((في مطلع القرن الحالي , لم يكن في العراق شعب واحد او جماعة سياسية موحدة)) هذا نص ماجاء في كتاب (العراق طبقات اجتماعية وحركات ثورية) للكاتب الفلسطيني (حنا بطاطو) الذي اصدره في عام 1978 , طبعاً الكلام لم يأتي اعتباطاً أو من الفراغ , بل هو نتائج بحث دقيق وجهود مظنية لسنوات طويلة لان الكتاب تعتبر احدى المراجع المهمة لتاريخ العراق المعاصر .
اردنا ان تكون هذه الجملة مدخلاً لمقالنا هذا كدليل تاريخي نستدل منه على ان تأسيس الدولة العراقية في سنة 1921 جاءت لمقتضيات المصالح الدولية للدول العظمى المنتصرة في الحرب العالمية الاولى , دون اعتبار لأرادة شعوبها أي ان ولادتها لم تكن طبيعياً , لذا كانت الانقلابات و الثورات الشعبية أحدى السمات الرئيسية لمشهدها السياسي , بل اكثرها تكراراً و دموية مقارنة بتغييرات دول المنطقة .
عليه , فقد الحق الجزء الجنوبي من كوردستان بهذه الدولة رغماً عن طموحاتهم ببناء كيان سياسي مستقل لهم يقررون مصيرهم فيها , لذا تعاملت الحكومات العراقية المتعاقبة سواء في العهد الملكي او الجمهوري بمراحله المتعددة مع شعب كوردستان على انهم مواطنون من الدرجة الثانية و الصق بهم تعابير غير واقعية لتشويه صورتهم في الداخل و الخارج منها ((العصاة – المخربين – الخونة ….) إلا ان الرياح كثيراً ما تهب عكس التوقعات , فكان لاحتلال العراق دولة الكويت بداية لتغيير سياسي في العراق و فرصة للانتفاضات الشعبية انتهت بأنشاء منطقة آمنة بقرار اممي رقم (688) لتكون نواة تأسيس اقليم فدرالي للشعب الكوردستاني يملك البرلمان و الحكومة و كان امراً واقعياً و دون رغبة السلطة العراقية آنذاك و حتى الاحزاب و القوى العراقية المعارضة , فكان الحصار و غلق الابواب اسلوب تعامل الحكومة مع الاقليم .
كان الامل معقوداً , ان يرى الشعب الكوردستاني نهايةً لمعاناته مع سلطات بغداد بعد تحريرها عام 2003 , لتكون بداية لبناء عراق ديمقراطي تعددي يكون التعامل مع الشعب على اساس المواطنة , فجاء كتابة الدستور عام 2005 ليشفى غليل السنوات الطويلة على الاقل في جزء منها , ولكن غالبية القوى العراقية وخاصة من في السلطة غيروا مسار تعاملهم و مصطلحاتهم الى ان الشعب الكوردستاني انفصالي متمرد يهمه الاقليم اكثر من العراق و لا يعتد بهويتة الوطنية العراقية و حاولوا الاستيلاء على موارده الطبيعية رغم ما منحه الدستور من الاختصاصات .
الحصار الاقتصادي و قطع رواتب الموظفين و التلاعب بقوت الناس كان و لا يزال اسلوباً متبعاً للحكومات العراقية في تعاملها مع الشعب الكوردستاني فقد كان عمليات الانفال السيئة الصيت حصاراً اقتصادياً قبل ان تكون عسكرياً و سياسياً و باباً يدخل منه الحكومة لقطع موازنة الاقليم في عام 2014 و في كل شهر و سنة تتكرر هذا المشهد البعيد عن المبادئ الانسانية و الاخلاقية ليجعل المواطن الكوردستاني في حالة نفسية غير مستقرة , بل اصبحت رواتب الموظفين اداة بيدها لتحقيق اهداف سياسية و عسكرية , حيث ما ان يشهد الاقليم تطوراً على المستوى الداخلي او الخارجي إلا و تبدأ السلطات العراقية و الاصوات الشاذة تعلو هنا و هناك عبر وسائل الاعلام و التواصل الاجتماعي لتنادي بان الاقليم الكوردي (حسب تعبيرهم) يخطو نحو الاستقلال و الانفصال و انه يمثل تهديداً لأمن و وحدة العراق الذي هو في الاصل غير موجود و لا آمن .
ومن الجانب الآخر للاسف , ان هذه الاصوات تجد في الاقليم من الاذان الصاغية الذين يركضون وراء المصالح الذاتية و سرعان ما تستجيب غير مدركة بان اهدافهم تكمن في انهاء الوجود الدستوري و القانوني للاقليم و القضاء عليه و التعامل معه كمحافظة و ليس إلا , بحجج واهية و اساليب متعددة .
قطعت حكومة تصريف الاعمال العراقية و القوى السياسية العاجزة عن تكليف شخص لتشكيل كابينة وزارية رواتب موظفي الاقليم والموازنة بحجة عدم تسليم الملف النفطي لشركة سومو مما دفع بالاقليم ارسال وفد الى بغداد للتفاوض في ظل ازمة صحية عالمية تتمثل بتفشي وباء الفايروس كورونا و انخفاض اسعار النفط الى ادنى مستوياتها , و نرى بان هذا القطع جاء للاسباب الاتية :
- انخفاض اسعار النفط على المستوى العالمي و تفشي الفايروس كورونا .
- فشل القوى السياسية العراقية في اختيار شخص متفق عليه لتشكيل الوزارة الجديدة .
- فشل الحكومة العراقية على تقديم الخدمات اللازمة للشعب العراقي و استجابة مطاليب المتظاهرين في ساحات الاعتصامات .
- وجود فئة معينة داخل الاقليم تدعم هذا التوجه و تحاول ان تلعب على وتر العمل بالنظام اللامركزي والعودة الى نظام الادارتين في الاقليم .
- موقف حكومة الاقليم من الوجود الامريكي في العراق و نصب صواريخ باتريوت في الاقليم .
- باختصار عدم رضوخ حكومة الاقليم وشعبه لنوايا و طموحات ايران الاقليمية .
- ان قطع الرواتب يمس حياة غالبية الشعب و يدفعهم بالضغط على الحكومة سواء بالتظاهر او الخروج الى الشارع و حتى الانتفاضة إن امكن .
يمكننا الاقتراح ودعوة حكومة الاقليم الى دفع رواتب الموظفين من الايرادات الداخلية والاقتراض من الشركات والمستثمرين الداخليين لحين تشكيل الحكومة الجديدة، لان الشعب الكوردستاني يمر بوضع اقتصادي مزرى مع بقائهم في البيوت بسبب حظر التجوال وفقدانهم لمصادر عيشهم فالكل ينتظر الحكومة وإلا ستكون النتائج وخيمة غير قابلة للتراجع وحينها لا يكون للحكمة حيلة.
عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
2/5/2020