القوى الموالية لإيران ما زالت متخوفة من رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي
.
التصدع الحاصل داخل “الحشد الشعبي” بعد انفكاك الألوية التابعة للمرجعية منه قد يسهم في تسهيل المهمة
(اندبندنت عربية) بغداد: أحمد السهيل – يواجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي جملة تحديات، أبرزها ملف حصر السلاح بيد الدولة، الذي قد يكون أكثر المهمات صعوبة في ظل تنامي سيطرة الأذرع المسلحة على مفاصل سياسية وأمنية رئيسة في الدولة العراقية.
ولعل أبرز ما قد يصطدم بتلك المساعي، هو مخاوف الفصائل المسلحة الموالية إيران من احتمالات المساءلة القانونية، إذ يرى مراقبون أن تلك القوى تعتقد باعتماد رصيدها السياسي على ثقلها المسلح، وفقدان هذا الركن قد يتيح إمكانية مساءلتها على ملفات عدة، أبرزها اتهامات بقضايا فساد وقتل.
تحديات عدة قد تقف في طريق إنجاز هذا الملف، فعلى الرغم من التسريبات التي تتحدث عن تنازلات قدمتها طهران للوصول إلى تسوية في العراق أدت إلى وصول الكاظمي لرئاسة الوزراء، فإن القوى الموالية إيران ما زالت متخوفة من الكاظمي، وقد اتهمه بعض القوى في أكثر من مناسبة بأنه موالٍ واشنطن، فضلاً عن الإشاعات التي بثتها بعض الفصائل المسلحة حول تورطه في قضية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس. الأمر الذي نفاه جهاز المخابرات في حينه، واصفاً تلك الاتهامات بأنها تمثل “تهديداً صريحاً للسلم الأهلي”.
السيطرة على المؤسسات الأمنية
ولعل التصدع الحاصل داخل “الحشد الشعبي”، بعد انفكاك الألوية التابعة للمرجعية منه، قد يسهم في تسهيل مهمة حصر السلاح بيد الدولة. الأمر الذي قد يدفع الكاظمي إلى استغلاله في إعادة هيكلة الحشد والسيطرة على سلاح الفصائل المسلحة.
ويبدو أن الكاظمي يركز على مهمة السيطرة على معظم الأجهزة الأمنية الرئيسية كمقدمة للشروع في إنجاز هذا الملف، إذ يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة، ونجح بإيكال حقيبتي الداخلية والدفاع إلى ضباط بعدما كانت تلك الوزارات تخضع للمحاصصة الحزبية، فضلاً عن إعادته الفريق عبد الوهاب الساعدي إلى رئاسة جهاز مكافحة الإرهاب بعد إقالته من قبل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.
وتفيد تسريبات نية الكاظمي القيام بتغييرات أخرى تشمل بقية الأجهزة الأمنية. ما قد يسهل عملية حصر السلاح بيد الدولة.
مهمة عسيرة
ويتوقع رئيس “حزب الحوار والتغيير” حامد المطلك “مهمة عسيرة أمام الكاظمي، وهي محددة بحصر السلاح في يد الدولة، ومحاسبة القتلة، ومعالجة موضوع الفساد، والذهاب إلى انتخابات حرة ونزيهة، كما طالبت ساحات التظاهر”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، “حملة السلاح المنفلت لن يسلموا مكاسبهم ومنافعهم بسهولة، وعلى القوى السياسية التي لديها برامج وطنية أن تدعم مهمة الكاظمي”.
وعن إمكانية أن تكون خيارات الكاظمي في المفاصل الأمنية مقدمة لمواجهة السلاح المنفلت، يبيّن المطلك أن “هذه الخيارات تجعل رئيس الوزراء مرتكزاً على أعمدة قوية تسنده، لكنها ليست كافية، لأن كل مؤسسات الدولة تعاني الفساد، ولا بد من أن يكون التغيير شاملاً لجميع المرتكزات الرئيسة فيها”.
رغبة إيرانية في الحياد
ويرى مراقبون أن استعجال حسم ملف السلاح خارج إطار الدولة قد يدخل حكومة الكاظمي في صِدامٍ عسكريّ مبكر مع الفصائل المسلحة.
إلى ذلك، يقول السياسي المستقل إبراهيم الصميدعي، “هناك رغبة إيرانية في الحياد والتهدئة في العراق، لكنها متوقفة على نتائج التفاهمات مع واشنطن، التي ستحدد خيارات طهران بالتهدئة أو الصدام”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، “لا توجد أي دولة عراقية قادرة على ضبط السلاح الموالي إيران في العراق، لأنه سلاح عقائدي مستعد للقتال في أي لحظة، لكن الاتفاق بين واشنطن وطهران قد يرجح احتمالين: إمّا تفاهمات تحيّد السلاح وتحله بشكل سلمي وإما أن إيران قد تتخلى عن تلك الفصائل”.
ويلفت إلى أن “الشروع بعملية حصر السلاح بيد الدولة من خلال مواجهة مباشرة من دون تسويات مسبقة قد يؤدي إلى انفلات أمني كبير”، مردفاً “حسم هذا الملف يجب أن يكون باستخدام الحوار السياسي وعدم فرض القوة”.
وعن احتمال إعادة هيكلة “هيئة الحشد الشعبي”، يعتقد الصميدعي أنه “بعد مقتل المهندس حصل فراغ في القيادة داخل الهيئة، فضلاً عن الصراع بين الجبهتين الولائية من جهة والألوية الموالية لمرجعية السيد علي السيستاني من جهة أخرى”. ويعتقد الصميدعي أن “هذا يؤكد حاجة الهيئة إلى إعادة الهيكلة”، مبيناً أن “هذه المهمة من مسؤولية رئيس الوزراء حتى يعيد الحشد الشعبي كقوة قتالية في هذا الوقت الذي يشهد عودة نشاط تنظيم داعش”.
عزل سياسي
من جانبه، يرى الباحث في الشؤون الأمنية أحمد الشريفي أن “استبدال الوزراء الأمنيين لن يتيح للحكومة في هذا الوقت القصير تفكيك منظومة الأحزاب المسيطرة على تلك الوزارات”.
ويوضح لـ”اندبندنت عربية”، أن “الكاظمي يميل إلى إجراء تفاهمات مع الأحزاب لإقناعها بقضية نزع السلاح، لكن الرهان على الوقت ليس في مصلحته، لأنه سيؤثر في علاقته مع المتظاهرين، وقد يزيد منسوب التظاهر ويعيد احتمال أن تنشط الأجنحة المسلحة للأحزاب في مواجهة الاحتجاجات”.
ويشير إلى أن “الأحزاب ذات الأذرع المسلحة تدرك أن نزع السلاح والذهاب في اتجاه انتخابات مبكرة يعني عزلها سياسياً. وهذا لن يضمن لهم خروجاً آمناً، وقد يفتح عليهم ملفات فساد وإرهاب”.
تهديد لعلاقات العراق الخارجية
في السياق ذاته، يعتقد الباحث والأكاديمي باسل حسين أن “أكثر ملف ضاغط على حكومة الكاظمي، هو السلاح غير الخاضع لقرار الدولة، لا سيما سلاح الميليشيات، والذي يشكل تهديداً وجودياً على العراق وعلاقاته بالمحيط الإقليمي والدولي، ويتطلب معالجة حاسمة تقف أمام تغوّل هذا السلاح وعدم انضباطه وتأثيره السلبي داخلياً وخارجياً، لا سيما مع فقدان الدولة أهم ميزة تتسم بها، وهي احتكارها قرار الحرب والسلم”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، “الكاظمي يتجه نحو تركيز السلطة بيد الدولة ومؤسساتها، ويسعى لاستعادة الفاعلية للمؤسسات الأمنية والعسكرية، من خلال تغيير القيادات وإعادة هيكلة هذه المؤسسات”، مبيناً أن “هذه خطوات تبدو واعدة ومتقدمة، وفي فترة وجيزة نسبياً، والمهم هو أن تأخذ هذه الخطوات مساراً تصاعدياً يكبح جماح الجماعات المسلحة”.
وعن قضية “ثأر الله” يعتقد حسين أن “الكاظمي أراد توجيه رسائل عدة إلى جمهور الشباب بأنه لن يتساهل مع الذين يستهدفونهم، ولن تتكرر ظاهرة الطرف الثالث في عهده، فضلاً عن كونها رسائل إلى الميليشيات أن هناك نمطاً آخر من التعامل معهم عليهم توقعه، والخضوع له، وإلا فإن المواجهة هي البديل”.
وكان الكاظمي أعلن الإثنين، 11 مايو (أيار)، اعتقال عناصر تابعين إلى الميليشيات بعد قيامهم بفتح النار على محتجين في البصرة، ما تسبب بمقتل شخص، وتعد هذه الاعتقالات محاولة من الكاظمي لإظهار جديته في حسم ملف العنف ضد المحتجين، ومحاولة لاسترضاء الحركة الاحتجاجية.
إعادة الهيبة إلى الوزارات الأمنية
إلى ذلك، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن “ما يميز خيارات الكاظمي في الوزارات الأمنية هو أنها ذهبت إلى ضباط خارج سيطرة الأحزاب، وهذا يعطي انطباعاً أن هناك مساحة أكبر لرئيس الوزراء في السيطرة على الملف الأمني”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، “هذه الخيارات جزء من إعادة الهيبة إلى الوزارات الأمنية، وترتبط بمحاولة حصر السلاح بيد الدولة”.
ويعتقد الشمري أن “إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية خطوة في الاتجاه الصحيح، لأن معادلة السلطة التي أدارها عبد المهدي أضرت كثيراً بهذه المناصب، خصوصاً بعد منحها لأطراف سياسية”.
ويختم أن “الشروع بقضية حصر السلاح بيد الدولة، ستقابله أزمات مع الفصائل المسلحة، وقد تؤدي إلى احتكاك معها. وهذه القوى السياسية قد تحرّك الشارع بشعارات عدة، وعليه أن يضع في حساباته هذه الإشكالية”.