يبدو أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي سيبقى محل جدلٍ وإثارة بظهوره المتكرر على غرار نجوم السينما بما يفسح المجال أمامه ليكون أكثر تأثيرا في بلدٍ مثقل بالديون وبأزمات سياسية واقتصادية وأمنية وآخرها الأزمة الصحية مع تفشي جائحة فيروس كورونا.
ومن طبيعة المجتمع العراقي أنه يتعاطف بسرعة مع أي شخصية تبدو عليها ملامح الإثارة والجدل والظهور الإعلامي والميداني، وهذا ما عمل عليه الكاظمي منذ ظهوره في أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد تشكيل الحكومة وقيامه بعدة جولات ميدانية.
واستطاع الكاظمي أن يكسب تعاطف وود الشارع العراقي ويلفت الانتباه بظهوره المثير بلقطات وحركات وصفها البعض بأنها “هوليودية” أو سينمائية، وهذا ما جعله محل إثارة باستمرار.
لم تكن بداية نجومية الكاظمي وليدة اللحظة، فهي تعود إلى عام 2016 عندما عيّنه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي رئيسا لجهاز المخابرات الوطني، وهي خطوة كانت بمثابة صدمة للشارع العراقي الذي تفاجأ بتعيين كاتب صحفي وناشط حقوقي على رأس المخابرات، في وقت كانت فيه البلاد تخوض حربا على تنظيم الدولة الإسلامية.
عقلية براغماتية
استطاع الكاظمي خلال السنوات الأخيرة أن يحدد ملامح شخصيته العامة بسمات عديدة، مستفيدا من خلفيته الصحفية، بالإضافة إلى ذلك وجوده في هرم المخابرات، ليصنع له شخصية مثيرة ومحط أنظار بعقليته البراغماتية وعلاقاته الواسعة مع كل المؤثرين في الساحة السياسية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.
وتقول المختصة في العلوم النفسية سهام الشجيري إن الكاظمي يحاول أن يجسد احتياجات الناس وفق رؤيته الصحفية السابقة، فهو بين أن يكون صحفيا يقدمُ خطابا إعلاميا للمتلقي، وبين أن يكون رئيس وزراء تحكمه قواعد وأسس وسلوك المنصب، رغم أن الحالة الاجتماعية والتحديات التي واجهها العراق ومنها المظاهرات وانتشار كورونا والضغوط السياسية حسمت اختياره رئيسا للوزراء.
ويتحمّل الكاظمي بشخصيته الهادئة -بحسب الشجيري- وزر عمله الرسمي رئيسا للوزراء ومهنته صحفيا، ويسعى بذلك لتلبية احتياجات المنظومة السياسية بشخصيته سواء كانت سينمائية أو هوليودية، إلا أن الشخصية الهوليودية لا يمكن أن تقوم بهذه الأشياء لحاجتها لشخصية سياسية.
شخصية حازمة
وترى الشجيري أن المرحلة الحالية تتطلب وجود شخصية استعراضية يتأثر بها الشارع العراقي وسط الدماء الجارية والاحتجاجات المستمرة، وبالتالي فإن الشخصية الهوليودية المؤثرة في الشارع العراقي منذ السبعينيات لغاية التسعينيات من القرن المنصرم لم تكن هوليودية بقدر ما هي شخصية تتلاءم مع طبيعة ونوعية الشخصية العراقية واحتياجاتها بأن تكون قوية وقادرة على اتخاذ القرارات التي تقضي على المشكلات وملفات الفساد وقضايا التحدي والولاء لدول إقليمية وغيرها.
ولم يعد العراقي -حسب الشجيري- يفكر في شخصية هوليودية، بل هو يحتاج إلى شخصية تكون عراقية خالصة ومؤثرة في العالم، وتستطيع أن تحقق أحلام وطموحات المجتمع.
وترى الأكاديمية العراقية أن الطريقة الهوليودية لا تصنع بلدا ووطنا، وإنما مجموعة حاكمة بعيدا عن رؤية وإرادة الشعب الذي يريد التغيير في كل التفاصيل، مشيرة إلى أن طرح مصطلح الشخصية الهوليودية في هذا الوقت هو لتشويه الشخصية العراقية التي لا تريد سوى حقوقها الاجتماعية والمشروعة مثل البلدان الأخرى.
دعاية إعلانية
أما المحلل السياسي هادي جلو مرعي فيرى أن الكاظمي اضطر للظهور بشخصية أو طريقة سينمائية هوليودية في زياراته وأحاديثه لسبب مهم متعلق بمزاج الشعب العراقي الذي لا يمكن مجاراة احتقانه وغضبه بالحلول غير الآنية، مشددا على أن المواطنين الغاضبين غير مستعدين للانتظار لحين ظهور نتائج الإجراءات الاقتصادية والإصلاحات التي يتحدث عنها ويعد بها رئيس الوزراء العراقي.
وبحسب مرعي، يحاول المقربون من الكاظمي القفز على الواقع من خلال بعض المظاهر والحركات والزيارات لمؤسسات بعينها، أي أن مكتب الكاظمي يعتمد الدعاية الإعلانية لمنتج لم يطرح للبيع بعد، معتبرا أن هذا التفكير مشكلة في الواقع ببلدٍ لم يعد أحد فيه مستعدا للانتظار.
ويرى مرعي أن الكاظمي لا يمتلك الحلول المقنعة، ولا يجد متسعا في إطار صراع القوى الحاكمة التي ليس من مصلحتها تحقيق منجز في مواجهة معضلة الفساد، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هناك قبولا شعبيا محدودا لكنه سيتلاشى بمرور الوقت مع استمرار التحديات المادية وعدم توفر الحلول للمشاكل العالقة.
استعطاف الشعب
ولعبت الخلفية المخابراتية للكاظمي دورا جوهريا في ظهوره الهوليودي المستمر، بالإضافة إلى ذلك امتلاكه فريقا إعلاميا له باعٌ طويل في العمل الصحفي، فضلاً عن كونه يمتلك خلفية صحافية تمتد لسنوات طويلة.
ويحاول الكاظمي استعطاف الشعب العراقي بهذا الظهور في ظل الظروف الحالية في البلاد التي تعاني من التدهور والانهيار الواضحين في القطاعات الصحية والاقتصادية والخلافات السياسية واستحواذ الأحزاب والفصائل المسلحة على القرار العراقي والخلافات الإقليمية والدولية، كما يقول الصحفي العراقي علي الحياني.
ويضيف الحياني للجزيرة نت أن الكاظمي وفريقه الإعلامي يعرفان جيدا طبيعة المجتمع العراقي المعروف بعاطفيته، ويسعون لاستغلال مواقع التواصل الاجتماعي لإبراز هذه الشخصية من ناحية التصوير والظهور بمقاطع فيديو تبين أنه شخصية جادة وقوية وحازمة.
واعتبر الحياني أن هذه الحركات ستدفع الشعب العراقي للتفاعل مع شخصية الكاظمي، إلا أن ظهوره المتكرر بدون أفعال جادة ستفقده هذه الميزة يوما بعد آخر، مضيفا أنه من طبيعة الشعب العراقي أن يتفاعل مع أي رئيس وزراء جديد، لكن الإنجاز على أرض الواقع وتلبية المطالب وتوفير الخدمات هي المعيار لكسب تعاطف هذا الشعب في نهاية المطاف.