عودة المختطفات :
أراد سمو بابير أخذ ثأر الشهداء وإنقاذ المختطفات، فتوجه الى معبد لالش النوراني للقاء بسماحة بابا شيخ (شيخ علي) والأمير سعيد بك بن علي بك، مطالباً منهم بقبول عودة المختطفات والمختطفين.
قال سعيد بك بن علي بك : بما أنهم مختطفين لابد من عودتهم الى مجتمعهم إن أرادوا ذلك ولكن يجب أخذ موافقة بابا شيخ فهو الأب الروحي للديانة .
سمو بابير : شكراً سيادة الأمير سأذهب حالاً الى مجلس الاب الروحي للحصول على موافقته أيضاً .
ذهب سمو الى المجلس في المعبد وانحنى بقامته الى بابا شيخ وركع أمامه وقَبَل يديه، وطلب منه الموافقة على طلبه .
بابا شيخ : خيراً ان شاء الله !! من أنت يا بني ؟
سمو : جئت متقدماً بطلبٍ من سماحتكم
بابا شيخ : إذ كان الأمر مستحقاً سنوافق على طلبك حتماً
سمو : كما يعلم سماحتكم بأننا في قبيلة الباسان تعرضنا الى أبشع هجوم من قبل أعداء الانسانية ولم يبقً منا الا القليل من الافراد ، ولكن هناك بعض الفتيات المختطفات والأطفال أيضاً سنحاول جاهدين بعودتهن الى أحضان القبيلة والايزيدياتي، ونود موافقتك بهذا الصدد .
بابا شيخ : هل تستطيعون إنقاذهن من براثن الاعداء ؟
سمو : هذا الأمر متروك لنا، سنبذل جهودنا للحصول على المعلومات عن تواجدهن في القرى ومن ثم سنحاول بشتى الطرق الممكنة لإنقاذهن .
بابا شيخ : بالتأكيد سأوافق على عودة الايزيديين الى ديانتهم اذ كانوا قد دخلوا ديانة أخرى مجبرين تحت الضغوط أو التهديد .
سمو : نشكر سماحتكم على الموافقة .
قبل الخروج من المعبد ، شكر الرب لحصوله على الموافقة، وانحنى مرة أخرى لقدسية المعبد، توجه الى فرسه فامتطها وعاد مسرعاً الى أقرباءه ليبشرهم بحصوله على موافقة إعادة المختطفات والأطفال الى الديانة الايزيدية .
فهو مهموم بما حصل لهم من حملة إبادة وفقدان قبيلة كاملة وبين الابتهاج لحصوله على موافقة عودة المختطفات، وشغل فكره بالعديد من المخططات حول كيفية الحصول على المعلومات الاستخباراتية ومن ثم كيفية عملية الانقاذ .
عند العودة استقبله الاقرباء مستفسرين عن زيارته المباركة الى معبد لالش النوراني
سمو : عند وصولي الى المعبد، طلبت من الرب أن يحافظ على المتبقين من أهالينا، وحصلت الموافقة على عودة المختطفات .
أهالي القرية: نشكر مجلس المحفل على هذه الالتفاتة المباركة الينا
سمو : علينا الان ان نخطط وبذكاء من أجل الانقاذ دون خسائر بشرية .
توجه سمو الى القرى المسلمة متنكراً، وفي إحدى القرى رأى طفلتين مختطفتين من الايزيدية (باران – والثانية ريحان التي توفيت عام 1984) عند رجلٍ صوفي، تشاجر معه واستطاع نزع سلاحه الشخصي، وبعدها استسلم الصوفي وقال له :
- أرجوك ألا تقتلني وخذ مني ما تريد.
- لن أقتلك ولكن لو اعلمت عني أحداً سأتي اليك يوماً ما وأقتلك أينما تكون
- أقسم بمقدساتي سأحافظ على كتمان السر الى الأبد .
- أريد منك ملابسك وحصانين أحمل بإحدهم الطفلين والثاني أمتطيه ، وسأترك لك حماري.
- خذ الحصانين ولدي ملابس أحتياط لعملي الصوفي، ولكني مازلت خائفاً على حياتي .
- اتعهد الى الله لن أمسك بأذى، شريطة ألا تعلم أحداً عني
جلب سمو الطفلتين الى أهاليهما وقد استقبلهم الأهالي بالزغاريد والمسرة ،
ذات يوم و بينما هو يبحث عن المختطفات متنكراً بالملابس الصوفية، دخل داراً بعد ان جاع، جلب له صاحبه كأس من اللبن الخاثر (ماء اللبن)، لكن أحد أبناء القرية أدرك أنه رجل متنكر، قال لرجال القرية :
- والله اني أشك بهذا الرجل فهو يلتفت يميناً ويساراً وبعد أن جمع عليه رجال القرية عرفوا بأنه (سمو بابير) ويخطط للثأر، وإنقاذ المختطفات، قائلين له :
- هذه الوجبة الأخيرة من الطعام ستناولها، فلن نقتلك إلا بعد الانتهاء منه.
- سمو : لقد جلبتم لي رغيف خبز واحد، أرجو أن تجلبوا رغيفاً آخر، كي أشبع ومن ثم قرروا مصيري .
بعد تناول الرغيفين، اتفق رجال القرية على قتله بعيداً عن القرية وعلى الشاطىء كي ترمى جثته في النهر .
قيدوه وجاء معه أربع رجال مدججين بالأسلحة، وحينما اقترب من الشاطىء في منطقة الأدغال طلب منهم السماح له بقضاء الحاجة قبل أن يقتلوه، وبعد ان ابتعد عنهم عدة أمتار، قفز قفزات وهو مقيد، اطلقوا النار عليه لكن لعلو الأدغال لم يصب باطلاقاتهم، وهنا كان يسمعهم وهم يتشاجرون فيما بينهم كيف سمحوا له بقضاء الحاجة، في اللحظات الأولى انسحب اثنان من الموقع مؤكدين لزملائهم بأنهما كانا يودان أن يهرب سمو ولا يودان قتله، أما الاثنان الآخران بحثا عنه في الأدغال دون جدوى، بعدها تمكن من فتح قيوده والعودة الى أهله.
اشترى حماراً وحمله بعض الحاجات المنزلية والنسائية البسيطة وزار تلك القرى التي تأوي الفتيات المختطفات ولبس ملابس ذلك الصوفي …
ينادي لوازم …وحاجيات وبأرخص الاثمان .
كان يبيع بأقل من سعر الشراء، لذا تتجمع النساء حوله و يتبضعن حاجياتهن منه، يصغي الى الأسماء و أحاديثهن، حينها رأى شقيقته (مؤمنة) في قرية (مندكرا) طلب منها أن تحضر له لقمة طعام يتناوله في دارها، عندما دخل دارها نزع العمامة من رأسه، عرفت مؤمنة بانه شقيقها (سمو) وهو متنكر باللبس الصوفي.
تملكها شعورغريب من الخوف والفرح
وكاد يغمى عليها
- لم غامرت يا أخي
- إني أخاف عليك..
طلب منها أن تتهيأ للنجاة من هذه الحالة :
- لقد جئت من أجلك .
- من الصعب أن تأخذني الى الايزيدية .
- لماذا ؟
- ها أنا قد ولدت بطفل من مسلم ومضى فترة على تواجدي في هذه الدار .
- لكنه أختطفك رغماً عنك بعدما قتل كافة أفراد عائلتك وأهل القرية .
- هل المجتمع الايزيدي يقبل بعودتي الى أحضانه، لاني ولدت طفلاً من رجل مسلم ؟
- نعم … حصلت موافقة المراجع الدينية في لالش النوراني .
- انها خطوة مباركة من قبلهم .
- كل إيزيدي يجبره الآخرون على التخلي عن دينه…. باستطاعته العودة الى دينه .
- ماذا أفعل بطفلي الرضيع .
- سنأخذه معنا .
- ماذا نستفاد منه … والده مسلم ؟
- حينما نخرج … سيبكي في مهده طفلك فوالده سيسأل عنكِ ويشك في هروبك، فيتعقبنا .
- اذاً ماذا أفعل …؟
- سأخرج من الدار وانتظرك خلف التل، احملي طفلك الرضيع، ضميه الى صدرك وتعالي .
خرجت (مؤمنة) مع طفلها من ابن عمها الايزيدي وهو في الثالث من عمره وطفلها الرضيع من الرجل المسلم وعندما وصلت الى خلف التل عند شقيقها، سارا في الطريق ثم اختبئا في الوادي خوفاً من اللحاق بهم والقبض عليهم.
عندما عاد أحمد شاهين الى الدار علم أن سبيته (مومنة) غير موجودة مع طفلها الرضيع، ذهب الى الجيران يسأل عنها، هرع رجال القرية للبحث عنها بواسطة البغال والاحصنة .
قالت مومنة لاخيها سمو : اننا نراهم وهم يبحثون ويسيرون في الطريق ونحن في الوادي .
في الليل خرجنا واتجهنا نحو القرى الايزيدية وفي الطريق توفي الطفل الرضيع، ومن ثم عبرنا النهر ووصل مستوى الماء الى فمي لم يبقَ الا ان اختنق وأغرق وابني فوق رأسي.
بعد مرور شهر، جاء أحمد شاهين الى قرية (شيخدر) بمنطقة القائدية جنوب جبل دهوك، لوحده دون أن يعير أحدا أي اهتمام، ودون أن يتحسب لأحد أي حساب قال متحدياً : جئت لأخذ مومنة بعد أن هربت من الدار.
- رجال القرية : لقد قتلتم كل رجال القرية وسبيتم النساء وارتكبتم مجزرة رهيبة بحق الإيزيدية .
- أحمد شاهين : لقد تعاونتم مع أعدائنا الأرمن وتم ايواء سبع قرى أرمنية في قريتكم .
- قمنا بعمل إنساني والأرمن اناس مسالمون ولم يكونوا أعداء لكم …( هل قتلوا فأراً من فئرانكم ؟)
- احمد شاهين : الأرمن يدينون بديانة المسيحية وهي ديانة الضلالة … فقتلهم حلال ان لم يعتنقوا الإسلام .
- رجال القرية : هذا ليس مبرراً منكم ومن (فندي قولي محمدي) قيامكم بمجزرة ضد أهلنا .
- احمد شاهين : في البداية طلبنا منهم ترك الضلالة والدخول الى عالم النور وإعتناق ديانة الاسلام ، لكن جميعكم رفضتم حينها قررنا مع فندي محمدي قتل الرجال وسبي النساء .
- يعني أنك تعترف بلسانك بأنك من قتل رجالنا.
- لا يجوز للكفار أن يعيشوا في أرض فتحها الإسلام .
- لكن الأرض أرضنا نعيش عليها قبل الإسلام بآلاف السنين .
- نعلم ذلك، لكن تركيا دولة إسلامية فتحها المسلمون منذ زمن الخلفاء الراشدين، ولذلك تعتبر أرض الاسلام، ولا يجوز لبقية الاديان العيش فيها الا ان يعتنقوا الاسلام.
- ماذا تريد الان ؟
- جئت لأخذ مومنة، وسأحاسب الذي أخذها من داري، كيف تجرأ على ذلك، الم يعلم انها زوجة أحمد شاهين ؟!
قرر رجال الباسيين قتله، لكن تلقوا اعتراض من بعض رجال قرية (شيخدر) خوفاً من عواقب وتبعات ذلك، لكن السيد (أ) قال لجميع أهل قريته: بما انه جاء من تركيا متحدياً جميع الايزيدية فإننا سنسمح لأخوتنا الباسية بقتله ولتكن عواقبها !!
تم قتل احمد شاهين خارج القرية .
عندما علم رجال عشيرته بمقتله، قالوا : لقد قلنا لأحمد انك اقترفت جرماً بارتكابك المجزرة ضد الايزيدية وسبيت نسائهم وانت ترعرعت على خيراتهم، وبما ان (مومنة) عادت الى أهلها برضاها، فلا يجوز أن تذهب الى دار أخيها في منطقة بعيدة … لذلك لم يخرج أحد من المنطقة معه، لكن كان عنيداً وتحدى جميع الايزيدية وكنا نعلم بأنه سيلقي مصرعه لا محال 1 .
سنة 1939-1940 بنوا الباسيين (قرية كلبدرى) شرق قرية (شيخدرى) ومكثوا فيها حتى سنة 1976م حينما بنوا مجمع (شاريا)
لقاء مع صديق باسي يوم 1-5-2016 في مدينة اولدنبورك ، وكذلك عن قوله في محاضرة له في البيت الايزيدي في اولدنبورك يوم 16-5-2016 بمناسبة مرور 100 عام على المجزرة مع السادة الافاضل (دكتور عسكر بويك رئيس مركز الدراسات في البيت الايزيدي، كريت باسي، شفان شيخ علو) المحاضرات بادارة الباحث في الشأن الايزيدي بير خدر سليمان .
تصحيح تاريخ هدم قرى منطقة قاءديا ومنها قرية كلابدرى وكانت في ربيع 1987 مع بقية قرى واصبحت مجمع شاريا وليس 1976
وشكرا لجهودك الأخ الباحث دوار ختاري. وكل من تعاون معه والخيريين ودمتم سالما