16/6/2020
منذ عقودٍ طويلة وعديدة ونحن نجرّ معنا إلى قاعات المؤتمرات وحلقات الذكر السياسي الكوردي مقولات متناقضة فيما بينها، ومن هذه المتناقضات ما ننسجه بأنفسنا بتصريحاتٍ ومواقفٍ وسياساتٍ نظن أنها عين الحقيقة ثم نكتشف أنها كانت خاطئة أومتسرّعة أو آنية، ومنها ما هو في صلب قضيتنا القومية، وهذا ما يجب أن نتحدّث عنه بجرأة ونعالجه بجرأة أيضاً، بعيداً عن الأهواء الحزبية المتقلّبة والأجواء الدعائية المنحازة لهذا أو ذاك من القادة والزعماء الذي هم أيضاً بشرٌ مثلنا ويقعون أحياناً في أخطاء كارثية بالنسبة لشعبنا الذي يعاني من احتلالات ونظم استبدادية شرسة.
فلنوضّح أكثر…
ثمة من يدعو صباح مساء إلى عقد “مؤتمر وطني كوردستاني” وبإصرار وجرأة، ثم نجده في اليوم التالي يتحدث بذات الصراحة والجرأة عن “وحدة الوطن السوري” و”وحدة البلاد العراقية” و”الدفاع عن وحدة التراب التركي أو الإيرانية” ورفض النزعة الانفصالية الكوردية “الضيقة”، ويرفض “الدولة الكوردية” والمساس بوحدة بلدان المنطقة المرسومة حدودها بمعاهدة استعمارية أكل عليها الدهر وشرب. وهذا التناقض يحيّر المراقب السياسي غير الكوردي، والكوردي أيضاً، مقاتلاً كان أم كادراً في حزبٍ سياسي أو مثقفاً ذي انتماءٍ ما.
فهل نحن كوردستانيون حقاً؟
إن كنا كذلك فلماذا هذا التشويش وذر الغبار والكلام المعسول عن “الوطنية” السورية أو العراقية أو التركية أو الإيرانية، وإذا كان حراكنا العام ينجذب إلى مهاباد وهوليو وآمد أكثر مما ينجذب إلى دمشق وبغداد وأنقره وطهران مثلاً…
إن دعوةً من المرجع القومي السيد مسعود بارزاني للالتقاء والتشاور والتعاون الكوردستاني تلقى الإجابة سريعاً، في حين يتعرّض للنقد أولئك المتوجهون للقاء مسؤولي العرب والترك والفرس في عواصم الدول التي تقتسم أرض الكورد (كوردستان)، والذين يلبّون دعوات “الأعداء” يحملون أيضاً في حقائبهم تناقضات حركتنا السياسية العديدة، ففي الوقت الذي يتحدثون عن “الوطن النهائي” و”الدفاع عن السيادة الوطنية” يعثرون بين أوراقهم على بيانات ومقالاتٍ تؤّكد على “كوردستانية” حركتهم التي يمثلونها في تلك الزيارات لعاصمة الوطن النهائي، دمشق أو أنقره أو سواهما. وهذا نعلمه جميعاً وندرك أن تناقضنا هذا لا يفارقنا وهو أقرب إلينا من عروق دمائنا.
الرئيس العراقي الحالي، الدكتور برهم صالح قد أقسم اليمين على حفاظه على “وحدة التراب العراقي”، وهذا معقول جداً من منظار عراقي دستوري وسياسي، ولكنه وصل إلى ذلك المنصب من خلال تحالف حزبه، الاتحاد الوطني الكوردستاني، مع أحزاب عراقية، ولكننا نعلم أن هذا الحزب أكّد منذ تأسيسه على حق الأمة الكوردية في حق تقرير مصيرها بنفسها على أرض كوردستان، وقد أثبت الاستفتاء في اقليم جنوب كوردستان على أن شعبنا الكوردي يطالب بالاستقلال وليس ب”وحدة الأراضي العراقية!”، أفلا يكمن هنا تناقضٌ صارخ في عمق الحزب الذي ينتمي إليه السيد رئيس الجمهورية العراقية؟
عندما أعلن المرجع الكوردي السيد رئيس الحزب الديموقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني عن ضرورة القيام باستفتاء الاستقلال، كان معروفاً لدينا جميعاً أن غالبية الشعب الكوردي، ليس في جنوب كوردستان فحسب، وإنما في كوردستان كلها ستكون مع الاستقلال القومي، وهذا كان واضحاً، رغم كل اختلافات الأحزاب الكوردية، لدى ظهور نتيجة الاستفتاء التي كانت أعلى من 92 % من أصوات الناخبين الكورد في الاقليم، ولكن الصدمة كانت كبيرة عندما لاحظ الكورد أن المجتمع الدولي المطالب دائماً بالانتخابات الديموقراطية والاستفتاءات النزيهة والعودة إلى الشعب الذي هو مصدر السلطات قد وقف ضد إرادتهم الشعبية الديموقراطية السلمية، إلاّ أن هذا الجدار العالي والمتين لم يقضِ على الطموح القومي الكوردي في الاستقلال، وفي الحقيقة يجب أن تنفّذ الأحزاب ما يمليه الشعب عليها من واجبات، وهذا ما يتعثّر لأسبابٍ عديدة موضوعية وذاتية، وقد يتحقق الاستقلال في المستقبل القريب لتغيّر الإطار الظرفي أو الشرطي العام في المنطقة. وما يزيد الطريق تعرجاتٍ هو الكم الإعلامي الهائل عن “الوحدة العراقية الوطنية” ومثلها “وحدة الوطن السوري” وغيرهما من الوحدات التي تعني السير بعكس الإتجاه الذي تمليه إرادة شعبنا الكوردي.
فإذا كنا متأكدين من سوريتنا الحبيبة وعراقيتنا العريقة وتركيتنا وفارسيتنا بهذا الشكل الفاضح الذي نراه في الإعلام الكوردي عامةً، فلماذا الكلام الصارخ عن “حق الأمة الكوردية في الحرية والاستقلال” ولماذا الدعوة إلى المؤتمر الوطني الكوردستاني أصلاً؟
برأيي وأنا إنسانٌ حر الضمير والرأي، ألاّ نكذب على جيراننا من عربٍ وتركٍ وفرس وأن نكون صريحين في الإعلام الكوردي خاصةً، وهذا يعني أن نحاورالشعوب المجاورة ومثقفيها وأحزابها وحكوماتها على أساس أننا أمة كوردية واحدة لها الحق في حريتها واستقلالها، وليس مجرّد ثلاث أو أربع محافظات عراقية أو شمال شرق سوريا أو على أساس أننا “أقليات” كوردية في عدة بلدان متجاورة ولا نطلب منها سوى “حق المواطنة العادلة وبعض الحريات السياسية والثقافية” كما يسعى البعض، فمن مهمة الإعلامي الكوردستاني قبل السياسي والمقاتل أن يزيل هذا التناقض في عمق حراكنا القومي، إذ لا يمكن أن أكون كوردستانياً وغير كوردستاني في الوقت ذاته… والسؤال الذي يراودني هنا: هل نسينا نتيجة استفتاء الاستقلال في اقليم جنوب كوردستان بهذه السرعة؟ وهل مجرّد الحديث عن “حرية واستقلال” كوردستان من المحرّمات؟ ولماذا؟
الجواب لدى الإعلام الكوردستاني والأحزاب التي تسمي نفسها “كوردستانية”.