طرفي التفاوض في غرب كوردستان
قد يعتبرها البعض تنبيه سابق لأوانه، لكننا نجد فيها الحكمة، وعلى المعني المتلقي تقييم المُقال. نقدمها ليس كجرس إنذار بل كمطلب، على خلفية الفقر الذي ينهش مجتمعنا الكوردي، والجوع الذي ينخر العظام، من أجل تأمين رغيف الخبز لتلك العائلة الكوردية المنسية في إحدى زوايا قامشلو أو عفرين أو ديركا حمكو أو عاموده، من أجل الأطفال الذين مستقبلهم على كف الأعداء المحاطون بأمتنا، من أجل الحد من تجار الحروب الذين يمتصون دماء الشعب المستفيدين من تشتت حراكنا وخلافاته، من أجل ذكرى ألاف الشهداء الذين قدموا دمائهم رخيصة من أجل الوطن، من الخوف التاريخي، وما تتبدى من تصريحات لا تُطمن.
ليس لتشاؤم بل لتحريض على الإيجابية، ففيما إذا فشلت المفاوضات الجارية، سوف لن يلام أحد غير القيادات الحزبية، والتي ستبين على أنهم لا يزالون أسراء أساليبهم الحزبية في الحوارات، ومنهجية الوسط ذاته الذي أفرزهم ليكونوا قياديين، والعوامل المفتعلة التي أوصلتهم إلى الوضع الراهن، وهذه لربما ليست بشماتة، لكنها ستكون كذلك فيما لو استمروا على ما كانوا عليه، منطق الصراع الحزبي، من أجل إبراز الذات، ولم يحاولوا التخلص من رواسب نشأتهم؛ وتطوير ذهنية البيئة والثقافة التي فرضتها علينا جميعا الأنظمة الدكتاتورية.
لن يلتفت الكوردي الوطني كثيراً إلى العوامل الخارجية كتبريرات، ولا إلى الإملاءات الإقليمية الواردة من خلال الأروقة السرية، والتي سيخرجها المتفاوضون تحت مسوغات حزبية كتغطية، بل سيقف الكوردي على النتائج، ومسوغات عدم الرغبة على التفاهم؛ وضعف القدرة على تجاوز التبعية للخارج، وقد يطلب منهم الشارع وكبعد وطني وقومي التنازل عن المسؤولية، ومواجهة المجتمع بشفافية، وفسح المجال للحراك الكوردي الواعي لإعادة إنتاج الأحزاب وبقيادات أكثر وعياً.
لا شك المواجهة مع الأحزاب وقياداتها ذات الخبرة في العمل الحزبي وليس السياسي، لم ولن تكون سهلة، والمطلب الأخير يحمل بعدا طوباويا، فالجدلية النضالية مبنية على الصراع والبقاء للأولياء الذين تم تعيينهم، والذين كثيرا ما لا يقفون على الوعي أو المصداقية، ومن النادر للأدهى سياسيا، وبالتالي أحزابنا المتفاوضة ستستمر حتى ولو فرض عليها الفشل. لذلك نأمل ألا تنجر إلى الهوة، وتضطر لاستخدام دروب الالتفاف على المجتمع، مثلما فعلوها عام 2006م ضمن المؤتمر الوطني الكوردستاني في بلجيكا، عندما أسسنا (المجلس الوطني الكوردستاني في سوريا) برئاسة شيركو عباس وبموافقة الجميع، المؤتمر الذي اجتمعت فيه كل الأطراف الحزبية ومنظمات المجتمع المدني وشريحة من المستقلين، وبرعاية ممثلي دول كبرى والأجزاء الكردستانية الثلاث الأخرى، لكنهم التفوا على الشارع الكوردي وممثلي الأجزاء والدول، وخرجوا بحجج واهية يخجل منها السياسي الواعي، قبل انتهاء المؤتمر بساعات، نذكرها كمثال لعدة أسباب ومنها:
1- لأنهم لو كانوا يومها على إدراك ما كنا نحن بصدده، ورجحوا الكفة القومية والوطنية الكوردستانية على الحزبية لكان الحراك الكوردي في غرب كوردستان اليوم في مرحلة متقدمة، ولكان لهم صوت في جميع المؤتمرات التي عقدت من أجل مستقبل سوريا من جنيف إلى أستانة إلى سوتشي والقاهرة والرياض وغيرها.
2- لكانوا سيتفاوضون اليوم ليس فيما بينهم، بل مع القوى العربية على مصير سوريا ومن أجل فيدرالية كردستانية.
3- ولما تمكنت القوى الإقليمية تجاوز الحراك الكوردي في المحافل الدولية، ولتعاملت القوى الكبرى معنا بسوية أعلى وعلى حقوق أوسع مما تعرضها اليوم المعارضة وسلطة بشار الأسد، ولما تعرضنا إلى لهجة البيانات الخبيثة كالتي أصدرتها الثلة العروبية التكفيرية الفاسدة مؤخراً.
يجب ألا يكرروا الخطأ ذاته، وتنجح المفاوضات، ونحن هنا لا نذكر من كان وراء تلك المواقف، ونأمل ألا تؤثر فيهم اليوم نفس القوى، ويتفقوا على تفاهمات تفيد الشعب والقضية الكوردية والوطنية السورية.
ونتمنى أن تؤدي المفاوضات إلى تفاهمات ترضي الشارع الكوردي، وألا يضطر كل طرف إلى لوم الأخر، وتقدم كل جهة حججها، ونحن هنا لسنا بصدد تكرارها فهي واضحة للكل، والتذكير ليس من باب التهجم بل النقد المسبق للإخوة القياديين، فجلهم وطنيون، لكن هدفنا إيقاظهم على إشكاليات التاريخ، لئلا يتغاضون أو يسهون عنه، وفي الحالتين ستكون الطامة، وعليه لا بد من إعادة إنتاج البديل.
والنتيجة القريبة القادمة، ستبين مدى تحررهم من الإملاءات الإقليمية، وإدراكهم لمجريات الأحداث، أو سذاجتهم بالسياسة ودروبها، وأي المصلحتين يرجحونها، الأمة أم الحزب، ولا يهم الشارع الكوردي من يكون الأكثر تعنتا، لأن مصلحة الأمة تتطلب التنازلات بكل أبعادها، والشارع الكوردي لن يدرس إلا التفاهم على بعض نقاط التقاطع، حتى لو استمرت الخلافات الداخلية، والصراعات المسمى بالإيديولوجية أو التمسك بها ووضعها في مقدمة القضية القومية، مثلها مثل عرض مجموعة الأحزاب الوليدة من العدم في ميزان الحوارات، يجب معالجتها والحلول عند الـ ب ي د.
معظم قادة الأحزاب، كانوا رواد تفاقم الشرخ وتكاثرها، مثلما نلاحظ اليوم، والتي بلغت ورغم غياب النظام الشكلي عن الساحة بلغت أعدادهم قرابة المائة، والبعض يستخدمهم كمخرج لبداية الخلافات، والتماطل والمط في المفاوضات الجارية بين الطرفين، المجلس الوطني الكردي وحزب الإتحاد الديمقراطي، الـ ب ي د، والمخرجات التي بدأت تظهر كبدايات لعدم التفاهم، قد تكون شرارة، مثل قضية بيشمركة روج أفا أو إشراك الأحزاب الوليدة من العدم، إلى أن أصبح الشارع الكوردي يشكك في البيان الصادر من ثلة العنصريين التكفيريين والعروبيين، ويسأل هل بلغت مداها؟! وقيادات الجهتين يتحملون المسؤولية المباشرة عن نجاحها أو إخفاقها، رغم المطالبات الأمريكية والفرنسية لعقد المفاوضات والخروج بنقاط تفاهم، وهنا ورغم صحة ما يقال كنقد، يتم تناسي القضايا الأهم المسببة في إخفاقاتهم، بل وإخفاقاتنا جميعا، المؤدية إلى تبوئهم قيادة حراكنا الكردي، فهل سيتم الطعن في وطنيتهم فيما إذا فشلت المفاوضات؟ أم سيثبتون العكس الصحيح في هذه المرة؟
وعليه فإن انتقاد أغلبية الشارع الكوردي للقيادات الكردية، الحزبية أو السياسية، على خلفيات فشلهم الماضي، رغم الحجج المعروضة من كل طرف، المدعوم من شارعهم، ومؤيديهم، والذين تم إيصالهم إلى التخوين والاتهامات، ستظهر ثانية وبأعلى سوياتها في حال تكررت التجربة، وعلى كل المستويات، فالمرحلة على الأغلب لن تتكرر، ونوجه هذا الكلام للأخوة المتفاوضين، أن الفشل سيكون من نصيبكم قبل أن يكون من نصيب الشعب الكوردي الذي أوصلتموه إلى الحافة، واعلموا أن التاريخ لن ينساكم في الفشل أو النجاح.
وكتنبيه من الماضي، وحيث المسيرة الفاشلة وعلى مدى قرابة قرن من الزمن، تتحملها قادة الحراك الكوردي، خاصة بعد تأسيس الحزب، ولا شك الأسباب عديدة، سنأتي لاحقا على بعضهم، فقد دربوا ولقنوا كيف يكونوا قادة أحزابهم، دون الشعب، فلم يتمكنوا من وضع الأحزاب في مكانه الصحيح، ظلوا هم والأحزاب راضخين لقوى إقليمية، أو بالأحرى، ولنكن منصفين، فرضت عليهم التبعية، وتقبلوها وكأنه لم تكن هناك مخارج، لكن ولأسباب فضلوا التبعية على المواجهة، ونحن هنا لا نتحدث عن الظروف التي فرضت ذاتها على الواقع، لكن عن تبريراتهم لتقبل الظروف، والمؤدية إلى فشل حراكنا الكوردي في تحقيق أبسط متطلبات الأمة، لهذا ولتصحيح الماضي والبدء بصفحة تاريخية صحيحة، يجب أن يضعوا نقطة نهاية لتلك الأيام، ويتم التوافق والتفاهم…
يتبع…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
1-11/6/2020م