ابادة قبيلة باسان
تكملة الحلقات السابقة ….. تاريخ 17 حزيران كما أكده العديد من المؤرخين، علماً أن الصوم المذكور كان خمسة عشر يوماً في تلك الفترة حسب طقس كنيسة المشرق الكلدانية. وأضيف موضحاً أن عكيد آغا ورسول آغا المذكورين لم يسكنا في عين ديوار، بل مرا فيها خلال هروبهم من تركيا، وسكنا أولاً في قرية تل خنزير. وبعد أن اختلفا مع نايف باشا آغا عشيرة الكوجر رحلا إلى قرية زغاة قرب ديريك ” المالكية ” واستقروا فيها،
بيكند أخذونا إلى المكان الذي قتلوا فيه كلدان القرية لذبحنا هناك. وقد تمكنت من الهروب عن طريق راعي كردي من قرية بيكند كان يتردد إلى بيتنا في سعرت. وبعد أن عدت إلى سعرت عملت طباخة عند حاكم المدينة بيرام فهمي بك. سمعت أن مسلمي المدينة قرروا أن لا يبقى أي مسيحي فيها، كان دار المطرانية في سعرت قبل مقتل المطران قد أصبح ملجأ لكهنة كنائس القرى هرباً من المذابح الجارية في قراهم، وممن أعرفهم هم الآباء: الأب جورج كاهن قرية بركي، والأب حنا كاهن قرية صداغ، والأبوين موسى ويوسف كاهني قرية كيدوانس، والأب ميشيل كاهن دير مار يعقوب، والأب يوسف كاهن قرية بيكند، والأبوين جرجيس وعازار كاهني قرية قوطميس، والأبوين عازر وهرمز كاهني سعرت، وسكرتير المطران الأب كبرئيل أدمو. جميعهم قتلوا بوحشية. كما وضعت السلطة المطران أدي شير تحت الإقامة الجبرية في دار المطرانية، بعد أن دفع رشوة لحاكم المدينة قدرها 500 باوند ذهبي بعد أن وعده بإبعاد القبائل الكردية المسلحة عن المدينة. وقد أرسل عثمان آغا الطنزي1 الرجل الشهم وهو صديق مقرب من المطران خمسة عشر من رجاله الأشداء، وحضروا إلى دار المطرانية ليلاً وأخرجوا المطران بعد تنكره بلباس كردي، وساروا به إلى قرية طنزي في جبال البوتان التي تبعد مسافة ستة ساعات سيراً على الأقدام، وهناك استقبله أحسن استقبال على أمل أن يسفره إلى الموصل للنجاة من مصير محتوم. وفي الصباح وما أن علمت السلطة بالأمر، حتى سيرت كتيبة من الجيش. وقبل وصولها إلى القرية أرسلت خبر للآغا تدعوه لتسليم المطران وإلا قتل مع جميع أهل بيته ورجاله، لكنه رفض طلبهم قطعياً وأخذ عائلته وهرب تاركاً رجاله يحرسون المطران المخابئ في ” ديري بسان “، قرب قرية دير شو. وبعد قتال مرير كشفوا المخبأ وألقوا القبض على المطران،
شهادة السيد عبدو بزر: في مطرانية حلب الكلدانية وثيقة بخط الأب ( المطران ) صموئيل شوريز1[29] تحت عنوان ” أضواء جديدة على استشهاد المرحوم المطران أدي شير “ مؤرخة في 23/ 3/ 1963 وهي شهادة للمدعو عبدو حنا بزر وهو من تولد ماردين سنة 1891. تحدث فيها عن مقتل المطران أدي شير نقلاً عن عثمان آغا الطنزي. وأنا شخصياً أتذكر العم عبدو وهو من طائفة الأرمن الكاثوليك قصير القامة يعتمر طربوش، وكان في مجالسه يتحدث دوماً عما شاهد أو سمع خلال المذابح، ولا أعلم هل ما كان يملكه من المعلومات قد وثق من قبل طائفته أو أهله. وقد وجدت من الضروري ذكر هذه الشهادة، كون العم عبدو بزر قد سمعها من فم عثمان آغا صديق المطران أدي شير. وهذا نصّ الشهادة:
“ في سنة 1916 ذهبت مع الجيش الألماني إلى قرية (طنزي) لأجل شراء مستلزمات لأجل صناعة الأكلاك. وهذه القرية تقع في جبال البوتان بين مدينتي الجزيرة وسعرت. وهناك التقيت عثمان آغا الذي قص عليّ ما جرى للمطران شير قائلاً: تعود صداقتي الحميمة مع المطران إلى سنة 1913عندما حكمت عليّ الحكومة العثمانية بالإعدام غيابياً، فذهبت إلى سعرت والتقيت المطران شارحاً له قضيتي. فاستقبلني أحسن استقبال ومضى بي إلى دير البواتري ” الآباء الدومنيكان “1[30] وخبأني عندهم، وطلب منهم التوسط لدى القنصل الفرنسي في استنبول للحصول على عفو من الحكومة لي. وبالفعل نلت العفو بجهودهم. وفي سنة 1915 عندما بدأت المذابح بحق المسيحيين علمت أن المطران يعاني الكثير من المضايقات، فذهبت ليلاً مع ثلاثة من أخوتي إلى سعرت وهرّبنا المطران وجئنا به إلى قريتنا طنزي التي تبعد مسيرة 6 ساعات سيراً على الأقدام. ما أن وصلنا القرية حتى سألني المطران عن رعيته في القرية. فقلت له أنهم بخير وقد صعدوا إلى الجبال مختبئين داخل المغاير. فطلب مني أن أوصله عندهم، لكنني قلت له يجب أن أوصلك إلى الموصل حتى تنجو من الموت، لأن في منطقتي أعداء كثر لي وأخاف أن يعلموا الحكومة بوجودك عندي. فرفض المطران عرضي قائلاً: طالما أن أبنائي هنا فيجب عليّ أكون معهم في هذه المحنة، ومن المستحيل تركهم لأنجو بنفسي. وقد كررت عليه طلبي مراراً، لكنه رفضه رفضاً قاطعاً. وعليه أوصلته عند جماعته في الجبل. وبعد ثلاثة أيام طلبت مني الحكومة تسليم المطران المختبئ عندي، لكنني نكرت وجوده عندي قائلاً أنه هرب هو وجماعته ولا أدري إلى أين اتجهوا. وقد نلت الكثير من الويلات بسبب موقفي هذا، فهدمت ممتلكاتي وسلبت أموالي. وفي هذا الأثناء أرسل رسول محمد آغا وهو من ألذ أعدائي رجاله إلى الجبل للتأكد من مكان المطران وجماعته. وبعد أن عرف رسول آغا مكان وجود المطران، طلب من الحكومة أن تزوده بالجنود، فذهب إلى المكان المحدد وحاطه بالجنود ورجاله حتى القوا القبض على المطران. فاقتاد رسول آغا المطران إلى قرية تل ميشار التي تبعد مسيرة ساعة عن قرية طنزي، وهناك سلمه لضابط تركي. فطلب المطران من الضابط أن يمنحه بعض الوقت ليؤدي صلاة قصيرة، فسمح له الضابط بذلك. وبعد أن انتهى من صلاته سلمه الضابط لرسول آغا وطلب منه أن يقتله بطلقة نارية دون تعذيب. فاقتاده رسول إلى مغارة صغيرة شمال القرية وقتله هناك. ثم جاء رجال رسول واحرقوا جثة المطران شير. وأضاف عثمان آغا أن رسول آغا قتل كل كلدان قرية تل ميشار وعددهم 200 عائلة واستولى على جميع ممتلكاتهم، كما قتل كل المسيحيين الذين التجئوا إلى حمايتي. هذا ما نقله العم عبدو بزر عن عثمان آغا طنزي. ويختم شهادته قائلاً: لقد استطعت الذهاب إلى تل ميشار بعد سماعي الحدث من عثمان آغا، وصعدت إلى مكان مقتل المطران شير وشاهدت المغارة التي قتل فيها، وهي صغيرة وبالكاد تتسع لثلاثة أشخاص. ولا يزال رسول محمد آغا قاتل المطران حي يرزق، وقد هجر إلى سوريا وهو يعيش في قرية عين ديوار السورية المطلة على نهر دجلة في المثلث الحدودي السوري التركي العراقي .
قتل المطران يوم الخميس 17-حزيران 1915، بعد ذلك نزعوا صليبه وخلعوا ملابسه وارسلوه الى علي نقيب الاشراف والقاضي ليتأكد من موته
ملاحظة : كان عثمان عمر الشرواني (أغا قرية طنزي) مطلوباً للسلطات العثمانية في قضية معينة عام 1913، فلجأ الى المطران أدي شير أن يساعده، فسعى المطران لدى الاباء البواتر (الدومنيكان) ليختبأ عثمان عندهم، ثم يتوسطوا له عند القنصلية الفرنسية في استنبول لينال العفو