خروج الباسيين من القرية :
أدرك عمر قاسو الباسكي المصيبة حينما تخلى اوصمان باشا عن رعيته المسيحية، طلب من أهل قرية باسان الايزيدية بترك القرية والتوجه الى البساتين (خارج القرية) في (بانى جالى) .
كانت قبيلة الباسان ذو علاقة حميمة مع عشيرة المشارية سابقاً، لكن نتيجة خلاف بسيط في تلك الاونة سبب برودة في العلاقات، توجه ابناء القرية اليهم أيضاً.
طلبنا منهم البقاء في ضاحية القرية في تلك الليلة لحين الفجر.
قال عمر قاسو : حينما رأينا شخصان متجهان نحونا، نبهت الرجال الاختباء بين الاشجار والتهيؤ لأية حالة طارئة لا سامح الله .
عند مجيئهم قال الرجلان للعوائل : جئنا نبلغكم برسالة رئيس عشيرتنا عمر المشاري (حاليا في السجن)، فقد أكد لأبنيه (رسول أغا وعكيد أغا) بان يوفر لقبيلة الباسان المسكن في احدى قرانا ويتم المحافظة عليهم، هذا ما أبلغنا به.
بعد التشاور بين ابناء الباسان، توصلوا الى نتيجة بان هذه القرى لا تستطيع المحافظة علينا من الجيش العثماني والمرتزقة وخاصة العديد من هذه العشيرة كانوا مرتزقة أيضاً، وكان الايزيدية مع اوصمان باشا المعادي لعمر المشاري .
شكر الأهالي موقف عمر المشاري، وتوجهوا فجراً نحو معبد لالش .
تم حرق القرية من قبل الجيش فلم يستطع الأهالي العودة اليها، وتوجهوا الى منطقة أخرى حاملين سلاحهم يوم 15-5-1916، وحينما وصلت القافلة الهاربة الى (فندكى) قالت غريبة:
- لا تخافوا لقد وصلنا الى قرية ابني – فندي –1 وأصبحنا في أمان .
لكن اعترضهم قوة عثمانية عند عبورهم قرية (فندك) منطقة سلوبيا جردوهم من المال والأسلحة بحجة لا يجوز لغير العساكر أن يحملوا السلاح، في البداية حاولوا قتلهم جمعياً لكن عندما تأكدوا من أجسامهم بأنهم قد ختنوا وتبين فعلاً انهم ايزيدية .
اصبحوا على وجبتين الكبار والنسوة في السهل والرجال والشباب ناحية الجبل وتوجهوا نحو قرى العشائر الرحالة ( موسى رش – باتوا- عمر دلا – ميران) ، هذا أكده لنا شمو قاسو وكريت نمر الباسي في لقاء معهما يوم 16-5-2016 .
من هو فندي كول محمد ؟
فندي كول محمد كان والده رئيسا لعشيرته لكن نتيجة الصراع بين العائلة الحاكمة من اجل السلطة قتل مع كافة افراد عائلته من قبل شقيقه من أجل رئاسة العشيرة والقرى التابعة لها، ولم يبقَ منهم الا طفل رضيع حيث استطاعت عمته انقاذه منهم وهو في المهد وجلبته الى دار كريفه الايزيدي (كريف الدم) في باسان، وقامت كريفته (غه ريبا بابير) بارضاعه وأصبح أخ بالرضاعة لأطفالها وبقى هناك إلى أن كبر وغدا شاباً.
كانت الأم (غريبة بابير) ترضع ابنتها –كلي – من أحد ثدييها وترضعه بالثاني هذا الطفل – فندي –
بعد مرور فترة طويلة توفي عمه وتشاورت العشيرة حول من يخلفه في الرئاسة فالأكثرية كانوا مع رأي أن يخلف –فندي- للرئاسة لأنه الطفل الوحيد الباقي من عائلة أبيه، وأبيدت العائلة دون ذنب مجرد الصراع على رئاسة العشيرة .
جاء بعض الاشخاص وأخذوا هذا الطفل بعد ان كبر لكي يصبح رئيس العشيرة، قال لهم سلو محو : الطفل هو ابنكم وما لنا منه الا مسألة انسانية وصلة الكرافة لقد كبر والحمد الله وبمساعدة والدته الثانية (من ناحية الرضاعة غريبة بابير)
حدوث المجزرة :
في اليوم الثاني 16-5-1916 عند شروق الشمس، يبدو ان رجال القرى في فندك والقرى المجاوره قد تشاوروا فيما بينهم لكون هؤلاء الايزيدية محسوبين على (اوصمان عمر) وهو منافسهم لغرض الانتقام منهم، هنا توجه اليهم قوة كبيرة بقيادة أحمد شاهين/ رئيس عشيرة الميران – قد ترعرع لدى الايزيدية – وفندي قولي محمدي رئيس عشيرة باتوا كان من قادة الوية الحميدية، عندما أدركوا بان الإيزيدية مجردين من الأسلحة، نصبوا لهم كمين على نهر هيزل ، طوقوهم وكان عددهم (580) فرداً، وقال لهم :
- انتم محسوبين على اوصمان عمر وهو قاتل ابراهيم باشا لذا ستكونون ضحية لأعمال هذا الشخص .
- نحن الايزيدية ما علاقتنا بثأركم العشائري، أم تتحججون من أجل إبادتنا ؟.
- اذاً عليكم اعتناق الإسلام وإلا ستواجهون الموت ؟
جاء فندي كول محمد فتوجهت اليه غريبة – أمه بالرضاعة- لكنه رفض ان تقبله
غريبة : يا بني لقد أرضعتك من صدري لحين كبرت ولولاي لما كنت حياً !.
فندي : لا تتحدثين عن الماضي لقد ولى ذاك الزمن
غريبة : واآسفاه يا بني ! حينما وصلنا الى مشارف قريتكم قلت للرجال لقد وصلنا الى منطقة آمنة رئيسها ابني بالرضاعة، كنت أرضعك من صدري مع ابنتي (كلي) .
فندي: سوف أخذ – كلي – كسبية لي
غريبة : كيف ترضى نفسك أن تأخذ اختك بالرضاعة كسبية لك.
فندي : أنتم أهل الكفر والضلالة .
غريبة: وآسفاه على الزمن والعقول المتحجرة.
فندي : أنتم أعداؤنا
غريبة: هل قاتلك أحد منا ؟ كي تسبى نساؤنا !
تعصبت غريبة على فندي عندما أدركت فعلاً سيأخذ أخته بالرضاعة سبية له، فرمته مع رجاله بالحجارة وعلى أثر ذلك أصاب أحد رجاله ويقال توفى على أثرها.
ضرب فندي والدته بالرضاعة بالمدية –الخنجر – على بطنها وكانت حامل فقتل الجنين في الحال ووقعت هي على الأرض وماتت، هنا بادرت سيدة أخرى أسمها (غريبة مراد) مع بناتها (كلي – تركو – فاتو( بنات مهمد محو – وهو شقيق سلو محو رئيس القبيلة ) بالقفز الى النهر انتحاراً بعد أن ربطن جدائلهن بعضهن ببعض .
رفض الجميع ترك ديانتهم .
تعالت صوت التكبير … الله أكبر …. الله أكبر .، قاموا بقتلهم جميعاً والمتبقين (27) شخص جرحى تحت الجثث منهم ( 19 رجل 6 نساء 3 أطفال).
كانت النسوة يضعن اطفالهن على رؤوسهن والسير في النهر كي لا يرن موت أطفالهن بعد موتهم، لان الطفل بالنسبة الى الأم أغلى من الروح .
كانت تقول ريحان : حينما أرى شخصاً ما (يطبطب) على عجينة الخبز اتذكر هؤلاء الأطفال الذين كانوا يقعون من رؤوس أمهاتهم بعد غرق الأم في النهر، يتخبطون بأياديهم في مياه النهر قبل غرقهم، منظر لا يرحل عن مخيلتي ..
كانت هناك مجموعة من النساء والفتيات ربط جدائلهن وقفزن الى نهر الهيزل، تم العثور على بعض الجثث ومنها جثث سبع فتيات في نهر دجلة في الجهة المقابلة من قرية جكانة، وتم دفنهن ولهن مقبرة معروفة ولكن نتيجة بناء سد الموصل أغمرت المقبرة في المياه .
حسب قول سمو بابير: كنت في طريق العودة من شيخان رأيت ابني واحدى بناتي قد نجا من المذبحة أيضاً، لكن العدو قد أخذ مجموعة كبيرة من الفتيات والأطفال .
في البداية حينما وصل الناجين الى قرية (كور آفا – ساكنيها من عشيرة الكوجر ) في منطقة زوما عشيرة الهويرية، طلب منهم مبلغ (30) روبية لغرض عبورهم والمحافظة عليهم بسلام، بحثوا عن المال، فوجدوه في ملابس هذه الطفلة الرضيعة كانت معهم الطفلة (قتي – جدة السيد نجيب جوقي) وتبين ان والدتها قد وضعت اموال العائلة، وتم تسليمهم المبلغ المذكور .
توجه الناجيين من المذبحة الى القرى الهويرية واستقبلهم الهويريين وشيوخهم أوصلهم الى مقر إمارة الايزيدية في باعذرة، بعد سبع سنوات في باعذرة كنا نخدم العائلة الاميرية 2.
بعد ثلاثة أشهر عندما اراد هؤلاء الاشخاص الذين عددهم (18) الرحيل من قرية (كفرزى) سمح لهم مسطو احمد الرميني بالتوجه نحو القرى الايزيدية في منطقة لالش لكن عندما علم عمه سعيد بك احمد الرميني –الرماني- اتهمه بالخيانة، وبعث رجاله لمقاتلة هؤلاء الايزيدية الغير المسلحين وتم قتلهم جميعاً في منطقة (سلوبي) كان شيخ علي من شيوخ آمادين يحمل خنجراً في خاصرته، بشجاعته استطاع ان يصيب ثلاثة منهم، لكنه استشهد أيضاً.
عندما علم مسطو أحمد أمين بذلك، طلب من عمه سعيد أن يذهبا الى الصيد في البراري، وتوجهوا الى تلك المنطقة التي حدثت فيها مجزرة الايزيدية، وهنا ناشد مسطو عمه قائلاً :
- أنا من أذنت لهؤلاء الايزيدية المساكين الذين نجوا من قرية كاملة بالتوجه الى قرى لالش عند أقرباءهم، ولكنك ارسلت رجالك وتم قتلهم جميعاً دون ذنب، بعد مشادة كلامية قتل عمه على تراب المجزرة .
وهناك أغنية عن مقتل سعيد بيد ابن أخيه يغنيها الكثير من المغنين ومنهم المغني خليل.
بعد ان توجه الناجين نحو بيت الامارة في باعذرة، سمو بابير وجماعته أرادوا أن يستقروا في قرية ايزيدية بدلاً من باعدرة، هنا بادر (مام سلو – رئيس عشيرة القائدية) بإيوائهم في قراهم واستقر مجموعة في قرية شيخدري القريبة من قرية سينا مقر رئيس العشيرة، وسمو بابير مع آخرين رحل الى موطنه في تركيا.
في نهاية العشرينات رحل قسم من رجال الباسان الى قرية جلعان (كر عين) بالقرب من صولاغ شرق مركز قضاء شنكال بمسافة 11 كم، عادوا بعد فترة ، في سنة 1939 رحلوا الى (كلى به درى – قلعة بدرية) كانت قرية البكوات ، فعاد الذين كانوا في شنكال الى اقرباءهم في قرية كلبدري، وتم شراء القرية وأرضها من المالك – البك الاقطاعي – سنة 1970.
كان ابناء قبيلة القائيدية يكنون احتراماً لهؤلاء الناجين من تلك المجزرة الرهيبة ومدوا يد العون لهم.