قبل أن نتمم المقال، نود أن نطرح السؤال التالي: هل البيان يستحق كل هذه الردود؟ فإن كان، هل ذلك، لمضمونه، أم للموقعين عليه، أم على خلفية من تبناه؟ وهل هناك قوى دولية راعية؟ وهل سيؤثر على الطرفين الكورديين المتفاوضين، بالسلب أم الإيجاب؟ أترك الجواب لقادم الأيام، وللكورد الذين يملكون الرد المنطقي.
6- من السذاجة التحدث عن العاهات السياسية والأخلاقية التي أصبحت سمة من سمات المعارضة والسلطة وتركيا عراب البيان، في الوقت الذي عتمت عليها كبائر بشائعهم، وفي مقدمتها الإرهاب وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين. ومن المخجل اتهام أطراف من الحراك الكوردي، فرغم نواقص البعض وسلبياتهم وتجاوزاتهم بحق الشعب الكوردي وليس العربي، يظلون أشرف وأنقى من أشرف أطراف المعارضة التكفيرية والسلطة الإجرامية، ومن الموقعين على البيان. ومعاناة الشعوب السورية حكم فاصل على قولنا هذا.
7- الفساد والاضطهاد الديني والعرقي والمذهبي سادت جغرافيات المعارضة، والتي كادت أن تتجاوز بشائع سلطتي الأسد وجرائمهما، وحتى اللحظة الفقر والجوع والاغتيالات تعم مناطقهم وعلى مستويات مرعبة (اللهم لا شماتة في هذا). ورغم الضخ الهائل من الأموال للطرفين لا تزال المنطقة الكوردية بخير بالنسبة لمناطق الداخل، إن كانت للسلطة أو المعارضة التكفيرية.
فارحموا المواطن العربي السوري يا أيها العابثون بمصير الوطن، كفاكم التلاعب بمفاهيمه، وضخ الكراهية فيه، ليعرف كيف يتخلص من فقره ودماره الذي أغرقتموه فيه. فيا من سفكتم دماء نصف مليون سوري، وجوعتم وشردتم الملايين، اعلموا إن غداً لناظره قريب، ومحكمة لاهاي بانتظاركم، وإن لم تتمكن المحاكم الدولية والمواطن السوري من لعنتكم على الأرض، فإن محاكم الله بانتظاركم، فمهما خدعتم السوريين فالله عليم بذات الصدور.
8- كنا نختلف نحن الكورد بين بعضنا على أن تركيا والمعارضة المرتزقة منها، تجد الحجة في علاقة الـ ب ي د مع حزب العمال الكوردستاني، وأن قواتها العسكرية من الـ ي ب ك أو قسد تابعة لها ولهذا فهي تجد المبرر لقلقها، لكن الجدلية تتضح مع الأيام، فالقوى التي سخرت هؤلاء المرتزقة لإصدار البيان وجمعهم لهذا الكم من الأسماء وبهذه السرعة، ومهاجمتهم لبيشمركة روج أفا، بينوا عن نواياهم الحقيقية، على أن عدوهم ليس فصيل كوردي دون أخر بل كل الشعب الكوردي.
9- وما يزيد البيان انحطاطا، وجود أسماء البعض من الكرد ضمنها، هؤلاء الذين أصبحوا سوريين أكثر من المستعرب السوري، ينادون بالوطنية تباهيا، يجدون مع الأطراف المنتهية صلاحياتها الوطنية دروب الارتزاق على حساب شعبهم.
10- في الواقع لا توجد أية سرية في التفاهمات الجارية بين الطرفين الكرديين، كما يدعي أصحاب البيان، والمفاوضات علنية، تحدثت عنها الإعلام بالتفصيل، أكثر بكثير مما كان يجول في الأروقة السرية لقاعات المؤتمرات المنعقدة ما بين المعارضة والمعارضة، أو بينها وبين السلطة، أو بين عراب السلطة والمعارضة، والتي عقدت في استانبول والرياض والقاهرة وجنيف وأستانه وسوتشي، وبغياب ممثلي الشعب الكردي، إلى درجة أصبح الكورد يشعرون أن المؤتمرات كانت تعقد من قبل عرابي السلطة والمعارضة، ليس من أجل مستقبل سوريا بل على مصير الشعب الكورد فيها. تم تغييب الكورد عن حواراتها بشكل أو أخر، أو قزم تمثيلهم فيها، إلى درجة لم يكن لهم رأي يذكر على بياناتهم الختامية. فسرية الاتفاقيات لا يتقنها الكورد وليتهم تعلموها، بل أبدعت فيها المعارضة والسلطة لكن بأبشع وجوهها، كتلك التي جرت بينهما على مستقبل حلب والزبداني والغوطة الشرقية ودرعا وعلى غيرها من المناطق بعيدا عن أعين الشعب والتي تمت فيها التجارة بمصيره ومستقبل الوطن، وهي كمنطق التفاهمات بين القوى الإقليمية على مصير البلاد.
11- لا يكفي إدانة البيان بأشد العبارات، لأن الموقعين عليه ثلة باعت وتبيع وطنيتها وضميرها عند أول منعطف، وأمام أول ارتزاق، فكيف بالوطن وقد أصبحت لديهم بضاعة سهلة بيعها، وليت الارتزاق كان من أجل إعالة عائلة، وليس لملذات متدنية، فبين الذين وقعوا على البيان تجار حروب معروفون على الساحة السورية، سرقوا الملايين من على حساب دماء الشعب السوري.
12- البيان المتعارض مع القيم الوطنية والإنسانية، تعريهم وتدينهم أمام المجتمع السوري الحالم بأبسط مبادرة تتجه نحو التآلف والتفاهم وخلق السلام في الوطن. كما ويتبدى من خلال لغته ومطالبه، أن الشريحة الموقعة تخسر تجارتها وارتزاقها في حالة السلام، والوئام في سوريا لذلك فهي ستعادي ليس فقط الكورد بل كل من يعمل بشكل جدي على حل القضية السورية، والمؤتمرات العديدة الفاشلة وعلى مدى السنوات التسع الماضية تؤكد ما نحن بصدده.
13- يدركون أن التفاهم الكوردي- الكوردي سيؤدي إلى وحدة الوطن وسلامته، وستتوقف تجارة بيعها إلى القوى الإقليمية، لذلك يحاربون هذا التقارب، فجلهم أصبحوا تجار الحروب، كما وهي من مصلحة تركيا وسلطة بشار الأسد الحفاظ على القوى الكوردية مشتتة تابعة هزيلة لتسهل فرض الشروط عليهم، واستخدامهم كأدوات.
خلفيات أخرى للبيان:
للبيان خلفية غريبة أبعد من ظاهره، بطريقة ما يريدون تبييض صفحة النظام الإجرامي والمنظمات التكفيرية الذين برقبتهم دماء نصف مليون مواطن سوري، وإيجاد بديلا لهم، بعرض الحراك الكوردي واتهامها بالخيانة والعمالة لأمريكا، علماً أن هذه الإشكالية تجاوزتها الشعوب السورية، فما بين الكورد، كشعب وحراك، الذين ضحوا بالكثير لخير البلد وبين السلطة ومعها المعارضة وتركيا وإيران وميليشياتها الذين أغرقوا المدن بالدماء، وجعلوا الإجرام والخيانة وانعدام الوطنية من ممارساتهم اليومية، مسافات كونية.
لكل هذا نطلب من كل القوى الوطنية السورية من العرب والكورد والسريان والأشوريين والدروز والعلويين وغيرهم إدانة بيان العار هذا وتعرية الموقعين عليه، والوقوف في وجه تجار الحروب.
وفضحهم هو الواجب الوطني والإنساني، ليس فقط أمام المجتمع السوري بل في المحافل الدولية أيضاً، ولا بد من تعرية خباثتهم السياسية؛ وأعمالهم الشريرة، ومحاكمة أصحاب البيان الذين تناسوا الفقر والمجاعة والدمار الجاري في البلد، وتحركوا لتظل سورية ممزقة وعلى خلاف دائم.
نهيم بالشرفاء الوطنيين محاربتهم ودعم التقارب والتفاهم الكوردي-الكوردي لإعادة اللحمة الوطنية لسوريا، كتجربة لكل الأطراف التي تريد إزالة الصراع الدموي بين أطياف الشعب السوري، وتسهيل الأمور لهم كمهمة وطنية، وكبداية طريق لخلق الوئام بين المنظمات السورية المتضاربة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
8/6/2020م