على حين غرّة، وصل الوفد الإيراني إلى العاصمة بغداد، الخميس، حاملاً جملة ملفات «ساخنة» تتعلق بتطورات الساحة العراقية السياسية والاقتصادية، خاصة وأن قائد فيلق القدس إسماعيل قآاني كان ضمن الحاضرين، فيما تحدثت مصادر مطلعة عن 3 محاور تمثل الهدف الأساس من الزيارة الإيرانية إلى بغداد.
وجات تلك الزيارة، بعد أقل من أسبوعين على زيارة وزير المالية العراقي إلى السعودية، والاتفاق مع المسؤولين السعوديين على التعاون في قضايا عدة من بينها النفط والكهرباء، فضلاً عن قرب موعد بدء الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، وهو ما تسعى طهران إلى إثبات تأثيرها في سير المفاوضات، وتعزيز مكاسبها.
وأجرى الوفد الإيراني سلسلة مباحثات في بغداد مع كل من رئيسي الجمهورية والحكومة برهم صالح ومصطفى الكاظمي، فضلاً عن وزير الكهرباء، ووزير المالية.
لا للطاقة السعودية
ويرى معنيون بالشأن العراقي، أن إيران لا تريد أن تفرط بمستورد للكهرباء مثل العراق، بعد الحديث عن احتمال استيراد العراق جزءاً من طاقته الكهربائية من السعودية، حيث مثلت بغداد مستورداً كبيراً على مدار السنوات الماضية للطاقة الكهربائية من إيران، فضلاً عن الوقود الإيراني.
وأجرى وزير الطاقة الإيراني رضا أرداكنيان، جولة شملت رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، أن «الكاظمي استقبل وزير الطاقة الإيراني، والوفد المرافق له، وجرى خلال اللقاء بحث آخر المستجدات وفرص التعاون في مجال الطاقة، وبالأخص الكهرباء وتنمية العلاقات والتعاون الثنائي بين العراق وإيران».
وقال الكاظمي، بحسب البيان، إن «العالم بأسره يواجه ظروفاً صعبة بسبب جائحة كورونا وتداعياتها على المشهد الاقتصادي»، مؤكداً على ضرورة «بذل أقصى الجهود للتصدي للمشاكل المعقّدة التي تمرّ بها دول المنطقة». وأعلن وزير الطاقة الإيراني، رضا أردكانيان، أن بلاده حصلت على نصف مستحقات الكهرباء المصدرة إلى العراق، بما يعادل 400 مليون دولار.
كما أعلن أردكانيان، التوقيع على اتفاقية جديدة لتصدير الكهرباء إلى العراق، لمدة عامين، فضلاً عن الحصول على 400 مليون دولار مستحقات توريد الطاقة، وهو ما أثار ردود فعل عراقية داخلية رافضة لذلك، لما يمر به البلد من أزمة مالية خانقة.
وأشار الوزير الإيراني، خلال تصريحات صحفية، إلى أن «جميع الاتفاقيات التي وقعت سابقا مع الجانب العراقي لتصدير الكهرباء، لا تتجاوز عاما واحدا، ولكن في هذه الزيارة تم التوقيع على اتفاقية مع وزارة الكهرباء العراقية لمدة عامين 2020 و2021».
ويمكن أن تقدم إيران أسعارا تنافسية لمنع أي صفقة يوقعها العراق مع السعودية لتزويده بالكهرباء، ولكن مشكلة إيران، وفق مصادر سياسية عراقية، لا تكمن فقط في القيمة المادية التي ينطوي عليها استمرارها في تزويد العراق بالكهرباء بل تتعداها إلى تشابكات نفوذها الأمني والسياسي.
وتشير تقارير إعلامية، إلى أن حكومة الكاظمي تفكر جديا في تفعيل الربط الكهربائي مع السعودية، ما قد يغني العراق عن إنفاق مليارات الدولارات سنويا لشراء الكهرباء والغاز اللازم لتوليدها من إيران، حيث تمثل مبيعات الكهرباء والغاز الإيرانية إلى العراق شرياناً حيوياً للاقتصاد الإيراني الذي أرهقته العقوبات الأميركية، على خلفية البرنامج النووي.
حاضرون في الحوار الاستراتيجي مع واشنطن!
بدوره، ذكر مصدر مطلع على طبيعة الزيارة، أن «مرافقة قآاني للوفد الإيراني الزائر، كان من أجل مناقشة مسائل الحوار الاستراتيجي، الذي من المقرر أن ينطلق منتصف الشهر المقبل، بين الولايات المتحدة وبغداد، والخطوط الحمراء التي تؤشرها طهران، وضرورة التزام المفاوض العراقي بها، ومحاولة التأثير على سير المفاوضات».
وأضاف المصدر، الذي طلب حجب هويته، لـ (باسنيوز)، أن «قآاني اجتمع مع عدد من قادة للفصائل المسلحة، وبحث معهم مطالب طهران في هذا الحوار، وتحدث عن ضرورة إخراج القوات الأميركية والمضي في هذا المسار، وآلية التعاون مع الولايات المتحدة في حال تم الاتفاق على إبقاء مستشارين ومدربين، فضلاً مسائل أخرى تتعلق بأمن إيران، وضرورة تضمين الاتفاق نوع السلاح الأميركي المسموح له بدخول العراق، وإبعاد الطائرات المسيرة وغير ذلك، لما لها من خطورة على طهران، كما حصل مع مقتل سليماني والمهندس».
وتعد هذه الزيارة الثانية للمسؤول الإيراني إلى بغداد، منذ توليه مهام قائد ‹فيلق القدس›، خلفا لقاسم سليماني.
كما نقلت وسائل إعلام محلية، عن قيادي في تحالف ‹الفتح›، قوله، إن «هدف زيارة قآني هو توحيد مواقف القوى السياسية والمسلحة الموالية لطهران تجاه الحوار الاستراتيجي المرتقب بين بغداد وواشنطن، ومحاولة جعل بعض الشخصيات المقربة من هذه القوى، ضمن وفد العراق المفاوض، لغرض المتابعة الدقيقة لتفاصيل ومجريات الحوار، الذي سيستمر لعدة أيام».
ويرى مراقبون، أن غياب سليماني والمهندس، سيعقّد الحوارات داخل الكتل الشيعية بشأن طبيعة المفاوضات مع الجانب الأميركي، إذ أن الخلافات مستعرة بين الكتل حيال هذا الملف، بحسب قربها وبعدها من النفوذ الإيراني، خاصة وأن مسألة اختيار الكاظمي، والاتفاق عليه، صعّدت وتيرة تلك الخلافات وأدت إلى تشنج المواقف بينها.
بدوره، أعلن الخبير في الشأن العراقي هشام الهاشمي، الخميس، أن الفريق العراقي للتفاوض مع واشنطن سيضم 21 شخصية دون درجة وزير.
وقال الهاشمي في تدوينة عبر ‹تويتر›، إن «الفريق المفاوض العراقي مع الجانب الأميركي يوم 10 حزيران؛ دون درجة الوزير ويتكون من 21 مفاوضا في اختصاصات السياسة والعلاقات الدولية والعسكرية والمالية والتعليم».
وأضاف، أن الفريق سيضم «5 أسماء ماهرة بالتفاوض؛ عبد الكريم هاشم، حارث حسن، لقمان الفيلي، فريد ياسين، حامد خلف»، مبيناً أن «الحوار سيجري عبر دائرة متلفزة مغلقة».
وهذه الأسماء التي سردها الهاشمي، ليس لها صلات بالمحور الإيراني، وإنما اتسمت بالحيادية ورفض هيمنة إيران على القرار السياسي، عبر تصريحاتها ومواقفها، وهو ما أثار حفيظة المعسكر المقرب من طهران عبر الناشطين والمدوّنين، الذين اعتبروا أعضاء الوفد «أميركيين، وينحازون لمواقف الولايات المتحدة».
ما علاقة الحشد الشعبي؟
وربط مراقبون للشأن العراقي، تزامن زيارة الوفد الإيراني، بجملة توصيات أصدرتها هيئة الحشد الشعبي لضبط تشكيلاتها، وأبرز تلك التعليمات الجديدة، سحب الأفواج من المدن، وإخلاء المقرات.
والأربعاء، أصدرت هيئة الحشد الشعبي قراراً بغلق جميع مقرات الألوية والأفواج داخل المدن والأحياء السكنية.
كما قررت فك ارتباط منتسبي الحشد عن كافة الأطر السياسية والاجتماعية والحزبية، مع حظر العمل السياسي في صفوف عناصر هذه الميليشيات.
وبالرغم من توقف العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في «المناطق السنية» التي سيطر عليها، إلا أن فصائل الحشد الشعبي ما زالت تبسط سيطرتها على أغلب تلك المدن، خاصة في محافظات الأنبار وديالى ونينوى وصلاح الدين.
ويشكو سكان تلك المناطق على الدوام من ممارسات بعض فصائل الحشد، مثل الاحتكاك بالقوات الرسمية والشرطة المحلية، وعدم الانصياع إلى أوامرهم، أو الدخول في سجالات مع السكان المحليين، وتنفيذ بعض عمليات الاعتقال والحجز التعسفي، ما يثير غضب أهالي تلك المناطق الذين يطالبون عبر سياسييهم في مجلس النواب بين الحين والآخر بإحلال قوات محلية مكان الحشد الشعبي.
وتداولت وسائل إعلام أنباء عن رفض قآاني إخلاء مقرات الحشد في المحافظات التي ينتشر فيها، لما يعنيه ذلك من نفوذ إيراني في تلك المدن وفقدان هذا النفوذ، خاصة في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى.