التحمير و الجحشنة في الأديان ..1
لم اكن ارغب في كتابة هذه الاسطر الساخرة لولا تعليق صديقي الشكرجي ذات يوم على ما تحدثت به عن موقف الله وانزعاجه غير المبرر من معشر الحمير واذلاله لهم عبر ما ورد في نصه “المنزل” وفقاً لما ورد في القرآن.. ( إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) ..
حيث كنت أعلق ساخراً ومدافعاً عن الجحش هذا الكائن الصبور الذي يلاقي سوء التعامل في مختلف الثقافات الدينية والشعبية .. بالرغم من الخدمات الجليلة التي قدمها في مضمار الحضارة الانسانية.. ومساهماته التي لا يمكن انكارها اثناء النقل والحركة التي رافقت المجموعات البشرية.. منذ ان استأنس الانسان بالحمير ودجنها.. الأصح منذ ان إسْتحْمرَ الحمير البشر وتقربوا اليهم بودٍ واخلاص.. عارضين خدماتهم بدون مقابل..
كانت نتيجتها التاريخية وبالاً على الناس حيث ازداد معشر المستحمرين وتحول الملايين من الناس من خلال الأديان الى حمير مستحمرة بالوراثة.. تناقلوا الكثير من الحكايات والاساطير عن معشر الجحوش وفقاً للمصادر الربانية التي سأنقلكم الى اجوائها في الاسطر القادمة.. ابتداء من اليهودية وانتهاء بالإسلام .. الذي افرد كل منهم الكثير من نصوصه لمعشر الحمير وفقاً لتصوراته الميثولوجية.. التي استحقت ان نتوقف عندها ونتابعها في الأسطر التالية ..
قبل ان ادخل في مضمار الموضوع لا بد من التنويه.. ان الموقف الثقافي من الحمير يختلف بين شعب وآخر فالكُرد على سبيل المثال لا يربون الأتان ويستنكفون مطيها.. ويكتفون بذكور الحمير الخصية فقط ..
بينما البدو في العديد من بقاع بلدان المشرق العربي يزاحمون بعضهم في مناكحة الأتان.. كأنها حالة مقبولة لا تشكل عاراً.. كانت تمارس بشكل طبيعي من الشباب والرجال بلا خجل وهناك الكثير من الطرائف المتداولة في هذا المجال ..
وقصة الحمير كما يرويها في كتابه ( نور القفطي الصعيدي ) ـ وهم أي الصعايدة ـ اشهر من ما زال يهتم بالحمير لحد اليوم ـ عن تاريخ الحمير تؤكد.. ان المجموعات التي تعايشت مع الحمير واستغلتهم في مجالات متعددة.. تبدأ بالنقل وتنتهي بطهي لحومها واكلها.. مروراً بالحكايا التي رويت عنهم في ثقافاتهم المختلفة عن اهمية هذا الحيوان الذي وضعت لاقتنائه والتعامل معه القوانين.. منها قانون فؤاد الأوّل عام1928م، الذي حدّد تعامل الأطباء البيطريين مع الحمير وبقية الحيوانات..
و تواصل اهتمام المجتمع البشري بالحمير وعقد أول مؤتمر دولي عن الحمير في مصر عام 2007م الذي أوصى بإنشاء أربع عيادات متنقلة للحمير..
واسست الجمعيات وحدثت بسببهم بعض النزاعات والمشاكل ورويت عنهم الاعاجيب والطرائف بما فيها حادثة الاتان التي تحولت الى نجمة شهيرة في صعيد مصر.. بعد ان عشقها جار لصاحبها مما دفع بمالكها لرصده وتمكنه من ربطه وتوثيقه ليلا .. قبل ان يستدعي الشرطة لتسجل تفاصيل الواقعة في ضبط رسمي .. ليس من الضروري ذكر بقية ما ورد فيه..
الاهم منها ما يتعلق بالعلاقة التاريخية بين معشر الحمير والبشر من قبل 5 آلاف عام.. التي اسفرت عن مقارنة غباء الانسان وجهله و وصفه بالحمار.. بالرغم من ان التاريخ يؤكد ويكشف عن دور الحمير في الحضارات القديمة.. منها الحضارة المصرية التي كان علماؤها يتنقلون في رحلاتهم الاستكشافية بمرافقة الحمير.
وإنّ الفرعون حرخوف الذي قام ببعثة للبحث عن البخور والعاج في أعالي النوبة كان قد اصطحب معه 300 حماراً عادت محمّلة بالأطنان .. كذلك في رحلات الاشوريين بين نينوى والاناضول حيث كانت قوافل الحمير والبغال تتجاوز احياناً على الالفين حيوان.. تنقل في حسابات زمننا ما ينقله قطار حديث.
عموما اصبح الحمير اصدقاء للفلاحين وبات الناس ينظرون لها كحيوانات راقية تستحق المزيد من الاهتمام والرعاية.. وتوسعت مجالات ومفردات التعامل مع الحمير ودخلت في احلامهم ورؤاهم واشتهرت في التاريخ الكثير من الحمير.. بسبب الهوس بها .. وشمل هذا الهوس الحكام والرؤساء والقادة المشهورين وعدداً من رموز الثقافة والفن من بينهم جاك شيراك.. الذي ابدى رغبته في تولّي رئاسة جمعية حمير فرنسا سنة 1911م .
ونظمت في المملكة المغربية مسابقة لأجمل حمار .. وهناك الكثير من الاحداث التاريخية التي ربطت من خلالها مواقف لها علاقة بصفات الحمير وتصرفاتها.. منها ما روي عن الاسكندر الكبير الذي واجه مقاومة أهل مدينة لقواته، وبعد دخولها قام برفس فيلسوفها الذي كان ممدداً يتفكر بأحوال اهلها في تلك الساعة الملتبسة، فقال له الفيلسوف .. ( الرفس من صفات الحمير ..عليك بطبيعة الملوك.. إياك وطبيعة الحمير ) ..
وتشير المعلومات الى ان جمعية الحمير المصرية قد انخرط فيها عام 1987م 35 ألف عضو، بينهم عدد من مشاهير المجتمع، وان الجمعية التي أسّسها الفنّان زكى طليمات عام 1932م قد انضمّ إليها أدباء وفنانين بينهم عباس محمود العقاد والفنانة نادية لطفي و التشكيلي سيف الوانلى وان الاعضاء كانوا يتراسلون مع زوجاتهم ويختتمون رسائلهم بعبارة .. مع خالص نهيقي أيتها الزوجة الحبيبة ..
وقد نجحت جمعية زكي طليمات الخاصة بالحمير في قلب المفاهيم الخاصة بنظرة الإنسان للحمار وبقية الحيوانات..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صباح كنجي