نجح تنظيم “داعش” قبل سنوات قليلة، في تجنيد عشرات الآلاف من الشباب الأوروبيين، والآن بعد أن عاد كثير منهم إلى بلاده، هل ما زال التنظيم يمثل عامل جذب لهم أو لغيرهم؟ وما التأثير المحتمل لجائحة كورونا على قدرات التنظيم على التجنيد؟
صحيفة Washington Post الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “جاذبية داعش تتلاشى بين الأوروبيين العائدين إلى بلادهم من سوريا”، تناول سيناريوهات قدرة داعش على تجنيد مزيد من شباب أوروبا.
“ابقوا بعيداً عن التنظيم”
منذ إطلاق سراحه من السجن قبل عامين، أبدى الجهادي السابق، الذي كان يُعرف بـ”أبو عائشة”، تقدماً كبيراً في تحويل مسار حياته، حيث أعلن البلجيكي، البالغ من العمر 27 عاماً والذي سافر إلى سوريا في 2013، رفضه لـ”الدولة الإسلامية” وقال إنه يفضل الدراسة على القتال، كما يوجّه نصيحة لشباب المسلمين الآخرين الذين ينتابهم فضول بشأن التنظيم، قائلاً: “ابقوا بعيداً”.
وقال عن الوقت الذي قضاه في كنف تنظيم الدولة الإسلامية بشمال سوريا مستخدماً اسمه المستعار: “لقد رأيت بأُم عيني ما فعله داعش. يلتقي جميع البلجيكيين العائدين من سوريا منذ عودتهم إلى الوطن، ومعظمهم لا يريدون أي شيء يربطهم بالتنظيم أو الأيام التي قضوها هناك”، واشترط “أبو عائشة” عدم نشر اسمه الحقيقي؛ خوفاً من انتقام الموالين لتنظيم الدولة الإسلامية.
وتدعو كلماته، التي تلقى صدى كبيراً لدى عدد آخر من العائدين من التنظيم إلى أوروبا، إلى التفاؤل الحذر في القارة التي شهدت عودة آلاف من مواطنيها الذين سافروا إلى الشرق الأوسط من أجل الانضمام إلى التنظيم. وفي العامين السابقين، كان المسؤولون الأوروبيون يستعدون لموجة جديدة من الهجمات الإرهابية بعد مغادرة بعض الشباب والشابات دولة الخلافة التي أعلن عنها التنظيم وعادوا إلى بلادهم، وغالباً ما انتهى بهم الأمر إلى السجون المكدسة بالإسلاميين الآخرين.
العائدون مصابون بخيبة الأمل
والآن، بدأت الدراسات البحثية تؤكد ما قد أشار إليه بعض مسؤولي إنفاذ القانون بشكل خاص؛ برغم المخاوف الأولية، تتجنب الأغلبية الساحقة من العائدين أي أسباب قد تدعو إلى التطرف حتى الآن، ويرفض عديد منهم صراحةً الدولة الإسلامية وأساليبها العنيفة.
وقال توماس رينارد، باحث بلجيكي في شؤون الإرهاب ومؤلف دراسة ستُنشر قريباً عن التطرف بالسجون: “يشير عدد من العلامات إلى انتشار الشعور بخيبة الأمل بين المقاتلين العائدين والمُفرج عنهم. لا يبدو أنهم قد يفكرون في إعادة الاتصال بشبكاتهم السابقة أو العودة إلى الممارسات العنيفة المتطرفة. نرى أن تقارير من الأجهزة الأمنية تؤكد ذلك”.
ويحمل هذا التوجه، في حال استمراره، أخباراً جيدة للمنطقة التي شهدت سلسلة من التفجيرات وعمليات إطلاق النار من قِبل أنصار تنظيم الدولة الإسلامية منذ 2015، ويقول المسؤولون إنه لا توجد هجمات ذات صلة مباشرة بالتنظيم على الأراضي الأوروبية منذ 2017، مع انخفاض كبير في عدد الحوادث المرتبطة بالجماعات الإسلامية بشكل عام، وضمن ذلك الهجمات “الفردية”.
ولكن على الرغم من الهدوء النسبي الحالي، ينتاب المسؤولين الأوروبيين مخاوف من هشاشة تلك المكاسب. في مناطق أخرى من العالم، يصب الزخم في مصلحة الإسلاميين. وتزداد الدولة الإسلامية قوة في العراق وسوريا، وفقاً لعدد ونطاق الهجمات الإرهابية خلال الشهور الأخيرة بمعاقلها السابقة. وفي إفريقيا، يتصاعد وجود الميليشيات المتطرفة، مع منافسة الجماعات الموالية للقاعدة وتنظيم الدولة؛ من أجل السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الريفية من منطقة القرن الإفريقي إلى الساحل الإفريقي.
ما علاقة كورونا بالتجنيد؟
ويقول مسؤولون وخبراء في الشأن الإرهابي، إن استعادة الخلافة، أو ظهور قائد جديد بسمات شخصية بارزة، قد يلهمان أتباعهم في مختلف مناطق العالم كما حدث من قبل، وضمن ذلك بعض من نبذوا العنف بالفعل. وقال مسؤولون إن الركود الاقتصادي الطويل الناجم عن جائحة فيروس كورونا سوف يساعد الجماعات الإرهابية على استقطاب موالين جدد.
تحذيرات من استغلال داعش للجائحة
قال أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط والذي تراقب حكومته مئات العائدين من تنظيم الدولة الإسلامية إلى بلادهم: “لسنا سذجاً؛ يزعم عديد من العائدين إلى بلادنا، مثل من عادوا إلى أوروبا، أنهم فهِموا الدرس ولا يريدون أن يكونوا جزءاً من تنظيم داعش مرة أخرى، وأنهم لن يكرروا الدرس”.
واستدرك المسؤول، الذي اشترط عدم كشف هويته: “ولكن بعضهم قد ينضم غداً إلى جماعة جديدة أو يعود إلى تنظيم داعش مجدداً. لا يمكننا أن نكون واثقين بنواياهم 100%”.
ويقول مسؤولو مكافحة الإرهاب، إن احتمال ظهور مثل تلك الجماعات زاد في الشهور الأخيرة. وعلى الرغم من عدم قيام “الخلافة”، لم تُهزم الدولة الإسلامية بعد، ولا تزال بعض خلاياها نشطة في العراق وسوريا ولهم شبكة من الفروع الإقليمية من شمال إفريقيا إلى جنوب شرقي آسيا.
عودة التنظيم لن تكون مفاجئة تماماً، فقد وضع قادة الدولة الإسلامية أسس حملاتهم الإرهابية قبل سقوط الخلافة بوقت طويل، من خلال توزيع ونشر المقاتلين والأسلحة والمتفجرات في مختلف المناطق.
وقال خبراء إن التنظيم قد لا يكون قوياً بما يكفي للاستحواذ والسيطرة على مساحات كبيرة من الأرض كما فعل في 2014، ولكنه يستفيد بشكل واضح، من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي بالعراق وسوريا. وفي ظروف مماثلة بأجزاء من غرب إفريقيا، بدأت ميليشيات محلية تابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في السيطرة الفعلية على القرى الريفية بالمناطق التي يكون وجود الحكومات المحلية فيها ضعيفاً.
وقال مسؤول غربي كبير في مكافحة الإرهاب، اشترط عدم الكشف عن هويته: “الآن، مع انشغال معظم دول العالم بالجائحة العالمية والاضطراب الاقتصادي، قد ترى الجماعات الإسلامية احتمالاً وارداً لتحقيق مطامعها وطموحاتها في جدول زمني أقصر بكثير”.
وأضاف: “الأولوية الحالية للأجهزة الأمنية والحكومات هي السيطرة على انتشار عدوى كوفيد-19، مما قد يخفف الضغط عن الجماعات الإرهابية ويوفر لها المساحة اللازمة لإعادة تشكيلها، ونحن قلقون للغاية من إمكانية تحقيق ذلك”.