في الليلة الثانية بعد الألف، وعلى غير العادة طلب الملك شهريار من زوجته شهرزاد أن تحكي له قصّة جديدة لم ترويها قط. فقالت شهرزاد:
“طِب نفسا وقرّ عينا أيها الملك السعيد يا شيخ كلّ مريد، سأقصّ عليك حكاية (حطيط) الخسيس سارق البقرة المقدسة من (شنكال) المفلسة”. بدت السعادة على وجه الملك شهريار بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، فاعتدل وتنحنح وبحمد الله سبّح ثم أذن لها بالكلام فقالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي السديد والحكم الرشيد، عندما سرق (حطيط) البقرة المقدسة من (شنكال) المفلسة باعها في الأسواق الحرّة بأغلى الأثمان ثم رجع إلى البيت واجتمع بولديه (ججو) و (جلعوط) وقرروا جميعا أن لا يرجعوا للسرقة مرّة ثانية. وأكملت شهرزاد قائلة: أيها الملك الشديد الذي يطيعه كلّ عجوز ووليد قال (حطيط) لولديه بعد أن تابا على يديه: مرادي أن أفتح مركزا ثقافيا يعود علينا بالمال والشهرة، ونصبح من الأعيان، وإذا في الأسواق مشينا يشار إلينا بالبنان. فقال له أبنه البكر الشبيه بالنمر (ججو)، ولكن لا نفقه شيئا من الثقافة ونحن بعيدون جدا عن الفصاحة، سيضحك علينا القوم وسيتندرون في الصحافة، وهنا تدخل (جلعوط) المشهور بتعاطي السعوط وقال لأخيه: ما هذه السخافة؟ كيف لا نفهم في الثقافة! وهل أهل مركز (خانجغان) الثقافي أفضل منا، أم أصحاب مجلة (مامش) أشطر، ألا تعلم بأن الثقافة وسائر الفنون ليست بالشهادات وإنما بالشخابيط، وبعد أخذ ورّد وسحب وشدّ وتفكير عميق وصياح وزعيق، صاح الديك وطلع الصباح فكفّت شهرزاد عن الكلام المباح، وهنا خطر على بال (حطيط) فكرة جهنمية شرحها لأولاده قائلا: اليوم سنذبح الديك ونطهوه مع الفريك لتتسنى لشهرزاد أن تكمل حكايتنا غدا دون انقطاع حتى لو طلع الصباح. ولكنهم تذكروا إنهم قد تابوا فاقترح (ججو) أن يستدعي أولاد عمّه للقيام بهذه العملية القذرة بدلا عنهم ثم مكافئتهم بتعيينهم في المركز الثقافي على أن يدرج أسمائهم لاحقا ضمن محرري الجريدة الجديدة من باب الأقربون أولى بالمعروف.
وفي الليلة التالية بدت شهرزاد غير مبالية فقد طبعت قصصها ونشرت حكاياتها المروية في ألف ليلة وليلة وأصبحت مشهورة وذو سمعة مدوية ويصعب على الملك شهريار قتلها كالأخريات دون مشورة لاسيما وإنها الآن أم لأطفاله، وهنا خاف (حطيط) على مستقبله ومستقبل أولاده، فهدّد شهرزاد بكتابة اسمها بالمقلوب في جميع مطبوعات مركزه الثقافي التي توزع في الشمال والجنوب إذا لم تكمل حكايته. خافت شهرزاد على اسمها وسمعتها فدخلت الديوان وقبّلت الأرض بين يدي ملك الزمان واستأذنت لتكمل له القصّة، وعندها فقط انبسطت أسارير الملك ولم يعد يشعر بأية غصّة، فقالت: بلغني أيها الملك العظيم والذي لغضبه كظيم إن حطيط الصنديد سارق البقرة المقدسة من (شنكال) المفلسة قرر مع ولديه (ججو) و (جلعوط) ضم كلا من (عطو) و (قطو) أولاد (شعطو) أخو (حطيط) غير الشقيق إلى الفريق؛ ليكونوا عونا لهم على رسم خارطة الطريق. طريق المجد والخلود والشهرة والنقود، وبهذه المناسبة السعيدة واللحظات الفريدة قرروا أن يمرحوا ويسهروا ويأكلوا ويشربوا الخمر حتى مطلع الفجر، وفي الصباح ذهبت السكرة وأتت الفكرة، فقال (حطيط) المقيت سأطلب مقابلة السلطان وأحكي له عن مغامراتي في جزر وبلاد الجان وعندها سيجزل لي العطاء وسأصبح أثرى الأثرياء، وعندما مّثل (حطيط) بين أيدي السلطان العبيط سجد وأبدى الشكر والامتنان ورجا أن يسمع كلّ من في الديوان من أمراء ووزراء وأعوان قصّته التي تفطر القلوب في كيفية سرقة البقرة الحلوب والتي تسمى بالبقرة المقدسة من (شنكال) المفلسة. وبعد أن أنهى حطيط البخيت حكايته ضحك لها السلطان وأمر الجواري والغلمان بتقديم كلّ ما لذ وطاب من فاكهة الجبل والغاب وأمر وزير الثقافة أن يلبّي جميع طلباته ويحقق كلّ رغباته. ثم قالت شهرزاد لملك العباد هذا ما كان من أمر (حطيط) عندما كان في حضرة السلطان. ثم قالت في نفسها: أشعر بالتعب الآن ولا أدري متى يصيح الديك ويأتي الصباح لأسكت عن الكلام وأرتاح. وختمت شهرزاد الحكاية بقولها: رجع (حطيط) من ديوان السلطان وهو مسرور، وأعلن عن فتح مركز ثقافي خرافي وأعلن أيضا عن إصدار جريدة يومية ومجلة أسبوعية، وموقع الكتروني وهكذا يا مولاي عاش آل (حطيط) في سعادة وأعترف لهم الجميع بالريادة ونسوا سرقة البقرة وأيام الشحاذة. بعد كلّ هذا سمح الملك بانصراف الناس ورأت شهرزاد في عينيه التعب والنعاس فقالت: يا مولاي أخشى إن الديك قد لحق بالبقرة؛ ولهذا عن الصياح قد تأخر، فقال لها الملك: لا تقلقي إن كان قانعا برحلته الجديدة إلى الأمم المتحدة البعيدة، ورفع الملك رأسه وصاح قيقلي قيق بدلا عن الديك.
*******