بعد أيام من نيل الكاظمي الثقة وجّه رسائل طمأنة إلى المحتجين
.
مرّ حوالى شهرٍ على نيل حكومة ما بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) ثقة البرلمان العراقي. ومن المفترض أنها أتت لمعالجة عدد كبير من الأزمات خلّفتها الحكومات السابقة، وتحديداً المشكلات السياسية والأمنية التي حدثت في فترة حكومة عادل عبد المهدي.
وكان المحتجون قد أمهلوا حكومة مصطفى الكاظمي شهراً للشروع بتنفيذ وعودها، إلا أن سياسيين ومراقبين يرون أن الأزمات والمشكلات التي تحيط بالمشهدين السياسي والاقتصادي في البلاد لا يمكن حلّها خلال هذه المدة القصيرة.
وبعد أيام من نيل الكاظمي الثقة، وجّه رسائل طمأنة إلى المحتجين من خلال قرار إخلاء سبيل معتقلي الحركة الاحتجاجية، بينما أعلن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الأحداث التي رافقت الاحتجاجات الشعبية وتعهدات أخرى لحسم ملف المغيبين والمختطفين، فضلاً عن قرار بتشكيل “لجنة خبراء”، لتذليل العقبات أمام إجراء انتخابات مبكّرة ونزيهة.
وأمام حكومة الكاظمي جملة تحديات، أبرزها ملف قتل المحتجين، والسلاح المتفلت خارج إطار الدولة، والنفوذ الإيراني المتنامي، والعلاقة بين بغداد وواشنطن، فضلاً عن أزمة الاقتصاد الخانقة، وإدارة القطاع الصحي في مواجهة تفشي فيروس كورونا.
أمّا في شأن الفصائل المسلحة فتعهد أن يحظى ملف حصر السلاح بيد الدولة بالأولوية في حكومته، وإضافة إلى تلك الملفات، كان رئيس الوزراء قد أصدر قرارات عدة لإصلاح الأداء الاقتصادي للبلاد، آخرها خفض مرتبات الرئاسات والدرجات الخاصة والوظائف العليا، وإيقاف مزدوجي الرواتب والوهميين، وترشيد الإنفاق الحكومي. وبانتظار الحكومة تحدٍّ آخر يتعلق بكيفية إدارة الحوار الاستراتيجي مع واشنطن منتصف الشهر الحالي.
ثلاثة أشهر أمام الكاظمي
ولعل الضغوط السياسية الكبيرة التي تُمارس على حكومة بلا غطاء برلماني داعم، تجعل مهمتها عسيرة في حلحلة الإشكالات العالقة، إذ إن عدم استطاعته إمرار وزراء اختارهم بنفسه يعدُّ دلالة على عدم قدرته على التحرّك بحرية من دون كتلة برلمانية قوية، تتيح له تجاوز التحديات المقبلة، فضلاً عن حاجته إلى ثقل برلماني يوفّر له إمكانية إمرار مشروعات القوانين، ما قد يعطي مساحة للقوى السياسية ذات الأذرع المسلحة، للوقوف بالضد من تحركاته في هذا الإطار.
وفي السياق، قال رئيس “حزب الحوار والتغيير”، حامد المطلك، في حديث إلى “اندبندنت عربية”، “إذا أردنا أن نكون منصفين فلا يمكن الحكم على نيات وإجراءات الكاظمي خلال هذه الفترة القصيرة. الحكومة بحاجة إلى ثلاثة أشهر على الأقل للحكم عليها”، مبيناً أن “التحديات كبيرة جدّاً بالنظر إلى أجندات الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية، فضلاً عن تأثير القوى الدولية والإقليمية”. وأضاف، “نترقّب أن تكون هناك إجراءات حاسمة، وإرادة العراقيين بالتغيير وإنهاء ملف السلاح خارج سلطة الدولة ستعطي زخماً لحكومة الكاظمي، إذا ما كان جاداً في حسم هذا الملف”.
سمة دخول لقائد “فيلق القدس” الإيراني
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، نقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر مسؤول، الأربعاء الثالث من يونيو (حزيران)، أنّ الوفد الإيراني الذي وصل إلى بغداد ضمّ قائد “فيلق القدس” الإيراني إسماعيل قآني، مبيناً أن قآني دخل بصورة رسمية، وحصل على تأشيرة من وزارة الخارجية، بخلاف المرّات السابقة حين كانت شخصيات إيرانية، لا سيما قيادات “الحرس الثوري” تأتي بزيارات غير معلنة.
وكان وفد إيراني برئاسة وزير الطاقة رضا إركادنيان قد وصل إلى بغداد، الأربعاء، والتقى مسؤولين عدة، في مقدمهم الرئيس برهم صالح، لبحث “التنسيق المشترك وتوسيع آفاق التعاون بين البلدين، لا سيما في قطاعي الكهرباء والمياه”، وقال المصدر، “الإجراءات الجديدة جاءت بعد إصرار رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على أن يكون دخول جميع الشخصيات السياسية والعسكرية ومن جميع الدول بشكل وفود رسمية حصراً”.
واعتبر رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، التشديد على حصول الوفود السياسية والعسكرية سمات دخول، “جزءاً من رسائل عودة السيادة إلى العراق وهيبة الدولة”. وأضاف، لـ”اندبندنت عربية”، “لا شروع بتغييرات حقيقية من دون اكتمال التشكيلة الحكومية، واستكمالها يتيح للكاظمي التحرّك في اتجاه القيام بتغييرات جادة”، مبيناً أن “حسم ملف التشكيلة الحكومية سيقلل من الضغوط الواقعة على الحكومة، ويعطي قوة دفع لقراراتها”.
مصير “الحشد الشعبي”
وفي إطار حراك حكومة الكاظمي للحدّ من نفوذ الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة، يبدو أن قرارات وتفاهمات عدّة اُتخذت في الفترة الماضية، وتحدّثت مصادر مقرّبة في وقت سابق، عن أن الكاظمي يحاول إعادة الألوية المقربة من المرجعية إلى الهيئة، في محاولة للحدّ من نفوذ الفصائل الولائية (تعبير يستخدم لوصف الفصائل التي تدين بالولاء للمرشد الإيراني علي خامنئي) على القرارات داخلها.
ويبدو أن رئيس الحكومة لا يتبنّى خيار حل هيئة الحشد، وتوزيع فصائلها على الأجهزة الأمنية، لكنه يسعى للتوفيق بين المجموعات المختلفة داخلها.
وعلى الرغم مما يُجرى الحديث عنه في أوساط سياسية عن أن حكومة الكاظمي لم تبدأ المواجهة الحقيقية مع الفصائل، فإن مراقبين يرجّحون “عدم دخول الكاظمي في أي مواجهة مع تلك القوى، وسيكتفي باتفاقات حول التزام هيئة الحشد جملة قرارات ديوانية”.
فك الارتباط السياسي للفصائل المسلحة
في السياق ذاته، أصدرت هيئة الحشد الشعبي، الأربعاء، سلسلة قرارات استناداً إلى أوامر ديوانية سابقة صدرت في عهد رئيسي الوزراء السابقين حيدر العبادي وعادل عبد المهدي. ولعل هذا التجاوب مع أوامر ديوانية سابقة مضى على آخرها حوالى عام، جاءت على إثر تشدد الكاظمي في مسألة حصر السلاح بيد الدولة، ومحاولة من الفصائل المسلحة عدم الدخول في صدام مع رئيس الحكومة.
وحسب الوثائق، فإنه تقرر التزام فك أي ارتباط سياسي وغير سياسي لتشكيلات الهيئة، وعدم السماح بالعمل السياسي داخل الهيئة، والتخلي عن جميع المسميات التي عملت بها فصائل الحشد الشعبي سابقاً في معاركها ضد تنظيم “داعش”، وتضمنت القرارات تأكيد غلق جميع مقرات الألوية والأفواج داخل المدن.
رهان على الوقت
إلى ذلك، رأى الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي، أن “الكاظمي ما زال يدور في فلك الرهان على الوقت، إذ إن مرور شهر في عمر حكومة انتقالية ليس هيناً”.
وأوضح، لـ”اندبندنت عربية”، “تحضيرات عملية التفاوض مع أميركا غير مطمئنة، والفريق التفاوضي الذي اُختير، حسب التسريبات، يمثل إعادة إنتاج لبعض أعضاء الفريق المفاوض في زمن المالكي. وهذا يعني أن العناصر التي كانت تدير شكل العلاقة في فترة التوافق بين واشنطن وطهران ما زالت الحكومة تعوّل عليها في إدارة الحوار المرتقب، على الرغم من اختلاف توجّهات الولايات المتحدة في فترة الرئيس ترمب”.
وبيّن أن “الإصرار على إعادة إنتاج النموذج نفسه يعني أنه بلا مشروع وخاضع للضغوط السياسية السابقة”.
مباركة من الحرس الثوري
وعن دخول قائد فيلق القدس الإيراني بتأشيرة، لفت الشريفي إلى أن “التأشيرة التي حصل عليها قآني تعني منح مباركة من الحرس الثوري لحكومة الكاظمي، كي ينتفع منها لإدارة التفاوض مع واشنطن”، مبيناً أن “ثمن هذه التأشيرة كان الاتفاق على توقيع العراق عقد الطاقة الذي يمتد عامين مع طهران”.
وختم، “حكومة الكاظمي ستتبنى خيارات جديدة، الغاية منها ترميم العلاقة بين واشنطن وطهران، وصنّاع القرار السياسي في العراق يعتقدون أن مصلحة العراق تتحقق بالتوافق الإيراني الأميركي بصرف النظر عن المنجزات على الأرض، ويعتقدون أيضاً أن نجاح الحكومة متعلق بهذا الدور”، مبيناً أن “تلقائياً إذا تحسّنت العلاقة فهذا يعني بقاءهم في السلطة”.
انحسار الوعود
إزاء ذلك، لا يرى الكاتب والصحافي علي رياض، بعد مضي شهر على حكومة الكاظمي، سوى “عملية طرح وعود بلغة مغايرة عن سابقيه، فيها من الدقة ما يدعو إلى تصديقها، ثم مقال يقول فيه ما معناه (أنا آسف، لا شيء بيدي لأفعله)، فانحسرت الوعود إلى وعد يتيم هو التحضير لانتخابات مبكّرة بإشراف أممي، ولم نسمع خبراً عن لجنة تقصي الحقائق في شأن قتل المتظاهرين”. وأضاف، لـ”اندبندنت عربية”، “في هذا الشهر، قمعت قوات الأمن المتظاهرين في بابل، وجرى اغتيال ناشطين، واعتقال العشرات من الناشطين في الناصرية، وبهذا تصبح الصورة واضحة عن نيات الحكومة”.
أمّا بخصوص النفوذ الإيراني، فأشار رياض إلى أن “ما أنجزه الكاظمي في هذا السياق هو إزالة لوحة دعائية لقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وتدخّل الجيش في البصرة ضد إحدى الفصائل التي أطلقت النار على المحتجين ليلتها، ثم بعد ذلك لم يحدث شيء، بقيت الجهات التي تقود كل شيء بالسلاح في أماكنها الطبيعية، ولا أظن أن شيئاً غير ذلك سيحدث”، مبيناً أن “الكاظمي كما يبدو ماضٍ بإنتاج التسوية على مستوى الطبقة السياسية، ولا يوجد استهداف حقيقي يتعلق بالقوى المقرّبة من إيران”.