.
يدخل “قانون قيصر” حيز التنفيذ الفعلي في 17 من الشهر الحالي، إذ ستبدأ الولايات المتحدة في هذا اليوم بالإعلان عن أول حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد النظام السوري وحلفائه والشركات والأفراد المرتبطين به، فيما ستتبعها على مراحل إجراءات عقابية أخرى يتضمّنها القانون.
تفعيل هذا القانون يُتوقع أن يؤدي إلى شلّ مفاصل اقتصاد النظام السوري باستهدافه البنية المالية له (مصرف سورية المركزي) والشبكات المرتبطة به في بادئ الأمر، بالإضافة إلى وضع قيود على حركة التبادل الاقتصادي بين النظام وحلفائه لجهة إمداده بالمواد والأموال وكل ما يساعده على استمرار حربه ضد السوريين التي بدأت منذ اندلاع الاحتجاجات، ربيع عام 2011. لكن كيف بدأت قصة “قيصر” أو “سيزر”، وكيف تحوّل هذا الاسم إلى قانون أميركي يهدد نظام بشار الأسد بعد حوالي تسعة أعوام من حرب الإبادة التي يخوضها ضد السوريين؟
“قيصر” أو “سيزر”، هو الاسم الحركي لعسكري ومصور في الطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية للنظام، ومقره العاصمة دمشق، كانت مهمته قبل الثورة تقتصر على تصوير الحوادث الجنائية المرتبطة بالجيش والمؤسسة العسكرية من جرائم قتل وغيرها، قبل أن تسند إليه مهمة الذهاب إلى المستشفيات العسكرية للنظام في العاصمة وتصوير جثث القتلى من المعتقلين لدى النظام، فتمكّن من توثيق هذه الصور وتخزينها، وجمع حوالي 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب، وذلك حتى منتصف 2013، وهو الموعد الذي قرر فيه “قيصر” الانشقاق عن المؤسسة العسكرية بالتعاون مع منظمات سورية ودولية، وبحوزته هذا الكم من الصور التي تشكّل أكبر دليل إدانة للنظام.
وفي ما بعد بدأ تسريب الصور التي شكّل ظهورها على مواقع التواصل والصحف الإلكترونية صدمة للعالم أجمع، بعد مشاهدة صور جثث المعتقلين التي باتت أشبه بالهياكل العظمية نتيجة لتعرض المعتقلين لأشد أنواع العنف والتجويع والتعذيب قبل مفارقتهم الحياة، إلا أن المأساة الأكبر كانت لأهالي الضحايا الذين أخذوا بالتعرف تدريجياً على أبنائهم وذويهم من خلال الصور، على الرغم من تغير ملامح العديد من المعتقلين بعد الوفاة والظروف التي مروا بها قبل ذلك.
وبدأت منظمات سورية ودولية ناشطة في أوروبا والولايات المتحدة، تحريك الملف بعد عام من انشقاق “قيصر”، فوصلت الصور إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي الذي أجرى تحليلاته مؤكداً صحتها، وفي الوقت ذاته قدّم “قيصر” شهادته أمام الكونغرس الأميركي، وتمت صياغة المسودة أو النسخة الأولى من “قانون قيصر”، وسط عدم تحرك الإدارة الأميركية في ذلك الوقت تحت قيادة الرئيس باراك أوباما لتطبيق القانون بذريعة تعطيل الجهود السياسية الرامية لإنهاء الصراع السوري.
وفي العام 2017 مُرر القانون في مجلس النواب الأميركي لأول مرة، لكن لم يمر عند عرضه على مجلس الشيوخ، وفي العام الذي تلاه حدث العكس، حين مرر الشيوخ القانون إلا أن النواب عارضوا القرار الذي أدرج ضمن حزمة، من بينها مشاريع قوانين تستهدف الشركات المقاطعة لإسرائيل. وفي العام ذاته (2018)، فشل المشروع أيضاً بالمرور في مجلس الشيوخ الذي عطّل أحد نوابه، وهو السيناتور راند بول، القرار، ما دفع اللوبي السوري داخل الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم “المجلس السوري الأميركي” ومنظمات سورية وأميركية مختلفة، الذين عملوا بجهد في المساعدة على صياغة القانون والذهاب به إلى الكونغرس، وباستشارة أعضاء في الكونغرس والشيوخ وقانونيين أميركيين، إلى إيجاد حل بربط القانون بموازنة وزارة الدفاع، وليس التصويت عليه بشكل إفرادي. والتصويت على الموازنة يحتاج لموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ وليس كلهم، وبالتالي بات إقرار الشيوخ للقانون شبه مؤكد، كون الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ متفقين على تمرير ميزانية وزارة الدفاع.
وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، مرر الكونغرس مشروع القانون ضمن ميزانية وزارة الدفاع، ومن ثم أقره مجلس الشيوخ في 17 من الشهر ذاته، إلى أن وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العشرين من الشهر نفسه، ليتحوّل الموقف السياسي الأميركي من النظام السوري إلى قانون يبدأ سريانه في وقت محدد من الشهر الحالي.
وتعرّض القانون الذي جاء تحت عنوان “قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019″، لعدد من التعديلات قبل التصويت عليه من قبل الكونغرس، كان آخرها في يونيو/ حزيران من العام الماضي، وينص على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية أو التقنية لمؤسسات الحكومة السورية، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن الحكومة السورية أو روسيا أو إيران أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسورية قبلاً، وكل من يقدّم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات التي تساعد على إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسورية من الغاز والنفط أو مشتقاته، ومن يقدّم الطائرات أو قطعها أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية في سورية. كما يفرض عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم. وحدد مجموعة من الأشخاص المقترح أن تشملهم العقوبات، بينهم رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه، وقادة القوات المسلحة البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولين في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولون عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية.
ويستثني القانون المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية. وعلى الرغم من اللهجة القاسية للمشروع، فإنه يترك الباب مفتوحاً للحل السياسي، فهو يسمح للرئيس الأميركي برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، بشرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني للأسد، كما يمكن للرئيس الأميركي رفع العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.