سؤالٌ بسيطٌ ربما لم يطرحه حزبٌ أو زعيم حزبٍ كوردي على أي مواطنٍ من جبل الكورد، عندما تشاء الصدف أن يلتقيا في مكانٍ ما من أقطار العالم الذي ينتشر فيه الكورد، وكأن قدرهم هو أن يعيشوا مشردين مهاجرين أو مهجّرين عبر العصور، لا لشىيء سوى أن وطنهم رائعٌ جميل وفيه الكثير من الخيرات والثروات التي يطمح في نيلها الغزاة دون أدنى رحمة أو دون أن تكون في صدورهم ذرّةٌ من الإنسانية.
أنا أطرح هذا السؤال هنا، حيث تصورت نفسي في لحظةٍ من لحظات العمر أنني مسؤول كبير حقاً في حزبٍ يجد ذاته مسؤولاً عن شعبه الكردي، ومن ضمنه أهلنا في منطقة “جبل الكورد –Kurdax” التي مركزها مدينة “عفرين” الجميلة، هذه المنطقة التي يعتبرها المؤمنون بوحدة أمتهم قلباً نابضاً للوطن الكبير.
نعم، ما هي مطالبك أيها الجبلي الكرداغي؟ الذي قدّم كل ما يمكنه من تضحيات من أجل الكورد وكوردستان، وإذا به يخرج من المولد بلا حمّص كما تنبأ بذلك الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي رحمه الله للكورد عامةُ، هذا العفريني الذي قدّم أولاده، فتياناً وفتيات، لكفاح شعبه عقوداً من الزمن، فلم يدافع أحدٌ عنه وعن وجوده الكوردي / الكوردستاني سوى (58) يوماً لا أكثر ولا أقل، وإذا بالشباب المقاتل ينسحب وكأن أمراً صدر إليه بترك عفرين تنهشه الوحوش بأشكالٍ وصورٍ لم يسبق لشعبنا التعرّض لها في هذه المنطقة من قبل، في حين أن الكفاح، كما يتلون علينا آيات انتصاراتهم كل حين، مستمرٌ في مناطق أخرى ضد الإرهاب، بل ضد دولة الاحتلال ذاتها، دون توقّف أو تردد، كما استمر في ستالينغراد الكورد (كوباني) بشكلٍ فرض به الكورد احترامهم على كل القيادات العسكرية في العالم.
أفلا يحق للعفريني أن يسأل غير العفريني: “-ماذا حدث؟” ولماذا يتمكن المقاتل الكوردي من دحر أخطر الإرهابات في دير الزور والرقة وهجين والبوكمال وتل رفعت ومنخ والنيرب، ولكنه ينسحب بهدوءٍ وغموض من عفرين؟ بل لماذا لم يحرق زعماء الكلام الجميل وهم يلوحون بقبضات أيديهم عالياً في أحضان الجبال عاصمة الاحتلال كما هددوا قبل غزو آل طوران وبني عثمان كل أحلام وآمال العفريني وجعلوها قاعاً صفصفا، لا حياة ولا مستقبل فيها حتى لأشجار الزيتون المقدّسة وهي تتعرّض للحرق ولضربات القطع والبتر بلا رحمة.
ليس هناك قومٌ في العالم لا يريد الأمن والاستقرار في أرضه وتحت سقف وطنه، إذ لا حياة ولا تقدّم ولا رفاهية ولا إنتاج من دون توفير الأمن والاستقرار، وهذا مرهون بالسلطة الحاكمة في المنطقة، فإذا كان نسف الأمن والاستقرار من أهم أهداف المحتل الغاشم وأذنابه اللصوص الأشقياء الذين لا يتوانون حتى عن سرقة الدجاج ومستلزمات الحمام والمراحيض وهم يرددون بصوتٍ عالٍ (الله أكبر)، ويحزّون رؤوس البشر من كل الطوائف والأديان، ويهدمون مزارات الصالحين ويسعون للقضاء على مكونات دينية أقدم من دينهم في المنطقة بآلاف السنين، ويفرضون الأتاوات على المسنين الذين لا يستطيعون المقاومة أو حتى العمل في الحقول، بل ينهبون ويسلبون الكردي عامةً والايزدي خاصةً داره ومزرعته وفرسه وعربته وقوته، فإن الأوضاع التي نجمت عن دوام اللا أمن واللا استقرار في منطقة جيايبى كورمينج (عفرين) هي في درجةٍ من الخطورة، يمكن القول عندها بأن المنطقة بيعت بثمنٍ بخس ليتّم نهب خيراتها وامتصاص مواردها وتشريد شعبها والشروع في تغيير سكاني شامل بهدف القضاء على الوجود القومي الكوردي فيها.
وعلى الرغم من استمرار سياسة النهب والتغيير الديموغرافي في عفرين، نجد الحركة الوطنية الكوردية بمختلف فصائلها وراياتها وشعاراتها وفلسفاتها عاجزة عن فضح هذه السياسة العدوانية وعن إقناع الرأي العام العالمي بأن عفرين على وشك أن تضيع من الكورد مثل (كوردستان الحمراء)، بل بصورةٍ أشد وحشية وسط مطالبات بعض أقطاب المعارضة السورية بسحق الكورد، وهجوم زعمائها على هذا الشعب، وكأنهم نسوا خصوماتهم مع أعدائهم الذين فروا من وجوههم، ولم يبق سوى الكوردي للانتقام منه وإهانته وازدراءه والدعوة للقضاء علي وجوده.
الكوردي / العفريني يطالب بصراحة أن تخضع المنطقة للحماية الدولية لأن سلطة الاحتلال لا تقوم بواجبها حسب القانون الدولي، وهدفها ابتلاع المنطقة وضمها إلى تركيا، والنظام الحاكم في دمشق ساكتٌ وعاجز عن أن يفعل شيئاً لهذه المنطقة التي لا زالت تعتبر جزءاً من سوريا (العربية ، العربانية، العروبية!)، ومرتزقة الجيش اللاوطني الخائن لبلاده يمتلك بطاقة تعريف عنصرية أشد وقاحة من بطاقة البعث البائد تجاه الشعب الكوردي، وما نسميه ب(قسد/مسد) يبدو لي أنه نسي أين تقع منطقة جبل الكورد، وأحزاب المجلس الوطني الكوردي لا نسمع عنها سوى ما تنشره من تعازي وتبريكات ذات رونق، أما عفرين فقد قال أحد طبولهم الإعلامية عنها: “عفرين راحت فلا تضيّعوا وقتكم بالكلام عنها!” أو كما سمعنا عنه. إذاً لا بد من حماية دولية إلى أن يتمّ حل المعضلة السورية دولياً.
الأمر الآخر هو أن العفريني يطالب بإخراج كافة المسلحين، كورداً وعرباً ومن كل الأقليات الدينية والقومية، من المنطقة، وتشكيل قوة أمن من أبنائها تحت إشراف قوات دولية، وذلك لأن استمرار بقاء العمشات والممشات في المنطقة يعني مزيداً من الإرهاب يومياً واتساع دائرة النار والاستمرار في تهجير المواطنين أبناء المنطقة بالإكراه والعنف، وافساح المجال أمام تفجير اتٍ رهيبة يذكرنا آخرها بتفجيرات بغداد قبل سنوات.
طبعاً، يريد الكرداغي إدارةً ذاتية للمنطقة، وفق ما عليه أوضاع بعض الشعوب والأقليات التي لم تنل استقلالها أو حكماً ذاتياً، وهذا لا يتعارض مع القانون الدولي، بل هو ضرورة مرحلية إلى أن يتّم تعديل أو إلغاء الدستور السوري الحالي ووضع الأسس الضرورية لتدوين دستورٍ جديد، عصري وعادل ومفيد لكل سوريا.
ومن البدهي أن تتشكّل محكمة خاصة للنظر في سائر النزاعات بصدد الملكية العامة والخاصة وتقديم مجرمي الحرب إلى القضاء العادل وملاحقة الإرهابيين ومختلف المسائل المتعلّقة بموضوع الجرائم ضد الإنسانية في المنطقة.
بل هناك سلسلة طويلة من مطالبات شعبنا في عفرين الذي يجب بالضرورة السماح له بالعودة دون شروط أو مماطلة إلى قراه ومزارعه وممتلكاته، وتعويض المواطنين المتضررين من جراء الاحتلال التركي والممارسات الإرهابية لمرتزقة الاحتلال.
فهل في كوردستان والعالم من يسمع نداءنا نحن الكرداغيين العفرينيين؟ أم نكتب هذا للتاريخ والمستقبل فقط؟