظي برحلة جويّة هادئة عبر المحيط الأطلسي لكن ما إن حاول أن يرسو للهبوط في (ليكهورست–نيوجيرسي) حتى اندلعت النيران فيه فجأة.

التهمت النيران المنطاد بالكامل خلال 37 ثانية من بدء الحريق، توفي 35 شخصاً من بين 97 مسافر، كما توفيّ لاحقاً شخص على الأرض متأثراً بإصاباته. دمرت الكارثة عهد هذا النوع من التنقلات، وبالأخص لكون الحدث نقل وبثُّ على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم، وبإمكانك مشاهدة المقطع هنا.

ألقيّ باللوم على ”مخربين“، إذ أن (هيندين بيرغ) لم تكن مصدر فخر لشركتها المصنعة فحسب، بل لألمانيا بأكملها، وقد كانت رمزاً للتجدد تحت حكم النازيين. آخرون اتجهوا للوم النازيين، لوجود رسائل تهديد وقيل أن ما سبب الحريق هو إطلاق عيارٍ ناري، فيما قال البعض الآخر أنّ المسبب هو حدوث احتكاك أدى لنشوء شرارة سببت الحريق.

مهما كان سبب اندلاع الحريق، فإن هذه الكارثة لم تكن لتقع لولا قرار الشركة بملء مناطيدها بالهيدروجين سريع الاشتعال بدل أن تستخدم بديلاً أقل احتراق كالهيليوم مثلاُ، فلو أنّ (هيندين بيرغ) ملء بالهيليوم (كما يحصل اليوم في المناطيد الحديثة) فلم تكن لتستطيع أي شرارة أو طلقة أن تحوّل المنطاد إلى حطامٍ ملتهب في أقل من دقيقة.

2. فشل شركة (ديكا ريكوردس) في توقيع عقد القرن

الفرقة الموسيقية البريطانية The Tremeloes. صورة: Silver Screen Collection/Getty Images

قام (بريان إبستن) وهو مدير أعمال مجموعة موسيقية لم يكن قد سمع بها أحد، باصطحاب مواهبه الشابة في يوم رأس السنة من عام 1962م من أجل القيام باختبار أداء كانت تجريه شركة (ديكا) للإنتاج في استديوهاتهم في (ويست هامبستيد) شمال (لندن). استعدت الفرقة بعد ضبط آلاتهم الموسيقية وبدؤوا أداءهم، حيث قاموا بتقديم 15 أغنية أمام شخص يدعى (ديك رو). كان (رو) مسؤولاً تنفيذيّاً عالي الشأن في الشركة بالإضافة لكونه أحد أهم مكتشفي المواهب في ذلك الوقت.

بعد انتهاء العرض جاء قرار (رو) صادماً، فقد قرر عدم توقيع العقد مع الفرقة، معلقاً بأن ”فرق عزف القيثارات في طريقها إلى الخروج من الساحة“. غادر (إيبستن) وفرقته محبطين للغايّة لكون عامهم الجديد قد بدأ بخيبة أمل. على الجانب الآخر، اعتقد (رو) أن عامه قد بدأ بضربة حظ مبشرّة، حيث استمع في نفس اليوم إلى أداء فرقة أخرى أتت لتجارب الأداء وأعجبته للغاية. كانت تلك الفرقة هي (Brian Poole and the Tremeloes).

لم يكن قرار (رو) سيئاً في حد ذاته، فقد حققت الفرقة التي اختارها نجاحاً لا بأس به ضمن المملكة المتحدة، حيث أنهم وصلوا إلى قوائم المملكة المتحدة في عام 1963م عن إعادة أدائهم لأغنية (Twist and Shout) لفرقة (Isley Brothers)، اتبعها نجاحهم الساحق في إعادة أداء (Do You Love Me) لفرقة (the Contours). كما حققوا نجاحاً باهراً في العام الذي تلاه عند أدائهم لأغنية (Candy Man) للمغني (Roy Orbison) والتي نالت استحسان البريطانين، تبعها تأديتهم أغنية (Someone, Someone) لفرقة (Crickets). في الحقيقة القرار السيء الذي اتخذه مكتشف المواهب هذا هو رفضه لفرقة (إيبستن) والتي لم تكن سوى فرقة (البيتلز الفضّيون) والذي تحوّل اسمهم لاحقاً إلى (البيتلز). كان هذا الحدث سبباً في جعل اسميّ (رو) وشركة (ديكا) مرادفين للقرارات السيئة، وإساءة الحكم الكارثيّة تجاريّاً.

3. القفزة العظيمة للأمام

صوّرت البروباغندا الصينية “القفزة العظيمة” على أنها طريق النجاح والتفوق، ولكن نتائجها كانت كارثية.

كانت الصين في فترة الخمسينيات من القرن الماضي في أمسّ الحاجة إلى الانتقال من كونها دولة زراعيّة إلى تحولها إلى دولة صناعيّة. وقد كانت العديد من البلدان الأخرى قد بدأت تدريجيّاً بالتحول وذلك عن طريق حشد رؤوس الأموال وشراء الآليات الثقيلة، لكن وبالنسبة للصين فلم تكن تملك لا المال ولا الوقت لعملية انتقال تدريجيّة، لكون تعدادها السكاني المتزايد قد بدأ بالفعل بالتفوّق على الموارد المتاحة وبسرعة كبيرة، ناهيك عن كونها دولة فقيرة في الأساس ما منعها من تجميع رؤوس أموال بسرعة كافية من أجل عملية التحوّل اللازمة، وهكذا قرر رئيس جمهورية الصين الشعبية (ماو تسي تونغ) بصحبة أصدقائه ومساعديه من الحزب الشيوعي حشد جهود سكان الصين بتعدادهم الهائل، وجَعَلهم ينتقلون من العمل في المزارع إلى البدء بأعمال صناعيّة محولاً الصين إلى دولة صناعيّة تعتمد على اليد العاملة بدل الاعتماد على الآلات الثقيلة والمصانع والتي كانت معدودةً في ذلك الوقت. حدث ذلك في عام 1958م، وكانت تلك هي لحظة ولادة ”القفزة العظيمة إلى الأمام“.

تنصّ حملة ”القفزة النوعيّة إلى الأمام“ على نقل الصين في فترة قصيرة من كونها دولة تعتمد على الاقتصاد الزراعي إلى جعلها تصبح عملاقاً صناعيّاً. لسوء الحظ فقد تبيّن أنّ فهم (ماو) وخبرته الاقتصاديّة لم تكونا على القدر المطلوب لنجاح هذه القفزة، وتكشّفت خططه لتبدو غير واقعيّة على الإطلاق. قام (ماو) بعصفٍ ذهنيٍّ جعله يقرر أن زيادة إنتاج الفولاذ –وهو المعيار الأساسي للتطور الصناعي –لا تحتاج إلى أي انتظار، كما أنه لا يتطلب تطويراً للبنى التحتيّة كمصانع الصلب، وليس هنالك من داعٍ لتدريب أيدٍ عاملة خبيرة. عوضاً عن كل ما سبق يمكن للصينين أن ينتجوا الفولاذ باستخدام أفران الصهر المتوفرة في بلدياتهم (والتي دُعيت بأفران الفناء الخلفي الحرفيّة).

وبالفعل، بدأ العمل. استخدم المدنيون في تشغيلهم الأفران مختلف ما توفر لديهم من أنواع للوقود، بدءاً بالفحم وانتهاء بالأثاث الخشبي بل وحتى أخشاب التوابيت. وحينما لم يجد السكان حديداً خاماً قاموا بإذابة أيما توفّر لديهم من أغراض فولاذيّة.

عائلة صينية تعاني من الجوع إبان حكم ماو تسي تونغ. صورة: RyanSmith/reddit

تبيّن لاحقاً أن صناعة الفولاذ ليست بالأمر البسيط، فقد كانت العوارض التي تم إنتاجها ذات جودة منخفضة للغايّة ما أدى إلى سهولة تكسرها، وكان ما خرج من أفران الفناء الخلفي بعيداً كل البعد عن الفولاذ، فكان ما يعرف بـ (Pig iron) أو حديد الزهر، وهو حديد يحتاج إلى نزع الكربون منه حتى يتحوّل إلى فولاذ، وحدث أنه وفي بعض المناطق التي افتقرت لمهارة إذابة وتصنيع الحديد والتي لم يكن لديها معرفة بمهنة الحدادة، أن كان حديد الزهر الذي أنتجوه غير قابل للعلاج ولم يكن من الممكن الاستفادة منه أو تحويله إلى فولاذ.

لم يكن الإخفاق التام لفكرة أفران الفناء الخلفي هو الجزء الأسوأ من هذه القصة، بل رغبة (ماو) ورفاقه في إحداث ثورة في الريف الصيني حيث يعمل غالبية السكان في الزراعة ويعتمدون عليها كليّاً كسبيل للعيش. فرض (ماو) على السكان حظراً فيما يخص الزراعة الخاصة وقام بدمج الحقول الزراعية، وأمر بالتجميع الزراعي الإلزامي حيث يعمل المزارعون معاً في قطاعات أكبر، والتي عرفت باسم (Commue).

اعتقد (ماو) أنه باستخدامه لهذه الطريقة فسوف يزيد من الإنتاجيّة، وستصبح هذه الحقول أكثر فعاليّة من أن يعمل كلّ مزارع في حقله الخاص. في الحقيقة، ازدادت الإنتاجية فعلاً في النصف الأول من العام الذي بدأ به تنفيذ الخطة، لكن ما إن أتى الشتاء حتى ضربت الفاجعة. كان التخطيط السيء سبباً للتنفيذ السيء، وكان ذلك بسبب تركيز الحملة على النقاء الإيديولوجي والحماسة بدلاً من التركيز على الكفاءة. وانتهى أمر القفزة النوعيّة إلى الأمام بأن تصبح قفزة كارثيّة نحو الخلف، فقد سببت حدوث أكبر كارثة طبيعيّة من صنع إنسان على وجه الأرض. كان ذلك بين عامي 1959م و 1961م، إذ أنه وبحلول عام 1960م كان الأوان قد فات على التراجع عن هذه الحملة، وأدى تحويل العمل من المزارع إلى المصانع إلى تجويع 20 مليون صيني حتى الموت، وتقول بعض الإحصائيات أن هذه الرقم قد يصل إلى 50 مليون.

4. الخطأ الذي ارتكبته اليابان في افتعالها حرباً مع الولايات الأمريكيّة المتحدة

يو إس إس ويست فيرجينيا ويو إس إس تينيسي أثناء احتراقهما جراء الغارات الجوية اليابانية على بيرل هاربور. صورة: REUTERS/KYODO

بحلول عام 1941م، كانت اليابان غارقة من رأسها وحتى أخمص قدميها في حربها مع الصين، ولم يكن يلوح في الأفق أي قارب نجاة لينقذها، كما أنها كانت وضعت تحت عقوبات اقتصاديّة أمريكيّة وبريطانيّة. ولحل هذه المشاكل اتخذت اليابان أسوأ حلٌّ يمكن أن يخطر على بال أحد، فقد قررت أن تقوم بالتحريض على بدء حربٍ مع الولايات الأمريكيّة المتحدة.

بالنظر إلى جذور المشكلة، فإن أحد أسباب نشوب تلك الحرب هو عدم رضا الولايات المتحدة عن العدوان الياباني على الصين والذي بدأ في استيلاء اليابان على (منشوريا) عام 1931م، والذي اتبعه غزو مباشر في عام 1937م. كان من سوء حظ اليابان وجود علاقات طيبة وديّة واقتصاديّة بين الولايات المتحدة والصين، وذلك بفضل البعثات التبشيريّة التي أرسلت على مدى عقود من قبل الولايات المتحدة.

استمرت اليابان بصب الماء على الزيت حينما استولت عام 1940م على منطقة الهند الصينيّة الفرنسيّة الأمر الذي أدى في نهاية الأمر إلى زعزعة أمن المنطقة بالكامل. بعيداً عن عدوانيّة اليابان وأسلوبها العنيف فقد باتت الآن تشكل تهديداً مباشراً لأمريكا وبريطانيا، حيث أنها أصبحت على مقربة شديدة من المستعمرات الأمريكيّة في الفلبين، والمستعمرات البريطانية في (مالايا) و(بورما).

تمثّل رد الولايات المتحدة حينها بفرض عقوبات شديدة وقاسيّة إلى أن تراجعت القوات اليابانية من الصين ومن منطقة الهند الصينيّة الفرنسيّة، شملت العقوبات حظراً على بيع العديد من المنتجات الحيويّة بالنسبة لليابان مثل النفط، كما جمدت الأصول اليابانيّة في الولايات المتحدة. تبعت هولندا وبريطانيا خُطى أمريكا وقامتا بفرض العقوبات أيضاً، وقد كان ذلك بمثابة ضربة قويّة لليابان حيث كانت حقول النفط التابعة لهولندا في جزر الهند الشرقيّة الهولنديّة (اليوم إندونيسيا) تعمل على تغذيّة الاقتصاد الياباني.

كلّفت هذه العقوبات اليابان 75% من تجارتها عبر البحار وخسارتها 90% من نفطها، لكن هذه لم تكن هي الخسارة الوحيدة، إذ أنّ احتياطي النفط الياباني لم يكن يكفي سوى لثلاثة سنوات إن لم تكن اليابان في حالة حرب ولثمانية عشر شهراً عكس ذلك.
شكلّ هذا الأمر معضلة بالنسبة لليابان؛ هل يجب على اليابان الاستسلام أمام العقوبات المفروضة؟ أم عليها الخوض في حرب جديدة والاستيلاء على الموارد؟ الموارد التي تمثلّت بنفط جزر الهند الشرقيّة الهولندية، ومطاط (مالايا) البريطانيّة وهما الموردين الذين ارتكز عليهما اقتصاد اليابان.

في نهاية الأمر أدى الكبرياء والرغبة بحفظ ماء الوجه إلى أن تختار اليابان الحرب، يدفعها الخوف من أن يتم تحويل البلد إلى دولة تتبع لأمريكا، وقد تساءلت اليابان عما سيمنع الولايات المتحدة من أن تعود لفرض المزيد من العقوبات في المستقبل إن هم رضخوا؟

طمُحَ اليابانيون بحرب قصيرة الأمد، تتميز بانتصارات مبكرة ومذهلة تدمي انف أمريكا العملاق وتجعلها تدرك مدى جديّة اليابان، فقاموا بضرب (بيرل هاربور)، وأرادوا بعد ذلك تأسيس حائط دفاعي بعيد في منطقة المحيط الهادئ وآسيا ليشنوا من خلفه حرباً دفاعيّة. أمِل اليابانيون أن يدفع العقل التجاري الذي تميّز به أعداؤهم بأن يقوموا بحساباتهم وأن يستنتجوا أن هذه الحرب لا تستحق المال والجهد الذين سيبذلا في سبيلها وأن الأمريكيين سيلجؤون في نهاية الأمر للبدء بالمفاوضات من أجل وضع تسويّة، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

يجب علينا أن نتخيّل مدى التباين من حيث القوة العسكرية بين البلدين حتى نفهم سبب فشل خطة اليابانيين، فلنقارن حاملات الطائرات بالنسبة للبلدين خلال فترة النزاع البحري. بدأت اليابان حربها ب 10 حاملةً للطائرات، وخلال الحرب أنتجت 5 حاملات تضاف لسابقتها، فيصبح مجموع حاملات الأساطيل البحرية 15 حاملة ضخمة، يضاف لها 5 حاملات خفيفة و 5 حاملات مرافقة والتي تعرف باسم (Baby flattops). على الجانب الآخر بدأت الولايات المتحدة حربها ب 7 حاملات، وحينما انتهى النزاع كان مجموع ما لديها من حاملات هو 160 حاملة، تضمنت 24 حاملة ضخمة والقادرة على حمل ما بين 90 إلى 119 طائرة، و 9 ناقلات خفيفة والقادرة على حمل 35 طائرة وما يقارب ال125 ناقلة مرافقة والقادرة على حمل من 24 إلى 30 طائرة.
وهكذا كان على اليابان أن تحسب حسابها!

5. إعلان (هتلر) حرباً بلا رحمة على الولايات المتحدة

في هذا الخطاب ضمن مبنى الرايخستاغ، قام هتلر بإعلان الحرب على الولايات المتحدة الأميركية. صورة: Wikimedia Commons

لا يمكن بالطبع الحديث عن الأخطاء الفادحة بدون التحدث عن (هتلر). تحدثنا سابقاً عن قرار اليابان، والذي بالرغم من كونه قراراً سيئاً للغاية إلا أنه من الممكن أن نجد مبررات وأن نرى للأمر من وجهة نظرهم، حيث أنهم اعتقدوا أن حربهم هذه ستوصلهم لنتيجة مرضيّة وتخلصهم من العقوبات التي فرضت عليهم. على الجانب الآخر لم يستطع أي مؤرخ أن يجد مبرراً لقرار (هتلر) والذي كان قراراً بعيداً كلّ البعد عن التفكير العقلاني والمنطقي، إذ أنه لم تكن قد مضت فترة وجيزة على هجوم (بيل هاربور) حتى أعلن (هتلر) حربه على الولايات الأمريكيّة المتحدة.

وقت هذه الحادثة في ثلاثينيات القرن الماضي، وقد بدأت بتوقيع ألمانيا النازيّة وإيطاليا الفاشيّة اتفاقاً يقتضي بمعاداة الشيوعيّة وكان الاتفاق موجها بالأخص ضدّ الاتحاد السوفيتي. عُرف هذا الاتفاق باسم محور برلين-روما الاسم الذي اشتق منه لاحقاً وخلال الحرب العالميّة الثانية اسم ”محور القوى“. وقعّ الحكّام العسكريون في اليابان على الاتفاقيّة في نهاية الأمر، وقد كانوا معادون شرسون للشيوعيّة، فشُكلّ في نهاية الأمر محور طوكيو-برلين-روما.

تضمنّت الاتفاقيّة بنود معاهدة دفاعيّة تلزم الموقعين بمساعدة أي عضو فيها إن تعرض لهجومٍ من معتدٍ أجنبيّ، لكنها في ذات الوقت لا تلزم أي طرفٍ فيها بمساعدة الآخر إن كان هو من بدأ هذا العدوان. وضع هذا البند تحت الاختبار في صيف 1941م بعد بدء الألمان الهجوم على الاتحاد السوفيتي، وقد قاموا بطلب المساعدة من اليابان والتي كان بإمكانها تولي الهجوم من ناحية الشرق، لكنها رفضت ذلك كون ألمانيا هي من بدأت ذلك الاعتداء ولا يوجد أي بند يلزم اليابان أن تكون جزءاً من تلك الحرب.

لكنّ (هتلر) يحب خوض الحروب. إذ أنه ما إن سمع أنّ اليابان قد دمرت أسطول الولايات المتحدة في المحيط الهادئ في السابع من ديسمبر عام 1941م حتى قرر الانضمام إلى اليابان في إعلانها الحرب على الولايات المتحدة، وكما ذكرنا سابقاً فإن (هتلر) لم يكن ملزماً بالأمر بسبب الإتفاقيّة.

اعتبر (هتلر) أن الولايات المتحدة هي أمة متخلفة يسيطر عليها الرأسماليون اليهود، وكان هذا بالضبط ما جعله يمقتها، بالإضافة لكون حكومة الولايات المتحدة معاديّة للمحاور، ولكونها استمرت بتزويد أعداء ألمانيا بالعتاد والإمدادات بموجب شروط الإعارة والاستئجار.

بحلول ديسمبر من عام 1941م كانت ألمانيا في وضع لا يسمح لها بخوض المزيد من الحروب، حيث كان (هتلر) قد توقع سقوط (بريطانيا) بحلول عام 1940م لكن عام 1941م كان قد أتى وما تزال (بريطانيا) تقاتل. وكذلك الأمر بالنسبة لتوقعات (هتلر) تجاه الاتحاد السوفيتي والذي كان متوقعاً سقوطه في أسابيع قليلة، لكنه كان يقاتل بشراسة مستميتة وانتهى الأمر بألمانيا لأن تجد نفسها تخوض في حرب استنزاف ضد عملاقة الصناعة واليد البشريّة.

كان الاتحاد السوفيتي قد شنّ هجوماً مضاداً على حدود (موسكو) ما جعل مجموعة الجيش الألماني المركزية على شفة الانهيار، وقد حدث ذلك قبل أيام قليلة من هجوم (بيرل هاربور) وهكذا لم يكن لدى ألمانيا سبب لأن تقوم بتحويل أغنى وأقوى دولة صناعية في العالم إلى صف اعدائها، ولكن وعلى الرغم من معارضة جنرالات (هتلر) للأمر فقد أعلن الرجل منقاداً بعواطفه الحرب، جاعلاً من الولايات المتحدة -والتي بلغ إجمالي إنتاجها أربعة أضعاف إنتاج ألمانيا، والتي كانت أراضيها تبعد آلاف الأميال عن متناول يد الجيش الألماني- السبب الذي ضمن هلاك ألمانيا النازيّة . حدث ذلك في 11 ديسمبر 1941م. وصف هذا القرار بالمتسرع.

6. وَضْع النازيين لثقتهم في مخادع إسبانيّ

خوان بوجول غارسيا

يعدُّ ”إنزال نورماندي“ أحد أشهر وقائع الحرب العالميّة الثانيّة، وهو اليوم الذي قام فيه الحلفاء بعملية الإنزال في نورماندي والتي وقعت في السادس من يونيو عام 1944م. وكما في يحدث في العديد من الوقائع، يتذكر الأشخاص الحدث ويتجاهلون الشخص الذي كان خلف وقوعه، والرجل الذي كان سبباً في نجاح هذه العملية يدعى (خوان بوجول غارسيا) وهو أسباني الأصل عرفت عن غرابة أطواره وكرهه للفاشيين.

قرر (غارسيا) في أحد الأيام الحصول على بعض الإثارة والمتعة، ووجد أن أفضل طريقة هي أن يقوم بخداع النازيين بإيهامهم بكونه يعمل كجاسوس لديهم. نمت هذه الخدعة حتى أصبحت إحدى أكبر عمليات الخداع التي جرت في حرب، وقد أدت خدعته في نهاية الأمر دوراً كبيراً في فوز الحلفاء في إنزال (نورماندي) خصوصاً وفي الحرب عموماً.

قرر (غارسيا) عندما بدأت الحرب العالميّة أن يقوم بمساعدة الحلفاء، لكن المخابرات البريطانيّة رفضت خدماته ما جعله يقرر خوض مغامرته الخاصة، فتظاهر بكونه مسؤولاً إسبانيّاً متعاطفاً مع ألمانيا النازيّة وقام بعرض خدماته مجدداً ولكن هذه المرة على الألمان، قُبِلَ عرضه هذه المرة وأمِر بالذهاب إلى بريطانيا مع تعليمات تقتضي بتجنيد شبكة تجسس.

عوضاً عن الذهاب إلى بريطانيا، غادر (غارسيا) متجهاً إلى (لشبونة) في البرتغال، وبدأ من هناك بتأليف التقارير. كان يكتب تقاريره عن طريق الاستعانة بمعلومات من مصادر عامة ثم يضيف إليها بعض ”البهارات“ من مخيلته الخصبة، يتبع ذلك إرساله التقارير إلى مرؤوسيه في ألمانيا كما لو أنه يكتب من بريطانيا. صدقه الألمان وتوسلوا لأجل المزيد، وهكذا صنع (غارسيا) عملاء تجسس فرعيين، وذكرهم كمصادر موثوقة للمزيد من التقارير التي اخترعها.

أدرك البريطانيون الذي كانوا يعملون على فك شيفرات الرسائل وتفنيدها أنّ هنالك شخص يقوم بخداع الألمان، وحين اكتشفوا أنّ ذلك الشخص لم يكن سوى (غارسيا) الذي رفضوه سابقاً طلبوا منه العودة والعمل معهم. وافق (غارسيا) وتم أخذه إلى بريطانيا وإعطاؤه اسماً حركيّاً وهو (GARBO).

قامت المخابرات البريطانيّة بأخذ الشبكة الوهمية التي أسسها (غارسيا) وتحويلها إلى عملٍ متقن يغذي الألمان بكمياتٍ هائلة من المعلومات، والتي غالباً ما كانت حقيقيّة لكن غير مجدية. وقد أدى حجم وكمية التقارير التي وصلت إلى ألمانيا من قبل (غارسيا) وشبكته المتناميّة إلى أن اعتبر من أنجح الجواسيس لديها.

رُتِب كل شيء بمنتهى الدقة بانتظار يوم الإنزال، وهو اليوم الذي أثبت به (غارسيا) مدى فائدته. هدفت الخطة الموضوعة إلى إقناع الألمان أن إنزال (نورماندي) كان الأول في سلسلة من الغزوات المقررة والتي سيحدث أكبرها في (باس دي كاليه). وهنا أمرت المخابرات البريطانيّة بأن يرسل (غارسيا) رسالة للألمان محذراً إياهم من إنزال (نورماندي) قبل أن يحدث ببضع ساعات.

كانت هذه الخطة بمثابة مقامرة ضخمة، لكنها مقامرة استحقت المخاطرة وقد آمن رؤساء (غارسيا) البريطانيون أنه ولحين وصول التحذير إلى ألمانيا وتمكنها من فك شيفرة الرسالة وإيصال المعلومات إلى القادة في الميادين سيكون الأمر قد وقع فعلاً ولن ينفع تحذير الألمان بشيء، لكنه بالمقابل سيثبت مصداقيّة (غارسيا) لديهم.

نجحت الخطة، وبدأت المخابرات البريطانيّة تحركاتها. كانت أول خطوة تلت العمليّة هي أن يقوم (غارسيا) بإبلاغ الألمان أن هذه العملية هي مجردّ إلهاء وأن الهجوم الحقيقي سيحدث في (باس دي كاليه) وذلك بعد بضع اسابيع. استمع الألمان للتحذير وقاموا خلال الأسابيع الحاسمة والتي اعقبت عملية الإنزال بالاحتفاظ بتشكيلات قويّة في الموقع المحدد، وذلك عوضاً عن إرسال قواهم للمساعدة في تدمير مركز الحلفاء الضعيف في (نورماندي). بحلول الوقت الذي حدده (غاسيا) ولعدم حدوث الغزو المتوقع بدأت القوات الألمانيّة بحلّ تشكيلاته في (باس دي كاليه) لكنها ريثما انتهت كان الحلفاء قد حشدوا قواتٍ كافية في (نورماندي) من أجل التغلب على الهجمات الألمانيّة، وبدأ الهجوم…

بدأ الحلفاء هجومهم من (نورماندي) وكان ذلك في أواخر يوليو من عام 1944م، فاجتاحوا فرنسا وحرروها في غضون بضعة أشهر، كما أنهم لم يتوقفوا عن التقدم حتى نفذ منهم الوقود على حدود ألمانيا.

بالنسبة لـ (غارسيا) فقد حصل على الصليب الحديدي من ألمانيا وعلى وسام عضوية في رتبة الإمبراطوريّة البريطانيّة (MBE). وبعد انتهاء الحرب قام بتزييف موته وانتقل إلى فنزويلا، حيث عمل في إدارة متجر لبيع الهدايا والكتب، وقد بقي متخفيّاً حتى عام 1984م حينما وافق على إجراء مقابلة عن العميل (GARBO).

أدت إعادة ظهور (غارسيا) إلى الرغبة في إعادة الاحتفاء به، وهكذا تم استقباله في قصر (باكينغهام). وسافر إلى (نورماندي) في الذكرى الأربعون لإنزال نورماندي من أجل إكرام الموتى. توفي الرجل الذي قام بأهم عملية خداع في العالم عام 1988م في كاراكاس.

7. أخْذ القيصر الروسي المشورةَ من رجل دينٍ أميٍّ مشعوذ

غريغوري راسبوتين.

أثبت إيمان قيصر روسيا (نيكولاس الثاني) وزوجته (ألكسندرا) بالراهب (غريغوي راسبوتن) كونه من أسوأ القرارات عبر التاريخ. ظهر (راسبوتن) في بداية الأمر كرجل دين متواضع ذو قدرات شفائيّة مقدسة، وقد أعجبت العائلة الحاكمة به وأعطته شيئاً فشيئاً ثقتها الكاملة. أحاطت به العديد من الشائعات، فقيل أنه يقيم علاقة جنسيّة مع الإمبراطورة ومع الدوقة الكبرى، وتحدثت شائعات أخرى عن كونه سكيراً، واتهمه آخرون أنه يقود طائفة جنس مسيحيّة ذات طقوس عربدة بربريّة. لكن وبالرغم من كلّ تلك الإشاعات فقد أصمّ القيصر أذناه وأبى عن الاستماع لأيٍّ من تلك الأقاويل والانتقادات كما أنه انقلب على كل شخص تحدّث بالسوء عن (راسبوتن).

نما تأثير (راسبوتن) على العائلة المالكة بشكل كبير في الأعوام التي سبقت موته لدرجة أنه كان قادراً على تعيين وفصل وزراء ومسؤولين وجنرالات رفيعي المستوى بمجرد الإشارة على القيصر بذلك. كل ذلك لا يعد نقطة في بحر نصيحته التاليّة، إذ انه وفي أحد الأيام أراد (راسبوتن) زيارة جبهة القتال من أجل مباركة الجنود لكن قائد الجيش الروسي والذي كان مقتنعاً كلّ الاقتناع بكون الرجل مخادع ودجال تعهد بشنق (راسبوتن) إن هو اقترب من موقع الجبهة. لم يرضى (راسبوتن) بأن يهان بهذه الطريقة وقام بنقل هذا الكلام إلى القيصر وأخبره بأن الوحي أتاه مخبراً إياه أن الجيش الروسي لن ينتصر في الحرب إلا إن قام القيصر بتولي قيادة الجيش شخصيّاً. ما كان من القيصر إلا أن ينفذ وهكذا وفي عام 1915م عيّن (نيكولاس) نفسه قائداً على القوات المسلحة وأعلن أنه سيتولى مسألة إدارة الحرب شخصيّاً.

بالطبع كان هذا القرار كارثيّاً بالنسبة للعائلة الحاكمة، فحتى تلك اللحظة كان حكم القيصر مطلقاً، ولم يكن الشعب ليقبل بالحكم المطلق لولا أن زرع في أذهانه أنه مهما وقع من سوء فالقيصر لا يخطئ ولا يُلام بل إن كل الأخطاء التي تقع هي بسبب الفساد في أجهزة الدولة والفساد بين المسؤولين الذين يخفون الحقيقة عن الحاكم، لكن حين وضع القيصر نفسه في الصفوف الأماميّة أصبحت الأخطاء والخسارات التي تقع هي مسؤوليته المباشرة وقد كانت الخسارات كثيرة فإن (نيكولاس) لم يكن يفقه شيئاً في أمور الحرب وإدارة المعارك.

غريغوري راسبوتين في المنتصف، وحوله جوقة من الأرستقراطيين. كان راسبوتين ذائع الصيت بكونه زير نساء. صورة: Getty Images

لم يبق الوضع على حاله لوقت طويل، بل ازداد سوءاً. كان ذلك حين أعطى (راسبوتن) نصيحة كارثيّة أخرى. أقتضت نصيحته هذه المرة على أن يقوم القيصر بتسليم مسؤوليّة الحكم لزوجته (ألكسندرا) بينما هو يقوم بإدارة الحرب. لم يكن هناك شك في مدى وفاء (ألكسندرا) للعائلة الحاكمة لكنه ومن ناحية أخرى لم يكن هناك شك في مدى سذاجتها. اتصفت (ألكسندرا) بأسوأ أنواع الغباء ذاك الذي يجعل صاحبه يعتقد نفسه من أذكى الأذكياء.

لم يمض وقت طويل حتى لجأت (ألكسندرا) لمشورة (راسبوتن) في أمور الحكم، وقد استمعت إلى نصيحته وطبقتها بحذافيرها وفي أوقات أخرى حينما لم يكن زوجها مقتنعاً تماماً عملت على إقناعه والإلحاح عليه أن يطبق ما يوصي به (راسبوتن). بدأ المسؤولون في الدولة يعينون ويطردون بناءاً على رغبات (راسبوتن) وهكذا كلّ من أراد البقاء في منصبه بدأ بإرسال الهدايا والرشاوي، بل وذهب بعضهم إلى إرسال زوجاتهم وبناتهم من أجل إغواء (راسبوتن) جنسيّاً بهدف أن يوصي بهم لدى الزوجين الحاكمين. تراوح نفوذ الرجل في تلك الفترة بين تعيين أعضاء في مراكز عليا في الكنيسة إلى اختيار أعضاء مجلس الوزراء وكبار المسؤولين. الاختيارات التي أثبتت فشلها حيث ظهرت قلة كفاءة العديد من هؤلاء الأشخاص وسوء تنفيذهم للمهمات التي أوكلت إليهم. كما أنّ (راسبوتن) تدخل بأمور الحرب حيث عمل على مراسلة القيصر في الجبهة مقدماً مشورته التي ألهمت له عن طريق أحلام أتت إليه برسائل ألوهيّة.

تمّ استغلال نفوذ (راسبوتن) من قبل معارضي القيصر من أجل إظهار قلة كفاءة ومصداقيّة العائلة الحاكمة ولزعزعة مفهوم السلطة المطلقة، وقد ساعد (راسبوتن) دون أن يدري أعداءه وأعداء العائلة الحاكمة بتصرفاته المشينة والتي كان يتبجح بها في بعض الأحيان على الملأ، ففي إحدى المرات دخل (راسبوتن) في شجارٍ مع مسؤولين في الكنيسة وقد كان في وقتها مخموراً فتباهى بكونه قد أقام علاقة جنسيّة مع (ألكسندرا).

على الرغم من الرغبة الشعبية بإقالة (راسبوتن) وعزله فقد واصلت (ألكسندرا) التمسك به والدفاع عنه وأصرت على بقائه إلى جانبها، كما أنها أجبرت زوجها على مقاومة جميع المنادين بإبعاد رجل الدين هذا. أدى هذا الأمر في النهاية إلى تقويض الاحترام العام للقيصريّة كما مهد الطريق أمام إسقاط هذه المؤسسة في الثورة الروسيّة عام 1917م.

8. غزو نابليون للإمبراطورية الروسية

تظهر هذه اللوحة الامبراطور نابليون وحملته في شمال فرنسا. صورة: Wikimedia Commons

اتخذ إمبراطور فرنسا (نابليون بونابرت) عام 1812م قراراً بغزو الامبراطورية الروسية، القرار الذي لم يكن سيئاً في حدّ ذاته بل الذي دعمته مجموعة من القرارات السيئة للغاية والتي أوصلته إلى قائمتنا اليوم.

بحلول عام 1812م كان (بونابرت) قد اجتاح معظم أراضي أوروبا، وقد كان في ذروة قوته حينما قرر غزو روسيا بعداد يصل إلى 658,000 جندي وقد اعتبر هذا الجيش في ذلك الوقت من أكبر القوات العسكريّة التي وجدت على الإطلاق، لكن وبحلول نهاية العام نفسه كان (بونابرت) قد تلقى ضربة قاضية وهزيمة نكراء جعلته يفقد معظم رجاله، وأدت به لأن يبدأ بالانحدار إلى أن وصل به الأمر في النهاية إلى المنفى في (ساينت هيلانة)، وقد كان ذلك بعد سنتين من غزوه لروسيا.

كما تحدثنا سابقاً في الهزيمة في روسيا لم تكن نتاج قرار سيء وحيد بل سلسلة من القرارات الكارثيّة. كان أولها اختيار (بونابرت) الخاطئ لقياداته الفرعيّة. كان إمبراطور فرنسا يرغب بأن يخضع القيصر الروسي (ألكسندر الأول) لإرادته عن طريق تحقيق نصر سريع وساحق، لكنه مع ذلك عيّن أشخاصاً غير كفؤ بمواقع مهمة وعلى سبيل المثال تعيينه لابن زوجته كقائد. قام (بونابرت) بمناورة الروس في بداية الحملة، لكي يجبرهم على خوض معركة تحت شروطه لكن ابن زوجته عديم الخبرة سمح للروس بالالتفاف والتراجع. اندفع (بونابرت) بعدها في روسيا ملاحقاً الجيش الروسيّ، لكنّ الجيش الروسيّ تراجع لمئات الأميال.

كان الإمبراطور قد خطط للتوقف في (سمولينسك) وأراد أن يقضي الشتاء في المأوى قبل أن يتابع حملته في العام المقبل، لكنه ما إن وصل إليها حتى ارتكب خطأه الثاني، إذ أنه لم يتوقف هناك بل قرر المضي قدماً والمتابعة حتى (موسكو).

قرر الجيش الروسي الالتفاف والمواجهة وقد اتخذ قراره هذا في (بورودينو) على حدود (موسكو)، حدثت المعركة وانتصر (بونابرت) وجيشه بعد معركة صعبة لكنه وفي اللحظة الحاسمة ارتكب خطأه الثالث، حيث أنه تردد وامتنع عن القيام بتكتيكه المعتاد والقائم على إرسال لجنة الحرس الإمبراطوري، والتي يحتفظ بها في الاحتياط من أجل إنهاء فلول العدو. منع تردد (بونابرت) جعل انتصاره حاسماً وسمح للروس بالحصول على يوم إضافي للملمة شتاتهم.

سار (بونابرت) نحو (موسكو)، واعتقد أنه وبسيطرته على العاصمة فإن الروس سوف يقايضون رغبةً بالسلام، كان ذلك هو خطأه الرابع. بينما كان (بونابرت) ينتظر تأجُج روح السلام لدى الروس وصل الشتاء. استغل الجيش الروسيّ الأمر وقام بالربط للجيش الفرنسي، لكن لا يمكننا القول أن ذلك كان ذكاءً من الروس بقدر ما كان استهتاراً من (بونابرت).

بعد مضي فترة من الوقت، أصبح من الواضح بالنسبة للإمبراطور أن روسيا لا ترغب بعقد هدنة. تقبّل (بونابرت) الأمر وقرر العودة بأدراجه نحو (سمولينسك)، لكن الآوان كان قد فات. اقتنص الشتاء الروسي جيش (بونابرت)، الجيش الذي لم يكن مستعداً في أثناء انسحابه.

تفاقمت الأمور سوءاً حينما اتخذ (بونابرت) قراره الخامس والأخير، ألا وهو اختياره مسار العودة. كان أمام (بونابرت) طريقان وانتهى به الأمر في اختيار الطريق الذي ضُرب بأعتى عواصف روسيا، فيما شهد الطريق الآخر القليل من الثلوج في ذلك العام.

انتهى الأمر بجيش (بونابرت) أن مات إما من الجوع أو من البرد ومن استطاع أن ينجو من كلا الأمرين قتل على يد (القوزاق) والذين هاجموا مؤخرة الجيش وجناحه. دخل (بونابرت) روسيا بصحبة الجيش الذي لقبّ بالغراند آرمي، أو الجيش العظيم، وخرج منها بـ 35 ألف جندي فقط، أي أن مجموع من قتل في تلك المعركة قد وصل إلى ما يقارب 400 ألف جندي، إضافة إلى من قام بالهرب أو بالانضمام لصفوف العدو. قال نابليون معلقاً على تلك الكارثة ”بين العظمة والجنون شعرة“.

9. القرار الذي أرِيدَ له أن ”يرفع أخلاق العامة“، لكنه أدى إلى تفشيّ الجريمة

مبعوث الشرطة في مدينة نيويورك وهو يراقب سكب الكحول في المجاري. صورة: Wikimedia Commons

قامت أمريكا في عام 1920م بسن مما عرف بقانون (الحظر–Prohibition)، وهي حركة جريئة أدت إلى نتائج كارثيّة. نصّ قانون الحظر على منع بيع وتصنيع ونقل المشروبات الكحوليّة ضمن الولايات المتحدة ، لكنه لم يكن يمنع ملكيتها الخاصة أو تناولها.

ارتبطت نتائج هذا القانون بشكلٍ مباشرٍ مع الجريمة المنظمة في تلك الفترة، حيث أنّ وجودها كان ضئيل نسبيّاً قبل أن يتمّ إصدار هذا القانون، بالطبع كان هناك وجود لبعض العصابات في المدن لكن نطاق سيطرتها لم يمتد أبعد من بضعة مبانٍ في حيٍّ ما، لكن هذا القانون غيّر كل شيء. لم يتضاءل الطلب العام على الخمور لكن منعها خلق بيئة من التسامح مع الجريمة، حيث كانت العصابات تعمل على تزويد عامة الشعب بالمشروبات الكحوليّة التي أرادها. وبجعل صناعة الكحول أمراً غير قانونيّ قامت الحكومة الأمريكيّة بشكل غير مباشر بإهداء إحدى أهم الصناعات التي تمتعت بإرادات هائلة إلى المجرمين.

استُبدلت الشركات المرخصّة وذات العمل المنظم بعصابات جريمة منظمة، ومثل تجارة المخدرات في يومنا هذا فإن الأرباح التي نتجت عن الإتجار غير المشروع بالكحول كانت ذات قيمة هائلة.

أصبحت تجارة الكحول غير الشرعيّة أمراً لا يقاوم بالنسبة للمجرمين وحدث ذلك بين ليلة وضحاها وفي جميع أنحاء أمريكا. تمّ تسهيل أعمال هؤلاء الأشخاص من قبل الشعب الذي أراد مشروباته بل ساهم في ذلك أيضاً بعض السياسيين وأفراد الشرطة والذين لم يروا في بيع واستهلاك الكحول أمراً منافياً للأخلاق.

عبدّت الأرباح التي جناها أفراد العصابات الطريق أمام المزيد من الأعمال الغير قانونيّة مثل الابتزاز والدعارة والإتجار بالمخدرات والأسلحة والكثير غيرها، كما أنها سمحت للجريمة المنظمة أن تقوم برشوة السياسيين والمسؤولين ورجال الشرطة والقضاة وأنظمة العدالة السياسيّة والجنائيّة الأمريكيّة ما أنتج فشلاً على مستوى أنظمة الدولة ككل.

لقد كان هذا القرار بمثابة دفعة للأمام بالنسبة للجريمة المنظمة بشكل عام وللجريمة المنظمة الإيطاليّة في أمريكا بشكل خاص، إذ أنه وفي فترة الحظر وجد رجال العصابات الإيطاليون بيئة مناسبة للازدهار بسبب صلاتهم بالمافيا الإيطاليّة والصقليّة وبسبب تلك الروابط استطاعوا الاستفادة من تقاليد المنظمات الإجراميّة المتطورة والمنضبطة والتي تمتعت بمنظومة قياديّة هرميّة.
تم إلغاء الحظر بأمر من الرئيس الأمريكي (روزفلت) في عام 1933م، لكن بحلول ذلك الوقت كانت الجريمة المنظمة الحديثة وعصابات المافيا الإيطالية الأمريكية قد ثبتت أقدامها، ولا يزال وجودهم قائماً حتى الآن.

10. الحاكم المجنون الذي سمم نفسه من أجل حياة خالدة

منظر من التجويف رقم 1، يظهر جيش تاراكوتا. صورة: Neil Noland/Flickr
منظر من التجويف رقم 1، يظهر جيش تاراكوتا. صورة: Neil Noland/Flickr

كان (تشين شي هوانغ) حاكماً على ولاية (تشين) في الصين، وهو أول من قام بتوحيد ولايات الدولة الصينيّة الكبرى المتصارعة وعيّن إمبراطوراً عليها، ويعد من أقوى الحكام على مرّ التاريخ وأكثرهم قسوة.

عانى (هوانغ) من رعب شديد من الموت وقد أراد أن يعيش ويحكم للأبد، كان هذا ما دفعه للبدء بالبحث عن إكسير الحياة، وقد سعى للحصول على مشورة مختلف الأشخاص منهم فلاسفة وكيميائيون ومشعوذون، ولكن تبيّن في نهاية الأمر أنّ لذلك نتيجة عكسيّة، فبدل أن يطيل “إكسير الحياة” عمر الحاكم أدى إلى تقصيره.

استمر (هوانغ) في بحثه حتى أعطاه أحد المشعوذون حبوب زئبق كحلٍّ مؤقت ريثما تصبح خلطة الإكسير جاهزة، لكنّ تناول الملك للزئبق يوميّاً أدى إلى إصابته بالتسمم ودفعه نحو حافة الجنون شيئاً فشيئاً. أصبح (هوانغ) في نهاية الأمر منعزلاً عن العالم كما أنه أخفى نفسه عن الجميع ما عدا بضعة من رجاله المقربين، وقد أمضى أيامه يتحدث إلى ”الكائنات النقيّة“. قام (هوانغ) في تلك الفترة بإصدار العديد من الأوامر الغريبة، مثل الأمر بدفن العديد من العلماء والباحثين وهم على قيد الحياة، كما قام بنفي ابنه الذي كان الوريث المباشر له.

أدى الزئبق في نهاية الأمر للقضاء على حياة (هوانغ) وقد توفيّ في سنٍّ مبكرة نسبياً إذ لم يكن قد تجاوز 49 عاماً. توفي الحاكم في أثناء قيامه بجولة بين المقاطعات، وقد اكتُشفت جثته في مقصورته الملكية –والتي كانت منزلاً مصغراً على عجلات –من قبل كبير حرسه والذي نقل الخبر بسريّة إلى المستشار الإمبراطوري الموثوق (لي سو)، كان ذلك في العاشر من سبتمبر عام 210 ق.م.

تكتّم الثنائي على خبر موت الإمبراطور، بل واستمروا بالتظاهر بأنه حيّ يرزق إذ كان يتم إرسال الطعام والتقارير الرسميّة إلى المقصورة كلّ يوم، ولأجل أن يخفوا رائحة الجثة والتي بدأت بالتفسخ بمرور الوقت قاموا بوضع عربتي أسماك أمام وخلف المقصورة . بالطبع لم يكونا قادرين على التظاهر للأبد، لكن المستشار لم يرغب أيضاً بأن يصل الابن الأكبر للإمبراطور إلى كرسي الحكم بسبب علاقته السيئة معه وخوفاً من أن يقوم بعزله، وهكذا قام بتزوير وثيقة تأمر الابن الأكبر بأن ينتحر ورتبّ لأن يستلم الحكم شخصٌ ”مضمون“ أكثر. وقد تمّ ذلك.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular