.
قبل أيام تم عرض (الحلقة الخامسة) من المسلسل التلفزيوني العراقي (بنج عام) على قناة (Utv) الفضائية، من تأليف أحمد وحيد، وإخراج علي فاضل وحيدر الشامي، وبطولة مجموعة (ولاية بطيخ)، وبأسلوب كوميدي ساخر وتسويق إعلامي ربحي فاشل، بعيدا عن المصداقية وشرف المهنية، هدفه الضحك على المشاهد والإستهزاء بدماء الشهداء ومشاعر الضحايا من المختطفات والناجيات من قبضة تنظيم داعش الأرهابي، وعكس صورة غير حقيقية عن الإبادة التي حدثت بتأريخ 3/8/2014 في قضاء سنجار / محافظة نينوى.
وهنا من فوق عرش الشموخ والعنفوان وأمام عزة النفس وصفاء السريرة، نقول لأشباه المهرجين والمنتجين:
الإيزيدية الأصلاء ورقة بيضاء كتبُ عليها القدر عبر العصور المآسي والأحزان، ويكتب بدمائهم الآن في زمن ضاع فيه الحق وعلت فيه كلمة الباطل، فهم أناس مسالمون تعرضوا إلى ظلم التأريخ وحقد وغدر جار السوء وجار ذي الجنب من خونة الزاد والملح، طوال تأريخهم السحيق والموغل بالقدم، وعندما تشتد عليهم الصعاب يظهر معدنهم الأصيل وتنفجر في دمائهم وضمائرهم بركان الأنسانية؛ لأنهم أبناء الشمس الأشاوس، وهم مكون أصيل، وكانت لهم البصمة الواضحة في حضارة وادي الرافدين، وللأسف الشديد ونحن في القرن الحادي والعشرين، رأينا أن الشرف مستباح، في الوطن الجريح، أثر الهجمة البربرية التي قام بها تنظيم داعش الإرهابي، في ذلك اليوم الأسود المشؤوم، اليوم العصيب، الثالث من شهر آب، وشاهدنا جميعا فصول تلك الهجمة الدامية من خلال ما قام به من قتل وسبي للنساء وأغتصاب للأعراض وإنتهاك للحرمات وسلب للأموال ونهب للمتلكات في عمليات إجرامية يندى لها جبين الإنسانية، فاقت بكثير مفهوم الإبادة الجماعية (الجينوسايد)، وزرع الفتنة الطائفية وتقوية جذورها على المدى البعيد بين مكونات الشعب العراقي وألوان طيفه الجميل، لقد أفرزت الإبادة تلك عن:
● (360,000) نازح.
● (1293) شهيد في الأيام الأولى.
● (80) مقبرة جماعية والعشرات من المقابر الثنائية والفردية.
● أكثر من (100.000) مهاجر إلى بلاد الغربة القاسية الموحشة في أوروبا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية.
● (6417) مختطف و مختطفة، منهم من الذكور (2869) ومنهن من الإناث (3548).
وفي ظل الأحداث المؤلمة التي رافقت الإبادة، ظهرت آلاف القصص المليئة بالوفاء والبطولة والتضحية فكم من شخص ضحى بنفسه لأجل عائلته أو أبن قريته، وكم من شخص تحمل مشاق السير من أجل الوصول إلى الملاذ الآمن جبل سنجار الشامخ الأشم وتحمل الخوف والتعب والجوع والعطش وهو يحمل أمه العجوز أو والده الشيخ الكبير ولم يتركهما، وكم من فتاة ألقت بنفسها من فوق الصخور حتى لا يدنس شرفها الوضاح، ولتبقى كنجمة مضيئة في سماء الحرية وكشامة عز في وجنة التأريخ، وكم من طفل مات عطشا، وكم من شاب فقد حياته ليفك حصارهم ويفتح لهم ممراً للوصول إلى الملاذ الآمن، في مهمة كانت مستحيلة في الوقت الذي تخلى عنهم العالم بأسره، هناك مئات القصص التي لو كتبت بماء الذهب على آماق البصر لكانت عبرة لمن أعتبر.
أليس من الأولى أن يقوم صناع الدراما العراقية الإلتزام بالضوابط المهنية والأعراف الإجتماعية عند تناولهم القضايا المطروحة، ومتابعة الأحداث والإطلاع عليها عن قرب وبشكل ميداني، واللقاء مع الأبطال الحقييين لتلك القصص؛ لنقل صورة إنسانية حيادية وبروح وطنية، ليطلع عليها العالم أجمع، بعيدا عن النفاق السياسي والنفس الطائفي في ظل الكذبة الكبرى (حقوق الإنسان).
محمود المارديني 2 / 5/ 2020.