.
أتاحت الديمقراطية للعراقيين حرية الحديث، سواء صدق المتكلم أو كذب، مسؤول كان أو مواطن، متضرر أو متنتفع، وأغلبه ناقد للفساد والمفسدين والفشل الحكومي، حتى أصبح المسؤول الفاسد يهاجم الفساد بجرأة، وترتفع أصوات السياسين على ما يسميه” البعض”، بالتورط بتعطيل العمل الحكومي بالفساد، والتآمر على القوى السياسية.
ليس غريب من بين التصريحات، أن يقول نائب أن العراق كعكة تقاسموها، حصص وأمتيازات وعمولات ومقاولات، وإبتزاز سياسي وتقسيم الشعب بالخطابات.
يختلط السلوك السياسي أحياناً على العراقيين، بل منهم من يتهم النواب نتيجة سوء خدمة البلدية والكهرباء، ويتهم الوزير في عدم إقرار قانون، بل إذا إفتتح وزير ملعباً، يعترض بعضهم بعدم توفير فرص عمل للعاطلين، ولا يُفرق بين مسؤول أن لكل مسؤول تنفيذي عمل، تحدده إستراتيجية الدولة وقدرته القيادية الناجحة، بالإعتماد على قوانين يشرعها البرلمان.
يتحدث الكل عن الفساد وأغلبهم من الطبقة السياسية الحاكمة المتنفذة، حتى أن أحد الأحصائيات تشير الى إشغال 90% من البرامج السياسية، بمسؤولين معظمهم نواب برلمان، فتجده يتحدث عن الفساد والإقتصاد وعلم الإجتماع، والطفولة والتربية والتعليم والصحة وو..، ومتخصص بكل المجالات ولا أحد يفوق علمه حسب تصوره، ويترك تخصصة والدور الذي إنتخبه له الشعب، وتشريع القوانين والرقابة ونقل معاناة ناخبيه الى أروقة القرار، ولكن الحديث الطويل العريض في شاشات الفضائيات، مختلف جداً عن نتاج سياسة تشوبها الصفقات والفساد، من المتكلم طويل اللسان.
إن إختلاط الأدوار على المواطن مبرر، حينما يجد مكتب النائب يعمل كمعقب للمعاملات، ومكتب للشكاوى التنفيذية والتوسط في المؤسسات الحكومية، ودوره الرقابي إبتزاز لكبار الموظفين، وإرتشاء من مواطن إنتخبه ومرة بعلمه وأخرى من تدبير حاشيته، أو مقابل كسب ولاءه، كرصيد إنتخابي للدورة القادمة والتحكم بقوت عائلته.
شاركت وسائل الإعلام بشكل وآخر، وخلقت بهلوانات إعلامية لبرلمانين وساسة لا يفقهون أدب الحديث والحوار، ولا معنى الكلام وأثره السلبي، كممثل للشعب يتحدث بكلام هابط ويعكس ثقافة شعب.
شوه بعض السياسيين ووسائل الإعلام حقيقة الأدوار وطبيعة الواجبات، فمرة تكون وسيلة الإعلام حزبية فتعمل لأجنداتها التسقيطية، وأبتزاز الآخر بخطابات إعلامية فارغة المحتوى وعديمة المصداقية، وكثر الحديث عن الفساد دون تشخيص الفاسد ووسائل الفساد، وهذا الحديث بلا معنى فساد آخر وهروب من المسؤولية، وتقسيم أدوار من أجل إسقاط بلد برمته، خلال سقوط صورة ممثليه، والأحرى بالنائب أن لا يتحدث في وسائل الإعلام سوى عن دوره التشريعي، وأهمية القوانين التي يتم صيغتها، من خلال تواجده كمختص يشرح فوائد وسلبيات التشريع ومدة تنفيذه، فضلاً عن العمل الرقابي الذي يخص المؤسسة التنفيذية، دون ربط ذلك بالعلاقات السياسية، والمفترض أن يكون الشارع بعيد عن النزاعات السياسية، ومطلوب أن يخرج لنا المسؤول بوجه مبتسم بالأمل وليتصارع داخل الأروقة السياسية، وحقيقة فعلهم بالعكس، فلقد أبكيتمونا وأضحكتم العالم علينا، والشعب يرى صراعكم في شاشات القنوات، بينما بالسر تتقاسمون الفساد ككعكة، ولا وجود لحصة مواطن.