.
لم يكن أي من المختطفين الذين قابلتهم الأمم المتحدة يعرفون هوية المسؤولين عن اختطافهم لكن معظمهم تكهن بتورط ميليشيات
واشنطون / الحرة:لقي مئات العراقيين مصرعهم وأصيب الآلاف بجروح خلال الاحتجاجات المطلبية التي اجتاحت البلاد في الخريف والشتاء الماضيين وشلت حركة المدن من بغداد حتى البصرة، والتي لا تزال مستمرة رغم تراجع وتيرتها في الآونة الأخيرة بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد.
وإلى جانب القتلى والجرحى، تعرض أكثر من 100 شخص للاختطاف وجرى تعذيب بعضهم، على يد جماعات مسلحة مناهضة للحراك الشعبي المطالب بإصلاحات ورحيل الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين والتي يتهمونها بالولاء لإيران.
ووثق مكتب حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، 123 حالة اختطاف واختفاء، مشيرا إلى أن 25 من الضحايا لا يزالون في عداد المفقودين بينما لم يجر اعتقال أو محاكمة أي من المتورطين في تلك الجرائم.
وأوردت المنظمة الدولية في تقرير نشرته السبت، محنة المختطفين بدءا من لحظة اختطافهم مرورا بالتحقيق إلى حالات التعذيب. ولا يتطرق التقرير إلى من اعتقلتهم واستجوبتهم قوات الأمن، ويركز فقط على من اختطفتهم جماعات مسلحة مجهولة.
وأكد التقرير وفاة 490 ناشط وإصابة 7783 منذ اندلاع التظاهرات في أوائل شهر أكتوبر 2019، مشيرا إلى أن غالبية المتظاهرين هم من الشباب العاطلين عن العمل كانوا يطالبون باحترام حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
ورغم أن عددا من قوات الأمن بين ضحايا المظاهرات، إلا أن الغالبية العظمى ممن أزهقت أرواحهم أو أصيبوا بجروح هم من المواطنين غير المسلحين.
وأشار التقرير إلى أن عمليات الاختطاف والاختفاء وقعت في خضم العديد من الحوادث التي تنطوي على انتهاكات وتجاوزات إضافية استهدفت الناشطين والمتظاهرين، بما في ذلك عمليات القتل المتعمد وإطلاق النار وهجمات باستخدام السكاكين والتهديد والترهيب، والاستخدام المفرط وغير القانوني للقوة في مواقع المظاهرات.
وأعربت البعثة الأممية عن قلقها إزاء عدد حوادث الاختطاف وقواسمها المشتركة، بما في ذلك الملف الخاص بالأشخاص المستهدفين والدوافع الواضحة وأسلوب تنفيذ العمليات، ومستوى التنظيم لدى الواقفين وراءها.
وأشارت إلى أنه في جميع الحوادث، كان الأشخاص المستهدفون لديهم مشاركات في التظاهرات أو قدموا الدعم للمتظاهرين ونشروا بيانات تنتقد السلطات أو المجاميع المسلحة على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم يكن أي من الذين قابلتهم البعثة الأممية على معرفة بهوية المسؤولين عن اختطافهم، على الرغم من أن معظمهم تكهن بتورط ميليشيات، مستبعدين مسؤولية قوات الأمن العراقية بشكل مباشر أو العصابات الإجرامية العادية.
وأوضحت أن “من بين الأشخاص الـ98 الموجودين فعليا، اختطف ما لا يقل عن 28 في ظروف تشير إلى أن الجناة قد يكونوا عناصر مسلحة يشار إليهم عادة باسم الميليشيات”.
وجاء في التقرير “أفاد جميع المختطفين بأنهم استجوبوا من قبل خاطفيهم، وكان يبدو أنه الدافع وراء عمليات الاختطاف. وقال بعض الذين لم يتم عصب أعينهم أثناء الاستجواب إن ملثمين قاموا باستجوابهم. لم يكن هناك اتساق بين ملابس المحققين، على سبيل المثال، ذكر بعض المختطفين أن بأنهم أشخاص يرتدون ملابس مدنية والبعض الآخر وصفهم بملابس عسكرية”.
وتابع التقرير أن “جميع المختطفين ذكروا أن نوع الأسئلة التي كانت تطرح عليهم أثناء الاستجواب تركزت على دورهم في التظاهرات ومزاعم الدعم من / إلى دول أجنبية، وخاصة الواليات المتحدة وانتمائهم (أو عدمه) للأحزاب السياسية”.
وبدا أن جميع المختطفين تم استهدافهم على وجه التحديد، حيث وصف معظمهم من كانوا يستجوبونهم بأنهم يعرفون كما هائلا من المعلومات التي تخض هوياتهم والأنشطة المرتبطة بالتظاهرات، وفق التقرير.
أما عن المعاملة السيئة، فوصف جميع المختطفين من الذكور للمنظمة “تعرضهم لأفعال مختلفة تصل إلى حد التعذيب و/ أو سوء المعاملة أثناء الاستجواب، بما في ذلك الضرب المبرح والصعق الكهربائي ورشهم بالماء البارد أو الاستحمام به وتعليقهم من ذراعيهم وساقيهم في السقف، وتهديدهم بقتلهم وقتل عوائلهم، وكذلك المعاملة المهينة مثل التبول عليهم وتصويرهم عراة”.
أما النساء المختطفات “فتعرضن للضرب والتهديد بالاغتصاب ولمس المناطق الخاصة”.
ولم يتكهن التقرير بمن قد يكون وراء عمليات الاختطاف، وأشار إلى “تورط جهات مسلحة ذات مستويات عالية من التنظيم والموارد والإمكانيات”.
وكان بعض الساسة العراقيين والمسؤولين الأمنيين قد أعربوا لكن ليس علنا، عن اعتقادهم بأن المليشيات التي هاجمت متظاهرين مرتبطة بإيران، بينما قال آخرون مقربون من الحكومة والقوات الأمنية إن عمليات الاختطاف تقف وراءها عصابات إجرامية أو أفراد لديهم ضغينة ضد شخص.
وخلص التقرير إلى أن “استمرار غياب المساءلة حول هذه الأفعال لا يزال يسهم في تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب فيما يخص التقارير بشأن بالانتهاكات والتجاوزات”.
ومنذ تولي الحكومة الجديدة مهامها، أعلن رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي تشكيل لجنة عليا لتقصي الحقائق أوكلت دور التحقيق في العنف الذي رافق الاحتجاجات الشعبية وتحميل الجهات المتورطة المسؤولية ودفع تعويضات لأسر القتلى والجرحى.
وأمر الكاظمي أيضا بالإفراج عن جميع المعتقلين بتهم ذات صلة بالاحتجاجات، باستثناء المتهمين بالتسبب في جروح أو وفيات.
وفي إشارة إلى أنه يتبع منهجا مختلفا عن سلفه عادل عبد المهدي، صرح الكاظمي الثلاثاء “لم ولن أصدر أي أمر بإطلاق النار على متظاهر سلمي وأي شخص يقوم بذلك سيجلب إلى العدالة”.
وقالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت “إن قيام الحكومة الجديدة بتشكيل لجنة عليا لتقصي الحقائق للتحقيق في الخسائر البشرية والأضرار ذات الصلة هي خطوة حاسمة نحو العدالة والمساءلة. وإن التزام الحكومة بتوفير العلاج الطبي للمتظاهرين المصابين وتعويض أسر الضحايا هو أمر مشجع”.
وقدم التقرير توصيات محددة للحكومة العراقية بينها بذل جهود فورية للامتثال لالتزاماتها وفقا للقانون الدولي، بما في ذلك:
• بذل كافة الجهود للعثور على المتظاهرين والناشطين الذين لا يزالون في عداد المفقودين.
• اتخاذ إجراءات فورية لحماية المتظاهرين والناشطين من الاختطاف.
• اتخاذ إجراءات فورية للتحقيق في جميع مزاعم حالات الاختطاف والاختفاء والتعذيب/ سوء المعاملة، ومحاكمة المسؤولين عنها.
• الإعلان عن هوية ما يسمى بالقوة المجهولة أو المجاميع المسلحة أو المليشيات المسؤولة عن حالات الاختطاف.