muradallo@yahoo.com
آه، يا أوتنابشتم ..
لا ترسلني إلى جنّة دلمون ..
ولا تجعلني أسهر سبع ليالي ..
أفتح لي باب الخيال ..
فالخيال هو الخلود ..
لا تدعني أحلم ..
لأنني إن حلمت ..
سأبدأ بشنكال!
ومن أحلامنا التي كنا نبوح بها لبعضنا ببراءة في أيام الجوع هي الموعد القادم لطواف السنجق، حيث تكون الفرصة مواتية لنملأ المعدة باللحم والرز والبرغل والثريد ولا طعم للوليمة إن لم يرافقها التدافع والتنافس مع أقراننا وبلع اللقمة دون مضغها ووضع الثانية بسرعة والعين على أخرى.
نتبع الوالد إلى ديوان مختارنا الطيب الخلوق الهادئ والمحب للخير والسلام المرحوم (حجي ميرزا خليل) ونقبّل السنجق ونتبرك به، والوالد يدعو بالخير لاثنتان وسبعون ملّة ثم لملته وعشيرته وعائلته، ونخرج لننتظر مع الآخرين في الحوش أو في الخارج حتى موعد تقديم الغداء.
طبعا الرجال يأكلون أولا ثم يخرجون بالصواني لنا نحن الأطفال، ولا تمضي المناسبة دون أن يقع أحدنا بوجهه في صينية الثريد بلكزة مقصودة ومفاجأة من الذي بجواره إن بالغ في انحناءه وعدم افساح المجال له ليأكل، فالمثل (القيراني) يقول:
“إنما تناول الطعام معركة”. ومن باب استعادة الذكريات الجميلة كنا نفعل هذا أيام الجامعة أيضا في التسعينيات وهو وقت مشابه لأيام القحط والجوع بل أسوأ بكثير. فلم نشتري طوال سنوات الجامعة كفايتنا من الأقلام والأوراق فما بالك بالطعام. وهذا شيء يدعو للتأمل حقا فالعراق أغنى بلد في العالم وأبناءه دوما جياع وعراة.
في الموروث الشعبي أن تأخر طفل في النطق على عائلته أن تجلب له لقمة من يد قوّال قبل أن يضعها في فمه، وما أن يتناولها الطفل سيتكلم كما القوال نفسه، وعادة يطلب ذلك من القوّال بأدب من قبل الكبار، فيتنازل القوّال عن لقمته داعيا من الله أن يطلق لسان الطفل، ولكن زميلنا (صبري رشكو) خطف أول لقمة من يد القوّال وهرب بها ليبلعها هو، وكانت هذه نكتتنا لذلك الموسم.
وكذلك إن رش على القوّال بضعة قطرات من ماءه الذي يشربه سيكون فألا حسنا وربمّا أمطرت الدنيا بعد ذلك وعمّ الخير ذلك العام وكثر الزاد، ولكن صديقنا (صبري رشكو) بعد أن لمح أحد القوّالين وهو متجه نحو جدول الماء الذي كان يجري وسط القرية ليغتسل سار ورائه وما أن قرفص القوّال ومدّ يده حتى دفعه زميلنا المشعوذ إلى الجدول فوقع القوّال في الماء وتبلل كليا وهو يصرخ ويتوعد الفاعل بالويل والثبور إن أمسك به.
من المثير أن ماء السكينية العذب النابع من قلب الجبل اشتهر في معظم محافظة نينوى، وربمّا في بعض المحافظات الأخرى كعلاج فعّال لأمراض الكلية، وبعد هدم السكينية وترحيلنا عنوّة في 1975 أصيب معظمنا بأمراض الكلية والمجاري البولية وصرنا نتباكى على أيام الماء القراح.
قوّال آتية من كالو KALO وهو الكاهن العازف ألحانا جنائزية عندما كان يموت أحدهم في بابل، ولا يزال يقوم بتلك المهمّة على أكمل وجه في (شنكال) و (ولات شيخ)، فلماذا إن قلنا نحن جزء جميل من حضارة بابل العظيمة يمتعض البعض ألا يكفيهم فرماناتهم على رؤوسنا وحرمانهم لنا من استقبال السناجق في قرانا منذ 2014.
“زقه ولى بير خدره هه جيي ئه ف توكه ل به ره حسابه كي زور ل سه ره”.
أيّ: “جاء في قول (بير خدر) من يرتدي هذا الطوق ـ الزيق ـ عليه حساب عسير”.
وخزن ذلك في ذاكرتنا الجمعية وفي العقل الباطن لكلّ واحد منا فلا ضير في أن نعلّق من أهدابنا الآن ففي عذابنا الدنيوي خلاصنا في الآخرة، وربمّا جاء (شرفدين) يوما من الغرب وأحلّ العدالة والسلامة رغما عن الجميع.
آن الأوان أن يعزف القوّالون للأحياء قبل الأموات ويحثوهم على الاتحاد والعمل ومساعدة بعضهم البعض كي لا يضطر أطفال المخيمات أن يحلموا بقدوم الأعياد ليملئوا بطونهم.
*******