2- جنوب كردستان (الإقليم الفيدرالي):
تزامناً مع التقارب الجاري في غرب كردستان، برزت دعوة من مجلس إدارة السليمانية المتحكمة بها حزب الإتحاد الوطني الكردستاني؛ طالبوا فيها بإدارة ذاتية لمنطقتهم (إدارية ومالية) تحت إشراف إدارة الإقليم المركزي، أي عمليا إدارة لا مركزية لسلطة الإقليم، تلتها وبعد يومين دعوة مماثلة من إدارة مدينة أربيل، مقتنعين على أنها الخطوة الأمثل لتطوير محافظاتهم والإقليم أيضاً، وعلى أن شكل الإدارة هذه ستسهل تلبية متطلبات الشعب بعيدا عن سلطة المركز الفيدرالي؛ وبشكل أفضل (https://www.pukmedia.com/AR_Direje.aspx?Jimare=142031) نبهني إليها الأخ علي أركاوازي من جنوب كردستان، فوجدت هذا الرابط في موقع جريدة الحزب، ونشر الرابط عن مدينة إربيل في موقع روداو.
الخطوة إن كانت سياسية أو مجرد إدارية، تعكس بعداً ديمقراطيا، وإن رافقتها المصداقية والتعامل الحضاري في تطبيقها، ستكون نقلة نوعية لقادم كردستان، وللإقليم بشكل خاص، فبقدر ما قدم من الإنجازات، ورفع إداراتها الشأن الكردي إقليميا ودوليا، يلاحظ أنه وعلى مدى العقدين الماضيين من عمر الإقليم، كان هناك تخبط في الوعي القومي، لدى البعض من قياداته، وخاصة في جنوبه كما يرجحه الشارع الكردستاني العام، علما أن الحكم والتهمة حالة نسبية تترجح بين القوى السياسية.
لكن مع ذلك فما قدمته السليمانية سابقا في البعد الوطني وعلى مستوى العلاقات الإقليمية ومقارنتها بالطلب، من جهة تفضح النزعة الإقليمية الحزبية بغطاء من الحنكة، وكأنها قدمتها من خلفية الحنين إلى الماضي السابق لضغوطات وزيرة الخارجية الأمريكية، عندما تم إرضاخهما للاتفاق على بعض النقاط الرئيسة من أجل إقامة الفيدرالية الكردستانية، ومن جهة أخرى تعكس الفوقية التي تتبجح بها قيادة الإتحاد الوطني الكردستاني على أنها تتقدم على الأخرين بالبعد الثقافي، وتتبين النزعة هذه بشكل جلي بين فينة وأخرى في إدارة منطقة السليمانية، في مجالات عدة، وخاصة في مجالات رفضهم تقبل لهجة كردستانية أخرى غير اللهجة السورانية، وكثير ما تم رفض محاولات التقارب بين اللهجات، أو تغيير الحروف أو تطوير القواعد، وغيرها من الإشكاليات اللغوية، والتي كانت الأحكام الصادرة قطعية وبدون دراسة، لا شك يستثنى هنا الشريحة المثقفة الواعية والتي لها الفضل على كل كردستان في مجالات متعددة، فالحديث هنا يجري على القيادات السياسية والحراك السياسي قبل الثقافي السياسي.
الدعوتين في بعدهما العام، وفي فضاء الأنظمة السياسية والإدارية، خطوة ديمقراطية متطورة، فيما إذا لم تكن خلفها غاية؛ أو أجندات خارجية، أو مصالح حزبية، أو لم تكن بداية لحبكة سياسية إدارية؛ غايتها إضعاف حكومة الإقليم المركزية، بتجزئتها إداريا واقتصاديا. وما يزيدنا شكا، وترجيحا للاحتمالات المذكورة؛ نشر إدارة السليمانية الملحق الدستوري مع البيان، والذي يعكس حق المحافظات بإقامة فيدرالية منفصلة، والمناطق بإدارات ذاتية، دون العودة إلى إعادة النظر في دستور الإقليم ليتلاءم والنظام الجديد، فما تم في الدستور العراقي، معظم بنوده يتخلله إشكاليات، ولا تتوافق وواقع كردستان، ولا علاقتها مع بغداد.
ولا شك في الأجواء الديمقراطية؛ لا تقدم الاحتمالات والشكوك أمام الطرح المنطقي، ولا يمكن رفض الطلبات الموضوعية على خلفية الشك، لكن ما جرى في إدارة السليمانية خلال السنوات التي تشكلت فيها الإقليم الكردستاني الفيدرالي، ووقوفهم بشكل أو أخر مع أجندات القوى المتربصة بالكرد؛ والمؤدي إلى خسارة الإقليم لقسم واسع من جغرافيتها؛ وحصتها الاقتصادية من السلطة المركزية؛ وغيرها من العوائق التي عرقلت مسيرة البناء الديمقراطي في الإدارة، ترجح على أن الشكوك تكاد أن تكون هي المرجحة على الطلب الصادر من إدارة السليمانية، والتي دعمت بمثله من هولير.
ولتجاوز هذه الاحتمالات والشكوك، لا بد أن يرافق طلب إدارة المدينتين خطوات عملية سياسية واجتماعية وثقافية، منها المطالبة بضم منطقتي كركوك وشنكال إلى المعادلة كجزء من جغرافية الإقليم، وهذا المطلب ليس من باب الإعجاز، بل لأن؛ لحزب المطالبين (الاتحاد الوطني الكردستاني، والديمقراطي الكردستاني) وبشكل خاص الأول منهم، اليد الطولى في خسارة الإقليم لجغرافية المنطقتين بشكل مباشر أو غير مباشر، ومحاولة عرض هذا المطلب على سلطة بغداد وإثارتها دوليا، ستقطع الطريق على إيران وتركيا فيما إذا كانت لهم اليد في المطلبين.
قد يظن البعض أن المطلب، خطوة سابقة لأوانها، وحيث الإقليم في صراع مع المركز على قضايا دستورية عدة، من ضمنها المادة 140 والتي تقف عليها مصير جزء مهم من جغرافية الإقليم، كما ولا تزال القوى الإقليمية تتربص بها، وتعاني اليوم اكثر من أي وقت مضى من مصاعب داخلية، من بينها اقتصادية، لذلك لا يستبعدون أن تكون الدعوة خطوة استباقية لنقل الإدارة المطلوبة مستقبلا إلى منطقة فيدرالية خاصة بذاتها، والتي إن كانت الظنون صحيحة، ستؤدي إلى كارثة سياسية ثقافية واجتماعية واقتصادية للشعب الكردي في الإقليم بل وفي كردستان عامة، وبالتالي ستكون بداية القضاء عليها كقوة فيدرالية، وستعجلها إدارة ضعيفة أو إدارات هزيلة أمام بغداد وأئمة ولاية الفقيه وتركيا المتربصين بهما.
وهذا لا يعني رفض المطلبين أو المقترحين، وعدم دراستهما من أسسها، بل من حيث البعد الديمقراطي الطامع إليه الشعب الكردي، ويجب معالجة ما تم عرضه، واعتبارهما خطوة متقدمة لتطوير الإدارات السياسية والاقتصادية ضمن الإقليم الفيدرالي، وقد تصبح مثالا لكل محافظات العراق.
ففي نظرية فرض جدلية كردستان الكبرى، نحلم دائما أن يكون النظام القائم فيه من أفضل الأنظمة في شرقنا؛ وحتى من تلك المتبجحة بديمقراطيتها كإسرائيل؛ وتركيا جدلا؛ والإمارات العربية، بل وأن تكون قدوتهم في البعدين السياسي والإداري، ونحن على قناعة أن هذا المفهوم أحد أهم الأسلحة التي ستساعد أمتنا على بلوغ غايتها، وتطبيقها مفروضة على حراكنا السياسي إن كانت كأحزاب أم إدارات حاكمة، ومن الأنسب وخطوة استباقية لبناء نظام سياسي ديمقراطي متطور، يجب أن تكون كردستان القادمة جمهورية فيدرالية، بين كل الأقاليم بل وأكثر من أربعة أجزاء، بل حتى لو كانت بعضها مبنية على الخلفية الدينية أو المذهبية أو الجغرافيات.
لهذا على حكومة الإقليم الفيدرالي المركزية دراسة المطلبين، على كل المستويات، ووضع لجان مختصة في الخدمة، وإشراك المجتمع فيها، وعرضها على القوى والأنظمة الدولية المعنية، لمساعدتهم ومساندتها، بعدما يتم قبولهما من قبل البرلمان الكردستاني، ولا شك هذه الخطوة ستعطي زخما للأطراف الكردستانية الأخرى، مثلما ستخلق لذاتها ثقلا سياسيا دوليا وإقليميا، ولا شك ستكون هناك مؤامرات للطعن فيها، وإجهاضها تحت حجج متنوعة؛ بعضها ستكون مقنعة حتى لشرائح من الشارع الكردستاني…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
3/5/2020م