منذ سنين تعود لايام الصبا والمراهقة ونحن نتفحص ارواحنا وقيمنا ومجتمعاتنا بالقراءة والمتابعة والانبهار المخيف بالحضارة الغربية وماوصلوا اليه من رقي وتمدن يشعرنا احيانا بالاضمحلال والتدني امام هذا العملاق الاشقر رغم مايقدمه لنا عبر اطماعه وحروبه اللصوصية من سموم وقنابل واختراعات لاتعود علينا الا بالموت والخراب والمرض,يسرقون نفطنا وباسعار هم يحددونها ونحن نضحك ويبيعون علينا منتجاتهم باسعار باهظة ونحن كالاطفال البلهاء نفرح.
ونحن بدورنا كافراد كنا نعقد مقارنات ومقاربات بحمى ووتيرة متسارعة في محاولة لان نعزي ارواحنا المعذبة التي خلقت في الجانب الشرقي من المعمورة , ونسرح بخيالاتنا بعيدا لنصل حد الكفر والالحاد الذي اوصل غيرنا الى العلياء ونحن بقينا في الدرك الاسفل من الجحيم ونتمرد احيانا لنعاتب الخالق على هذه القسمة الضيزى حسب فهمنا.
وتحولت هذه المعارك الفكرية في نفوسنا الى حلم يطاردنا منذ الطفولة للهروب الى ذلك النعيم وتلك الحياة الباذخة الكريمة, بعد ان ادركنا بان خيراتنا ليس من حقنا ونفطنا ليس حكرا علينا وفكرة التحكم به اشبه بالمستحيل, فكل مافي ايدينا صنع في الخارج حتى قادتنا وسياستنا ودساتيرنا وحرياتنا وليبراليتنا وشيوعيتنا وقوميتنا وتفكيرنا ايضا.
وكلما فكر شعب من الشعوب ان يقرر مصيره واسعار نفطه وسياسته بنفسه, حتى اندلعت الحروب بمحض الصدفة ولاسباب موضوعية جدا واحترق النفط وادلهمت السماء بالقذائف واهتزت الارض تحت اقدامنا, وتغير وجه البلاد وقادته وساسته وسياسته, ونحن وسط هذا الخراب نتقافز لنركل بعضنا بعضا كالقرود.
كل المواثيق والمعاهدات التي عقدها الكبار بعد حروبهم الوحشية, كانت تبني للحضارة الجديدة للانسان وحريته وكرامته وامنه وحياته, ولانهم اغفلوا ان يكتبوا لونه وعرقه وديانته, اكتشف الناس الحقيقة التي لم تكتب على الورق, ولم يعد هناك انصارا للروح الانسانية التي يدعونها في كتبهم وتراثهم, ولاننا نجهل مايسمعه الاخر في بيته وفي وثائقه السرية, اصابتنا الدهشة من تصرفات اصحاب الحضارة الذين يضمرون في نفوسهم الرجل البدائي الذي نسي ان يحمل معه فأسه ومديته عندما غادر بيته صباحا, وربما صفف شعره وارتدى البدلة الانيقة لاغراض التصوير والتوثيق ليس الا.
الان اتضح كل شي ولم يعد الامر سراً او عيبا, فالوجوه القبيحة نزعت القناع المنمق وصارت تتصرف باريحيه واضحة وتشتم الاخر على الهواء مباشرة, لذا لم يعد من المناسب ان ينعتنا احد بالهمجية والتخلف, فالتطور الذي حظي به الرجل الغربي كان على مستوى التكنلوجيا والبحوث, اما روحه فمازالت هناك لم تغادر الكهوف والعداء ضد الاخر الغريب المختلف.