خيري إبراهيم كورو
من البديهيات التي يعرفها الجميع عن أمور الدولة وإدارتها خاصة في نهاية القرن المنصرم وبداية القرن الحالي، إن الدولة لا يمكن أن تستقيم ويستتب فيها الأمن والسلام ويتمتع مواطنيها بالحرية وينالون حقوقهم في غياب العدالة الاجتماعية التي تضمن حقوق الجميع دون استثناء ومن ضمنها حماية حقوق المكونات والأقليات الصغيرة. ونقطة الانطلاق لبناء الدولة بمفهومها المعاصر( دولة المؤسسات) تبدأ بتشريعات وقوانين وبناء مؤسسات تضمن حقوق الشرائح الأكثر عرضة للتهميش وهضم الحقوق وانتهاك الحريات وإلا فأن العواقب ستكون كارثية على الجميع دون استثناء. وابرز مثال على ذلك الوضع والظروف القاسية التي يعيش فيها الايزيديون في العراق فطوال عقود تعرض هذا المكون للتهميش والتهجير وانتهاك حقوقهم وأخيرا قتلهم وذبحهم وأسرهم والمتاجرة بهم في أبشع عملية إبادة في القرن الواحد والعشرين في غياب تام لمؤسسات الدولة وتواطؤ نسبة كبيرة من المنظومة الدينية والقبلية مع مجرمي وإرهابيي داعش، لكن الذي حدث لم يكن وبالا على الايزيديين فقط بل جعلت الجميع يدفع الثمن وثمنا باهظا جدا، فهناك عشرات الآلاف من القتلى والمفقودين ومئات الآلاف من النازحين والمهجرين.
كان قسم كبير من القيادات السياسية والدينية والتقليدية في العراق يعتقدون بان انتهاك حريات الايزيديين والتجاوز على حقوقهم سيمر هكذا مرور الكرام من دون أن يدركوا إن الظلم لا يمكن تجزئته والحرية لا يمكن تجزئتها كما قال نيلسون مانديلا( أن الحرية لا تقبل التجزئة، لان القيود التي تكبل شخصا واحدا في بلادي إنما هي قيود تكبل أبناء وطني أجمعين) وأبرز دليل على ذلك عندما هاجم إرهابيي داعش منطقة سنجار هب قسم كبير من أهالي الموصل والقرى العربية المجاورة للايزيديين لمساندة ومساعدة داعش في حملته على المنطقة وشاركوا في قتل الايزيديين وذبح رجالهم وخطف نسائهم وفعلوا ما فعلوه بالايزيديين ضنا منهم أنهم بعملهم هذا سيفوزون بالدنيا وسيعيشون في امن وسلام ويضمنون الآخرة أيضا تحت ضل قوانين دولتهم المجرمة، ولكنهم وكما قلنا، إن الظلم لا يمكن تجزئته، فقد دارة الدائرة عليهم أيضا فخسروا دنياهم وفي الآخرة سيحشرون مع عدو الله أبو بكر البغدادي.
هذه الحقيقة في إن (الظلم، العدل، الحرية….) لا يمكن تجزئتهم أدركها الغرب بعد صراعات دموية طويلة، وتوصلوا إلى إن حماية الإنسان وخصوصيته وحريته تعتبر مقدسة مهما كان دينه أو عرقه أو لونه وهذا الذي جعل من هذه البلاد تعيش في أمن وسلام واستقرار ووجهة وملاذا للملايين من البشر حول العالم، فهل ستدرك القيادات السياسية والدينية والقبلية في العراق هذه الحقيقة ويستوعبون هذه المعادلة وتكون حماية وضمان حقوق الايزيديين وكل المكونات والأقليات الأخرى من أولوياتهم، لأنهم أن لم يفعلوا ذلك فإنهم لن يعيشوا بسلام أبدا، لأنهم بحمايتهم للايزيديين وضمان حقوقهم فأنهم يحمون أنفسهم ويضمنون حقوقهم أولا.