مرَّ عام وعدة أسابيع على وفاة السيدة الفاضلة والمناضلة الديمقراطية والأممية الشجاعة فاطمة إبراهيم، وبوفاتها فقدت الحركة النسوية والديمقراطية السودانية والعربية والحركة النسوية العالمية واحدة من أكثر النساء دفاعاً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والسلام والعدالة الاجتماعية. وفي المجتمع السوداني المحافظ، الذي كان ولا يزال يعيش أوضاعاً مماثلة لأوضاع الدول العربية والدول النامية الأخرى من حيث التخلف الاقتصادي والاجتماعي والفقر وغياب الحريات الديمقراطية، وجدت فاطمة إبراهيم في العام 1952، وهي ابنة العشرين ربيعاً، طريقها إلى صفوف الحزب الشيوعي السوداني، الحزب الذي رفع منذ منتصف الأربعينيات من القرن العشرين رايات النضال ضد الاستعمار والهيمنة الأجنبية ومن أجل الاستقلال والسيادة الوطنية وفي سبيل التنمية والتقدم الاجتماعي والعيش الكريم والإنساني للشعب السوداني، ولاسيما كادحيه في المدينة والريف. وأصبحت فاطمة عضوة في لجنة الحزب المركزية، كما كانت من المشاركات في تشكيل الاتحاد النسائي السوداني في العام 1952، وانتخبت في العام 1956 رئيسة لهذا الاتحاد، وكانت في الوقت ذاته رئيسة تحرير جريدة “صوت المرأة” منذ العام 1955، لسان حال الاتحاد النسائي السوداني. وانتخبت فاطمة إبراهيم في العام 1965 نائبة في مجلس النواب السوداني، وهي أول امرأة سودانية وعربية تنتخب في مجلس نيابي في الدول العربية كافة.
في خضم النضال من أجل الحريات العامة والديمقراطية في السودان وضد الدكتاتورية الغاشمة تعرضت فاطمة إبراهيم للاعتقال عدة مرات، كما تعرض زوجها الشفيع أحمد الشيخ، العضو القيادي في الحزب الشيوعي السوداني والقائد النقابي السوداني والعالمي المعروف للاعتقال، ثم أقدمت الدكتاتورية النميرية في العام 1971 على ارتكاب جريمة إعدامه وإعدام مجموعة من خيرة أبناء السودان، ومنهم سكرتير عام الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب وجوزيف قرنق، والرائد هاشم العطا، والمقدم بابكر النور، والرائد فاروق حمدالله، وغيرهم، رغم الاحتجاجات العالمية الواسعة ضد هذه الجريمة الجبانة.
لعبت فاطمة إبراهيم دوراً مهماً في تعبئة نساء السودان في النضال من أجل حقوق المرأة وحريتها ومساواتها بالرجل. وخلال فترة نضالها على راس الاتحاد النسائي السوداني تحققت الكثير من المكاسب للمرأة السودانية، والتي حاولت النظم الدكتاتورية والإسلامية السياسية سلبها من جديد. إلا إن نضال المرأة السودانية، ورغم كل الصعوبات ما يزال يتصدى لتلك المحاولات الرجعية المناهضة للمرأة وحقوقها في المجتمع السوداني.
وبسبب دورها النضالي النسوي والوطني في السودان انتخبت في العام 1991 رئيسة لاتحاد النساء الديمقراطي العالمي لسنوات عدة، ولعبت دوراً مهماً في نضال المرأة على الصعيد العالمي وساهمت بتنشيط حركة التضامن بين نساء العالم عموما، ونساء الدول العربية والبلدان النامية خصوصاً، وتركت بصماتها الواضحة على هذه المنظمة بسبب روحها النضالية العالية، وشغفها بالعمل لصالح المرأة وعمق إنسانيتها وتواضعها الجم. ونتيجة لهذا الدور النضالي على الصعيد العالمي منحت في العام 1993 جائزة الأمم المتحدة لحقوق الانسان. كما مُنحت في العام 2006 الجائزة السنوية لمؤسسة أبن رشد للفكر الحر. وجاء في حيثيات قرار منحها الجائزة ما يلي: “ان الفائزة من أبرز الساسة في بلادها حيث كان اسمها رمزا لنضال المرأة السودانية ” ضد حكومات القمع العسكرية وواجهت منذ بداية نضالها صعوبات. مع تكوين الاتحاد النسائي السوداني في ظروف اجتماعية صعبة في العام 1952″ حيث لعب الاتحاد النسائي دورا في أن تظفر المرأة السودانية في العام 1964 بحق التصويت وحق الترشيح لدخول البرلمان. وفي العام 1965 صارت فاطمة ابراهيم أول نائبة في البرلمان.”. وتجلى اهتمامها المتعدد الجوانب فيما نشرته من كتب مهمة منها: حصادنا خلال عشرين عاما، -المرأة العربية والتغيير الاجتماعي، – حول قضايا الأحوال الشخصية، – قضايا المرأة العاملة السودانية، – آن أوان التغيير ولكن! و– أطفالنا والرعاية الصحية.
إنها المرأة الجليلة التي لم يتوقف نضالها الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي لحظة واحدة رغم وجودها القسري في المنفى، كما وقفت باستمرار إلى جانب نضال النساء العراقيات والحركة الديمقراطية العراقية، وهو ما أكده بيان الحزب الشيوعي العراقي في رسالة التعزية والمواساة التي وجهها إلى الحزب الشيوعي السوداني، جاء فيها:
“اننا نقدر عاليا الدور الذي نهضت به الفقيدة على الصعد كافة، داخل السودان وخارجه، ولا ننسى مساهمتها الفاعلة في حملات التضامن مع نساء وشعب بلادنا، ما جعل لها مكانة خاصة في وجدان الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين، اسوة بشهداء حزبكم الخالدين عبد الخالق محجوب والشفيع احمد زوج الفقيدة الكبيرة، وغيرهما “.
من هنا أقول ثانية بأننا كنا أمام امرأة مناضلة وطنية وقومية ديمقراطية سودانية وأممية في آن واحد، وكانت في حياتها النضالية قدوة لنضال المرأة وكل الديمقراطيات والديمقراطيين والتقدميين واليساريين، ولاسيما في الدول العربية والدول النامية. إنها ستبقى في ذاكرة المناضلات والمناضلين العرب وغير العرب، فلها الذكر الطيب دوماً. كاظم حبيب، برلين في 22/09/2018.
- ألقيت هذه الكلمة، وكلمات أخرى، في الاحتفاء التأبيني بذكرى مرور عام واحد على وفاة السيدة فاطمة إبراهيم أحمد، الذي أقامته أربع منظمات مجتمع مدني هي: الجمعية الأدبية السودانية في برلين، والجالية السودانية، برلين\برندبورغ ورابطة المرأة العراقية، ومنتدى بغداد للثقافة والفنون ومؤسسة أبن رشد للفكر الحر، وبتهيئة وإشراف الدكتور حامد فضل الله في مقر منتدى بغداد للثقافة والفنون في برلين بتاريخ 29/09/2018.