وسط موجة الهستيريا ضد المسلسل الخليجي “أم هارون” واعتباره “تمهيدا للتطبيع مع إسرائيل” ظهر مسلسل آخر، من إنتاج مصري، “النهاية”، يتنبأ بزوال دولة إسرائيل بعد حوالي قرن من الزمان. لست بصدد نقد المسلسل ولا استعراض أحداثه، ولا حتى الجدل الذي أثاره، من اعتراض الخارجية الإسرائيلية عليه، إلى التهليل للفكرة والترحيب بها، فأنا أومن أن المسلسلات الدرامية لا تزعج إلا ضعاف الأنفس، فاقدي الإرادة. وأيضا لست بصدد الحديث عن موقفي الشخصي من الصراع العربي الإسرائيلي.
ولكن، بما أن إسرائيل هي الوسواس الأكبر للكثيرين في العالم العربي والإسلامي، دعونا نفترض، جدلا، أن فكرة مسلسل النهاية ستتحقق، بعد فترة من الزمن، وأن إسرائيل، بقدرة قادر، ستختفي من على الخريطة، وسيختفي سكانها من اليهود. فماذا سيحدث بعد نهاية الدولة العبرية؟
المطالبون والحالمون بنهاية إسرائيل هم كوكتيل غير متجانس من الإسلاميين العرب من أتباع العثمانيين والإخوان المسلمين، كذلك أبناء “محور المقاومة” من أتباع ملالي إيران و”حزب الله”. بالإضافة إلى القوميين العرب وأنصار الأسد، الناصريين العرب.
كل هؤلاء لهم صلات وثيقة بكل حركات المقاومة الفلسطينية.
ثقافة الموت والطائفية والتكفير والحلم بالخلافة لم ولن تولد مستقبل ناجح، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
ولكن كل فريق من هذا الكوكتيل له نظرة مستقبلية مختلفة. فهناك من يحلم بدولة الخلافة ويرى أن فلسطين المستقبل يجب أن تخدم هذا الحلم. وهناك من يحلم بنظام ثوري إسلامي إيراني الهوى، وهناك آخرون يحلمون بصورة وردية بدولة ذو نظام تعددي يستوعب الجميع.
كيف ستطبق هذه الأحلام المتناقضة على أرض الواقع؟
هل سيكون مصير فلسطين أفضل من مصير العراق مع صدام أو بعده، أو سوريا البعثية، وما أصابها بعد الانتفاض على الديكتاتور؟
هل سيترك حلفاء فلسطين شعبها يقرر مصيره؟ أم سيحاولون فرض رؤيتهم في مقابل الدعم المالي والسياسي؟
فشلت “حماس” و”فتح” وغيرها من الفصائل الفلسطينية في الاتفاق والوحدة وهي ترزح تحت الاحتلال، فهل ستتفق بعد زواله؟
هل ستنتهي ثقافة الموت في المجتمع الفلسطيني بعد زوال إسرائيل أم يتقاتل رفقاء السلاح فيما بينهم؟
ماذا عن القدس؟ تاريخ القدس هو تاريخ حروب وصراعات فرض فيها المنتصر دينه ومذهبه على الآخرين، فهل انتهاء الدولة العبرية سيغير هذا الواقع؟
مثلا، هل سيسمح أهل السنة للشيعة بالصلاة في المسجد الأقصى، والاحتفال بعاشوراء؟ ألم يحلم الملالي بالأقصى كغيرهم؟ أليس لهم الحق أن يتعبدوا حسب مذهبهم داخل المسجد الأقصى أم سيقال لهم لا أنتم نصيرين كفرة؟
ماذا سيحدث للأقليات غير المسلمة، كالبهائيين، الذين يعيشون الآن في إسرائيل؟ هل سيسمح لهم حكام المستقبل بممارسة شعائرهم والإبقاء على معبدهم في حيفا الجميلة؟ أم سيطردونهم من جنتهم الموعودة؟
طرحت كل هذه الأسئلة على زميل إسلامي، يتمتم مع كل صلاه “لبيك يا أقصى” فرد على بصوت غاضب: “مش مهم” وأضاف “المهم نخلص من الصهاينة وبعدين نفكر”.
هذا الرد ليس حالة فردية وليس جديدا. فقد قاله كثيرون من قبل: “نتخلص من الاستعمار ثم نفكر ماذا بعد”… “نتخلص من الحكام الديكتاتوريين ثم نفكر ماذا بعد”.
وجود إسرائيل يستر تجار تجار القضية الفلسطينية الفاسدة، وانقسامهم وكرههم لبعضهم البعض، واضطهادهم لشعوبهم
والنتيجة كانت عقودا من الدماء والحروب الأهلية، والانقسام والصراع على السلطة، واضطهاد الأقليات.
يستتر تجار القضية الفلسطينية وراء أسلوب “الحلم أولا والتفكير لاحقا”، ولكن في قرارة أنفسهم يعتبرون إسرائيل الإوزة التي تبيض لهم ذهبا: من يريد متابعين على مواقع التواصل الاجتماعي يغرد ضد إسرائيل. من يريد نجاح مسلسل يحلم بتدمير إسرائيل. من يريد أن يكسب انتخابات يصيح ضد إسرائيل. من يريد السيطرة على أي دولة في المنطقة يدعي مقاومة إسرائيل.
فهل تصدقون يا سادة أن هؤلاء يريدون فعلا زوال “الكيان الصهيوني”؟
زوال الدولة العبرية هو آخر شيء يريده تجار القضية الفلسطينية. لأن وجود إسرائيل يستر تجارتهم الفاسدة، وانقسامهم وكرههم لبعضهم البعض، واضطهادهم لشعوبهم.
فلا تصدقوا صياحهم ووطنيتهم الزائفة. فثقافة الموت والطائفية والتكفير والحلم بالخلافة لم ولن تولد مستقبل ناجح، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.