قبل عدة أيام قدم الدكتور حميد عبد الله حلقة من برنامجه “اليوتيوبي” المعروف “تلك الأيام” بعنوان: محاولة اغتيال إدريس البارزاني. لقد وضع تحت ألف الاغتيال همزة قطع! هكذا: إغتيال. لا أدري لماذا! نحن الكورد قد نخطأ في اللغة العربية، لا، بل حتماً نخطأ، لأنها ليست لغتنا، لغة المحتل العربي فرضت علينا فرضا، أما أنتم العروبيون…، لماذا هذا الخطأ الإملائي البسيط!!. من الأخطاء الشائعة التي لا تؤثر على النص، نرى أن غالبية الكتاب يكتبون الألف التي تحتاج إلى همزة القطع بدونها، ولا يعيبهم أحد عليها، لأنها صارت عادة لدى الكتاب. لكن وضع الهمزة تحت الألف التي لا تحتاج إليها هنا الخطأ… . أليس من أولويات الإنسان العروبي يحتم عليه أن يجيد لغة العرب كتابة وتحدث الكتابة بطريقة صحيحة وسليمة؟؟. حقيقة، إن شطح الدكتور يذكرني بعروبيي البعث في محكمة الجنايات، حين كان القاضي يوجه لهم سؤالاً، أو في سياق أحاديثهم في المحكمة، لم يعرفوا كيف و أين ينطقوا أداة النفي “لم” و “لن” ؟؟!!. على أية حال، هذا ليس موضوعنا مجرد تذكير، ذكرناه جرياً على العادة، فذكر إن نفعت الذكرى.
عزيزي المتابع،إن حزب البعث، أو الأصح شخص الديكتاتور صدام حسين ينطبق عليه المثل الشائع: يقتل القتيل ويمشي في جنازته. لقد قام بهذا العمل الإجرامي ضد الكثيرين من السياسيين المعارضين له من الكوردستانيين، أو العراقيين، أو حتى رفاقه الحزبيين في داخل حزب البعث، كحردان التكريتي، وأحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش، وكريم الشيخلي الخ الخ الخ.
وفيما لحق بالكوردستانيين من هذه الشرور البعثية، هو الشخص القيادي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني (إدريس البارزاني) لقد زار بغداد عام 1970 ليقدم التهنئة لقادة حزب البعث بمناسبة حلول عيد الفطر، لكنهم ردوا على تهنئته لهم برشق رصاص لموكبه محاولين اغتياله بدم بارد. يا ترى أي نوع من البشر هؤلاء الأوباش!!!. لكن، جهاز الأمن في الحزب الديمقراطي الكوردستاني “پاراستن= Prastn” كان قوياً ومتغلغلاً في دوائر الحكم في بغداد، وأخبر الحزب بما ينوي البعث القيام به ضد شخص إدريس البارزاني، فلذا قام الحزب بتغيير إدريس بشخص آخر وهو (حميد برواري) الذي أصيب في محاولة الاغتيال الفاشلة. – لقد التقى كاتب هذه السطوربـ (حميد برواري) قبل وفاته بعدة أعوام في مملكة السويد في مدينة نورشوبينك (Norrköping)، حقيقة كان إنساناً بسيطاً ووديعا- طبعاً القصة البعثية المفبركة كما حصل عليها الدكتور حميد عبد الله مقدم برنامج “تلك الأيام” تقول: إن الأدوات الجرمية التي ضبطت هي بندقية تابعة لإحدى العشائر الكوردية المعارضين للأحزاب الكوردية كالزيباريين والسورجية وغيرهم. نقول للدكتور حميد، لم توجد في ذلك التاريخ أحزاب كوردية؟ كان هناك حزب واحد هو الحزب الديمقراطي الكوردستاني. ولم تكن هناك معارضين كما تزعم، بل كانت هناك مرتزقة للنظام العراقي، والكورد كانوا ولا زالوا يطلقوا عليهم اسم الجحوش، وهو اسم جمع لولد الحمار جحش. بعد هذه المحاولة الفاشلة، قام صدام حسين بإرسال رسالة إلى قائد الثورة الكوردية (ملا مصطفى البارزاني) يبرر فيها جريمتهم، لقد عرضها الدكتور حميد عبد الله على الشاشة وقرأ مقتطفات منها، يقول صدام: الأخ العزيز أبا إدريس المحترم، تحية طيبة وأرجو أن تكون بخير، تشاء الظروف أن لا أكتب إليك إلا عن مشكلة ما والتي آمل أن تتكلل باستمرار جهودنا بما فيه خير شعبنا وتمتين إخوتنا. -عزيزي القارئ، ليس عملاً عجيباً في ثقافة الصحراء أو في قاموس حزب البعث أخ يقتل أخاه- ويستمر الدكتور حميد في قراءته للرسالة: أخي أبا إدريس، لقد تعرضت سيارة إدريس يوم الاثنين الساعة الواحدة تقريباً إلى اعتداء بالرصاص،وقد أصيب بالحادث حميد برواري ونجا الآخرون. – ونحن كمحمد مندلاوي نتساءل، هل هذا حادث!، أم عمل إجرامي يا صدام؟. ممكن الإنسان يقول عن تصادم دراجتين هوائيتين، أو أي شيء مشابه له أنه حادث، لكن هذه عملية إجرامية المخطط والمنفذ لها أناس مجرمون-. ويستمر: أيها الأخ، لم يكن المقصود بهذا الحادث إدريس، رغم أن الله دفع ما كان، أن المقصود بهذا الحادث أن يعود العراق لينزف دماً وأن تتخرب – مجرد سؤال،هل صحيحة عربياً كلمة تتخرب؟ أم تخرب؟- علاقتنا. – طبعاً المخلوق صدام حسين لم يدع العلاقة تخرب كما زعم، بل قواها، وشد أواصرها بعد مرور أشهر قليلة عليها، وذلك بعملية أخوية أخرى، إلا وهي محاولة اغتيال قائد الثورة (ملا مصطفى البارزاني)-. يقول الدكتور حميد: الرسالة طويلة. ويستمر الدكتور حميد في تحليله للرسالة: يقول له هذه القضية. – لاحظ عزيزي القارئ،صدام حسين سمى الجريمة حادث، والدكتور حميد يسميها قضية!!- على أية حال. يستمر الدكتور حميد في قراءته: ما مقصود بها إدريس، إنما جهات خارجية مغرضة تريد أن تنال من هذا التحالف الجديد، الذي نشأ بيننا، وأن تجهض مشروع الحكم الذاتي الذي تم الاتفاق عليه. – عزيزي المتابع، طبعاً في ظل هذا الاتفاق والتحالف كما يسميه صدام أقدمت سلطة حزب البعث بتهجير مئات الآلاف من الكورد الفيلية من مدن كوردستان والعراق إلى إيران بحجج وذرائع واهية. وقام البعث أيضاً في ظل أجواء بيان آذار بسياسة تعريب غالبية المدن الكوردية المتاخمة للمدن العراقية كبدرة، جصان، زرباطية، مندلي، خانقين، شهربان، وفي مقدمتهم كركوك. أضف لهذه العمليات العنصرية المقيتة، قام نظام البعث باغتيال أعداد كبيرة من أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني-. يقول الدكتور حميد: طبعاً في ضوء ذلك تشكلت محكمة الثورة برئاسة عبد الكريم النجار، وعضوية العقيد يونس معروف الدوري، والمقدم راغب فخري، وحكمت هذه المحكمة على كل من عبد القهار فارس الزيباري، ولطيف أحمد الزيباري، بسبع سنوات سجن، وحكمت على عاصف الزيباري بالحكم المؤبد، أما البقية حكمت عليهم أحكام غيابية لأنهم هربوا. – السؤال هنا، أليس من خلال الأحكام الخفيفة التي أصدرتها المحكمة تظهر أن العملية من تدبير البعث؟، وإلا كيف تصدر أحكاماً مخفف على المجرمين الذين حاولوا قتل قائداً كورديا؟؟!!-. ويضيف الدكتور حميد: بالمناسبة، عبد الكريم النجار هو شقيق إسماعيل النجار الذي أعدم في مؤامرة عام 1979 التي اتهم فيها المرحوم محمد عايش ومجموعته من أعضاء القيادة. – إن الدكتور حميد استضاف في برنامجه “شهادات للتاريخ” عدد من الذين حكموا في مسرحية قاعة الخلد عام 1979 ونفوا جميعهم بشكل قطعي بأنهم تآمروا على صدام حسين، فكيف أنت يا حميد عبد الله تصف تلك المهزلة الصدامية بالمؤامرة!! ربما مؤامرة صدام حسين على أولئك الضحايا؟. ويقول الدكتور حميد: أما المقدم راغب فخري فقد أصبح مدير الدائرة القانونية برتبة لواء خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم اعتقل بتهمة التهجم على رئيس الجمهورية ومات بزنزانته وبقي يومين لا يعلم به أحد حتى أكلت الجرذان جوانب من وجهه، لقد انتهى بهذه القصة المأساوية.
يقول الدكتور حميد: لم ينتهي الموضوع هنا، اللواء محي محمد يقول في مذكراته: أنا كنت ضابط في شرطة السيارة وكنت خفر في شباط عام 1971 يقول: رَن التليفون فتبين مكتب الوزير – وزير الداخلية- سعدون غيدان فالمكتب سألني: من تكون حضرتك قلت له ملازم. سألني: لا توجد رتبة أكبر منك. قلت له: لا. بعد دقيقتان عاد وقال لي: سيد الوزير معك. فيقول محي: قال لي وزير الداخلية ابني محي مرحبا. قلت له: أهلاً سيدي. يقول: فاجئني، وزير داخلية يتكلم مع ملازم. قال لي: ابني عندكم أكراد مسجونين أطلقوا سراحهم الآن. يقول محي: لم أصدق بعد عشر دقائق طلبت مكتب الوزير. قال لي: تفضل من أنت. قلت له: أنا ملازم محي الذي اتصلتم بي قبل قليل. قال: ماذا تريد. قلت له: لازم أتكلم مع الوزير. يقول محي: لأني غير مقتنع وغير مصدق أن الوزير يتصل بي ويقول لي أطلق سراحهم، يبدوا خبر الوزير فحولني على الوزير. قال لي: تفضل. قلت له: سيدي لا أعلم أنا حالم لو سيادتك فعلاً اتصلت بي وطلبت مني أن أطلق سراح الأكراد. يقول محي: ضحك. وقال: لا ابني أنا اتصلت بك وقلت لك أطلق سراح الأكراد. فيقول محي: أنا بدوري اتصلت باللواء زكي الخطيب آمر شرطة السيارة قلت له: سيدي اتصل بي الوزير وطلب مني أن أفرج عن الأكراد الموجودين عندنا. يقول: أيضاً خلال دقيقة جاوبني: أفرج عنهم. ويقول الدكتور حميد: يريد يقول اللواء محي الدين محمد: إن قرارات المحكمة لم تنفذ! لا المؤبد، ولا الذين حكموا سبع سنين، ويضيف، هذا الكلام بـ 71 في شهر شباط والمحكمة في الشهر الرابع 70 يعني أشهر وأطلق سراحهم. ثم عرض الدكتور حميد شريط تسجيل فيديو للواء محي الدين محمد وهو يسرد القصة بشيء من التفصيل، لكننا نكتفي بما نقله الدكتور حميد، لأنه لا يختلف عن كلام اللواء محي. السؤال هنا،هل يحتاج هذا إلى تفسير وتحليل؟ أليس واضحاً كالشمس في رابعة النهار أن النظام العراقي هو الذي قام بالجريمة ضد الشخصية الكوردية إدريس البارزاني؟ وإلا كيف بوزير داخلية وعضو مجلس قيادة الثورة وأحد أقطاب نظام البعث يطلب من ملازم الخفر أطلاق سراح المجرمين دون العودة لأحد!!. طبعاً كعادة البعث في الكذب والتلفيق بعد مؤامرة مدير أمن العام ناظم جزار زعم، أن الذي نفذ العملية ضد إدريس البارزاني هو ناظم گزار وذلك بدون علم الدولة. طيب أين نضع اتصال وزير الداخلية سعدون غيدان وإصدار أمره المباشر من خلال الهاتف للملازم محي الدين محمد بإطلاق سراح المجرمين؟؟!!. والضابط محي كان مهنياً بكل معنى الكلمة لم يطلق سراحهم حتى اتصل مجدداً بالوزير ومن ثم بآمر الشرطة السيارة وبهذا الإجراء المهني الدقيق أثبت التهمة على نظام البعث 100%.
هذا هو نظام حزب البعث المجرم، ورئيسه الديكتاتور صدام حسين، كما قلت لكم في سياق المقال، يقتل القتيل ويمشي في جنازته. حقاً أنه نظام مجرم، لم يعرف غير الغدر والخيانة ونقض العهد، وصاحب الوحشية المبتكرة، لقد نفذ بدم بارد الاغتيالات الفردية والتصفيات الجماعية، كالقتل بكواتم الصوت، وإذابة الإنسان في أحواض حمض النيتريك (تيزاب) كما جاءت في الوثيقة التي شهرها القاضي (محمود الحسن) في محكمة الجنايات العراقية بوجه قادة حزب البعث المجرم. وهكذا قطعوا رقاب الأبرياء، وألسن الضحايا بالمسننات. حقيقة أن تاريخ هذا الحزب المسمى البعث مشحون بالجرائم البشعة التي تقشعر لها الأبدان. عزيزي القارئ الكريم، لا يسعنا هنا إلا أن نركع على ركبتينا احتراماً وإجلالاً لكل ضحايا العنف الدموي الشمولي الذي ارتكبه نظام حزب البعث المجرم، وفي مقدمة هذه الضحايا البريئة بنات وأبناء الشعب الكوردي الجريح، الذي كانت له حصة الأسد من هذه الجرائم البشعة التي قام بها العروبيون في جنوب كوردستان، التي شملت الأخضر واليابس، الحرث والنسل، الشيخ المقعد، والطفل الرضيع في المهد، بل لم تسلم من غازاتهم السامة في كوردستان حتى آبار المياه، والحيوانات والطيور، وكل شيء كان يتحرك على الأرض أو طائر في السماء.
03 06 2020