يؤكد العديد من الباحثين والمؤرخين وعلماء اللغة، أمثال باسيل نيكتين، ومينورسكي، وويل ديورانت، وموريتزو غارتزوني (1734-1804) والمستشرقين، الروسي ألكسندر جابا، والبريطاني ميجر سون، وغيرهم، وبناءً على قرائن تاريخية ولغوية، إلى جانب بعض الكتابات الأركيولوجية، كالتي بقيت من أثار الشاعر الميدي المعروف بربوز قرابة عام 330 ق.م ومنها رباعية لا تختلف كثيرا لفظها وكلماتها عن الكردية الحالية، إلى جانب الكلمات الواردة في تاريخ هوميروس عن لغة الماديين، على أن اللغة الكوردية الحالية بلهجاتها تعود بأصولها إلى لغة الميديين، والفهلوية الساسانية وهذه الأخيرة لا تزال باقية كلهجة كوردية يتكلمها كورد منطقة إيلام، وهي لا تختلف عن الكتابات المحفورة على جبل بيستون حيث صور شابور الثاني أحد ملوك الساسانيين. فغياب الأدب الكوردي بلغة الأم تلك أو ما انبثق عنها، وعلى مدى قرون طويلة بعد انهيار الإمبراطوريتين وخاصة الأخيرة، والتي كانت لغة الإدارة والمراكز الثقافية وأغلبية المجتمع الحضاري حينها، وظهورها بطفرات متباعدة زمنيا وجغرافية، يعد من أحد أوجه الغرابة في تاريخ الشعوب؛ وأدبهم وثقافاتهم، كما وأن ضياع الكم الهائل من الذخيرة الأدبية والروحية والفلسفية، التي أنتجتها مراكزها العلمية والثقافية المنتشرة في معظم مدنها، من كندي شابور إلى نصيبين إلى أمد إلى أربيل ورها وتسيفون عاصمة الإمبراطورية وغيرها، ومن دور ولغة عبادات أديان شعوبها، تعتبر خسارة للإنسانية قبل أن تكون للشعب الكردي، الذي بالكاد أستيقظ من السبات بعد مرور قرابة عشرة قرون من الظلام الذي حل به وبثقافته الأدبية.
سقوط الساسانية كإمبراطورية وزوالها كحضارة، وحلول سلطات وبلغة تضاربت وثقافة شعبها، وروحانياته، أثرت بشكل كارثي على الوعي العام، وسببت في ظهور مرحلة خالية من الإبداع الأدبي والفكري والروحي. فرغم استمرارية حضور الشعوب المتكونة منها أسس الإمبراطورية، وعلى رأسهم الشعب الكوردي الذي كان منهم حكام ساسان، بديمغرافيته الواسعة على جغرافية مترامية والتي هي ذاتها جغرافية كردستان الحالية، والحفاظ على لغتهم كلغة التعامل اليومي، وإسهام علمائهم ومبدعيهم وروادهم الروحانيين في الثقافات المجاورة خاصة تلك التي حلت مكان الٍإمبراطورية الساسانية؛ بعد قرابة قرنين من الزمن من هيمنة سلطات لا تمت إليهم، لم تؤدي إلى بروز حضارة أخرى في نفس المنطقة، والأسباب متعددة، وعلى رأسها سيطرة سلطات لا تمت إلى الفكر الحضاري، المنتهجة منطق البداوة والعلاقات القبلية، إلى جانب التضارب بين الثقافة القادمة وروحانيتها وثقافة الشعوب الإيرانية وبينهم الشعب الكوردي الذي نحن بصدده، والتي على أثرها غاب المبدعون الكورد الذين يكتبون بلغتهم الأم على مدى قرون عدة من انهيار حضارتهم. والإبداعات المتناثرة فيما بعد كانت نتاج مخلفات الحضارة المتنقلة مع ذاكرة الأجيال.
قبل البحث في هذه الإشكاليات، لابد من تبيان: حقائق تاريخية، حرفت أو طمست مع الزمن، تتعلق بالشعب الكوردي والفارسي. ولا بد من تصحيح أخطاء، ظهرت على خلفية الضحالة المعرفية للمؤرخين المسلمين العرب الأوائل، غض الطرف عنها العديد من الباحثين والمؤرخين، ودرجت كمسلمات، لم ينتبه إليها إلا البعض منهم الجديرين بالإسناد، الذين ينقبون في المعلومات ويبحثون على خلفية معرفية؛ وإدراك لمجريات التاريخ، فميزوا بين العجم كشعوب والفرس كمكون من العجم، بين الشعوب الإيرانية والشعب البارسي كمكون منهم. وبين أصحاب الحضارات التي نهضت بعد سقوط الإمبراطورية الأخمينية (550 ق.م-334 ق.م) بيد الإسكندر المقدوني، الإمبراطورية التي كانت تتمة لركائز الإمبراطورية الميدية (612 ق.م-550 ق.م) وبسند من أحد قادة الميديين العسكريين الداعمين لكورش وأبنه قمبيز الذي خلفه، حسبما يقول المؤرخ (هيرودوتس 484 ق.م-425 ق.م) تاريخ هيرودوتس ترجمة عبد الإله الملاح الصفحة (93)، بالمناسبة المترجم يغير العديد من الأسماء والأماكن الجغرافية ويضعها حسب نطقها العربي الحالي، فعلى سبيل المثال لا توجد أية كتابة أو نقوش مكتوبة عليها أسم البارس إلا بعد صراع الأثينيين والأخمينيين وانتصار الإسكندر المقدوني على الإمبراطورية الأخمينية والاستيلاء على عاصمتهم برسبوليس .
الأخطاء التاريخية تلك، أدت إلى تشويه ليس فقط تاريخ الشعب الكردي، بل تاريخ معظم الشعوب الإيرانية والتي قامت على أكتافهم الحضارات اللاحقة السلوقية والأشكانية والساسانية، ولكن تم تمجيد المكون الفارسي على حساب تاريخ الشعوب الأخرى وفي مقدمتهم الشعب الكوردي، على خلفية ما تم نشره بعض المؤرخين المسلمين الذين دخلوا مع بدايات الغزو الإسلامي منطقة بارسا بسهولة، بعدما صعبت عليهم فتح المناطق الشمالية للإمبراطورية الساسانية، ونشر أسم بارسي بعد تحوير عربي له إلى الفارسي، وفيما بعد رسخت المملكة السامانية والغزنوية هذا التحوير كما أسلفنا، إلى درجة أصبح تاريخ كل الشعوب الإيرانية وآداب ومآثر وثقافات حضاراتهم وعلى مدى قرابة 1500 عام تاريخ ومآثر للفرس، وكأنه لم يكن في إيران شعب إلى الشعب الفارسي، وهذه دلالة من دلالات جهل المؤرخ الذي يحصر تاريخ المنطقة ومآثر شعوبها بين شعوب ثلاث الفرس والعرب والترك.
علما أن العنصر الفارسي، غاب حضوره عن الساحة السياسية والأدبية ما بين سقوط الحضارة الأخمينية إلى مرحلة ظهور المملكة السامانية (819م-999م) والدولة الغزنوية (963م-1186م) وبين الأخمينية وهاتين المملكتين الفارسيتين قرابة 1200 عام، وضمن جميع الإمبراطوريات التي برزت كان الشعب البارسي، القاطن في وسط جنوب إيران الحالية، وهو مكون من بين عدة شعوب أخرى كانوا تابعين لسلطات الحضارات الإيرانية المتتابعة، لكنهم لم يكونوا يوما جزء من السلطة فيها، بل في بعضها كانوا تابعين كحكام مقاطعتهم بارس، وأحيانا أخرى مهملين سياسيا وثقافيا، ومن أحد أهم الحقائق التاريخية، هو أن العنصر الفارسي لم يسود على أية سلطة سياسية خارج منطقتهم بارس، باستثناء فترة المملكة الغزنوية.
وكما هو معروف لجميع المؤرخين، أن لغة حكام السلوقيين اليونانيون الذين أقاموا إمبراطوريتهم على أنقاض الأخمينية، كانت يونانية وهي لغة السلطة والإدارة، أو ما سميت بالهلنستية في مراحل ما. أما الاشكانيون هم من القبائل الشمالية الشرقية الرعوية الإيرانية، ولغتهم كانت الفهلوية الشرقية الشمالية، إلى جانب اليونانية، لغة ملوك السلوقيين الذين ظل تأثيرهم حاضرا على مدى أكثر من قرن بعد انهيار إمبراطوريتهم، وتتبين هذه من الكتابات اليونانية على عملتهم ومنحوتاتهم المتبقية، وكل هؤلاء لا علاقة لهم لغويا أو عرقيا بالمكون البارسي-الفارسي. وفي عهد الساسانيون الذين كانوا كورداً، وبشهادة أخر ملوك الاشكانيين، أصبحت اللغة الفهلوية الساسانية، لغة الإدارة والثقافة والأدب، وتشهد عليها الحفريات المتبقية من أثارهم، ومن ضمنها الموجودة على جبل بيستون. وللمزيد من الاطلاع على كوردية الإمبراطورية الساسانية يمكن العودة إلى مقالات للباحث (محمد مندلاوي) (ادعاءات النساطرة “الآثوريون” بين وهم الانتساب إلى الأشوريين وخيال الانتماء إلى العراق، حلقة 3/9) و (نافذة على الآثار الساسانية: الحلقتين، في جبل بيستون، وجبل “Paraw” في شرقي كردستان) ومقالة الكاتب والباحث الكوردي مهدي كاكه يي (الساسانيون كانوا كرداً ولم يكونوا فُرساً- 1و2)…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
1/5/2020م
بقي شيئاً منه في نصوص الدين الئيزدي وقصصه الدينية والحمد لله , وقد كانت القصص التاريخية تغطي ليالي السمر عند الئيزديين , لو توفرت لنا الآن لأعطت صورة واضحة جداً للتاريخ الكوردي والمآسي الفظيعة التي مرّ بها , كلها فرمانات , هل انت من هواة سماع ال( ستران) لا تخلو واحدة منها من كلمة فرمان حتى الغرامية منها , مع الأسف الشديد فإن وسائل اللهو الحديثة قضت على مجالس السمر مكتبة التاريخ الكوردي الئيزدي , هل تصدقني القول أن في القصص الئيزدية كانت تغطية كاملة للأحداث التاريخية التي مر به , من القليل العالق في ذاكرتي بضع عبارات أدهشتني عندما وجدت فيها نص رسالة يزدكًرد الثالث الساساني إلى عمر بن خطاب يستنجد به من تصرفات جنده وفظائعهم مثل (( عمر بن خطابة كوشتن داي وبابة, نةخيَرة ونةجوابة/ يا عمر بن خطاب لقد قتلوا الآباء والامهات لا خبر منك ولا جواب , هكذا كتب المغفل يزدجرد وكأن عمر بن خطاب لا يعلم شيئاً مما يفعلون فلو وصله الخبر لأتى على جناح الطير لإيقاف مذابحهم ولم يعلمو أن عمر هو الذي إعترض على الرسول لأنه لم يذبح جميع أسرى بدر , ثم عبارة مكملة أخرى (( جيجكو جيجكي هيليني , بةرا تيهلينة خوني جوابي بكةهينة مديني/ يا عصفور العش إنقع جناحيك بالدم وأوصل الخبر للمدينة ,) كما ان هناك عبارات أخرى غير مفهومة مني , ثم الفظيع في قصص الكورد المسلمين ف مثل حمزة البلوان المشهور في القصص الكوردية والفارسيةلسبب مجهول عموماً وهو قتل هارون الرشيد , لكن عند المسلمين مبجل لأنه عم الرسول وكل تاريخهم القصصي هو عن الإسلام العربي ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, وشكراً
شكر عزيزي حاجي على التعليق وأسنادها بالكلمات الواردة في القصص الإيزيدية، والتي هي وثائق قيمة، ليت البعض يكتبها بالتفصيل. مودي
لا شكر على واجب , المؤسف أن ليالي السمر قد إنتهت بالتلفزيون وغيرها وسائل اللهو وهذه فقط كانت مصدر تاريخنا ولم يبق في ذاكرتنا إلا القليل حتى الئيزديون لم يبق منهم من يحفظها فمنذ السبعينات قد إنتهت تلك المجالس ا, حتى ان هناك من العبارات التي تشتم ديننا دون ان نعلم معانيها وأسبابها طبعاً كان من اجل دفع الشبهات عنهم تحت سيف الإسلام , إ، ما فعله داعش في سنجار ليس إلا ثقب المفتاح للنظر إلى التاريخ الدموي لستمئة عام متواصل من هذا النوع