عاد ملف استقلالية القضاء العراقي، إلى واجهة الأحداث، بعد إعلانه تسليم وزير المالية الأسبق رافع العيساوي نفسه، على رغم الأحكام الصادرة بحقه، ما يفتح ملف القيادات السنية التي أقصاها رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، إبان السنوات الماضية.
وقال مجلس القضاء الأعلى في العراق في بيان، يوم أمس، إن القاضي المختص قرر توقيف العيساوي «لإجراء التحقيق معه عن الجرائم المتهم بها بعد أن سلّم نفسه إلى جهات التحقيق المختصة».
وأضاف البيان، أن أحكاما غيابية بالسجن عن جرائم فساد إداري كانت قد صدرت بحق العيساوي عندما كان يشغل منصب وزير المالية بتهمة «إحداثه الضرر بأموال ومصالح الجهة التي كان يعمل بها وفقا لأحكام المادة 340 من قانون العقوبات»، موضحاً أن هذه الأحكام في حال الاعتراض عليها سوف تعاد محاكمته عنها حسب أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تجيز للمحكوم غيابيا بالسجن الاعتراض على الحكم ومحاكمته مجدداً حضورياً وفق القانون.
ويعتبر العيساوي أحد أبرز السياسيين السنة حيث شغل العديد من المناصب من بينها وزير الدولة للشؤون الخارجية ووزير المالية في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بين عامي 2006 و2014 قبل أن يعزل بتهم تتعلق بما يسمى الإرهاب، وصفتها العديد من الأطراف بأنها كانت على خلفية دوافع سياسية.
تحالف سياسي خلف التسوية
في تفاصيل العودة، فإن مصدر سياسياً قال إن «رئيس تحالف الانقاذ والتنمية أسامة النجيفي، خاض حوارات سياسية مع عدة أطراف للتمهيد لعودة العيساوي، وإنهاء ملف إقصاء القيادات السنية، لما له من انعكاسات سلبية على أجواء العملية السياسية بشكل عام».
أسامة النجيفي
وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ (باسنيوز)، أن «رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أبدى ترحيباً بمقترح النجيفي، وساهم فيه كذلك، خلال زياراته المسؤولين وقادة الكتل السياسية لإتمام مسألة إعادة العيساوي، على أن يعقبها عودة شخصيات أخرى، مثل أثيل النجيفي، وغيره من القيادات السنية، التي اتُهمت بالفساد المالي أو الإرهاب».
وتابع، أن «التحالف الشيعي بالكامل تقريباً موافق على هذه العودة، لجملة أسباب، بعضها يتعلق برغبته بتنويع القيادات السنية، وعدم الاكتفاء برئيس البرلمان محمد الحلبوسي، خاصة وأن العيساوي لديه شعبية كبيرة في الفلوجة خصوصاً، والأنبار عموماً، لذلك لم تصدر بيانات رافضة لتلك العودة، وإنما بعض التساؤلات والتعليقات».
تساؤلات عن استقلال القضاء
ويقرأ متابعون للشأن العراقي، تماهي القضاء في البلاد، وانسياقه خلف التجاذبات السياسية في أكثر من موقف، خاصة في حقبة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حيث صدر أحكام بالسجن والإعدام بحق معارضين، مثل نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي، وصالح المطلك، وأحمد العلواني، وغيرهم.
وحصل الهاشمي على براءة من الانتربول الدولي لعدم كفاية الأدلة، وهو ما أثار ضجة حينها، بشأن آلية تعامل القضاء العراقي مع الأدلة التي يحصل عليها، ومدى انصياعه للسياسيين ورغباتهم.
طارق الهاشمي
وهذا السجال عاد اليوم وبقوة، حيث رأى النائب السابق محمد اللكاش، أن زعزعة ثقة المواطن بالقضاء من القضاء نفسه أمر محزن، فيما طالب بمحاكمة القاضي وكل أعضاء المحكمة التي أصدرت أحكامها بحق وزير المالية الأسبق رافع العيساوي.
وقال اللكاش في تصريح صحفي، إنه «في الوقت الذي نؤكد فيه على مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء وعدم الانصياع لإلى الضغوطات السياسيه ومغادرة الثقافة القضائية الصدامية، وهذا ما عملنا عليه منذ عام 2003 إلا أن زعزعة ثقة المواطن بالقضاء من القضاء نفسه أمر محزن».
وأضاف اللكاش، إننا «نؤكد ما أكدناه سابقاً في قضية المدان رافع العيساوي وقضايا أخرى ممن سبقه وممن يلحقه إن لم يثبت القضاء سلامة موقفه من إجراءاته القانونية بحق المدان رافع العيساوي، فإننا نطالب بمحاكمة القاضي وكل أعضاء المحكمه التي أصدرت أحكامها بحق المدان رافع العيساوي أو غيره».
وسبق أن عادت شخصيات أيضاً متهمة سواءً بالفساد أو الارهاب، ودخلت في غمار العملية السياسية، حيث عاد السياسي العراقي مشعان الجبوري، ومحمد الدايني، وتمت تصفية المشكلات القانونية، والاتهامات التي تلاحقهم.
الشرارة التي أشعلت النار
في هذا السياق يقول السياسي العراقي غيث التميمي، إننا «نرحب بعودة رافع العيساوي ومثوله أمام القضاء، وهذه رسالة مهمة جداً ينبغي التوقف عندها كثيراً، فما حصل بعد 2003 إلى الآن من إرهاب، وقاعدة، وداعش، ومشاكل وصراعات ومليشيات وسقوط حكومات ونشأة أخرى، وهدر للمال والطاقة والجهود، وكل هذه الأمور كانت بسبب الاسبتداد بالرأي والتعنت والتمييز العنصري والطائفي».
وأضاف التميمي في تصريح لـ (باسنيوز)، أن «الاتهامات الموجهة إلى العيساوي هي الشرارة التي أشعلت هذه النار، وفي نهاية المطاف ها هو العيساوي رجع، وسيمثل أمام القضاء، ونتمنى أن تكون العملية القضائية والإجراءات المتبعة شفّافة»، مشيراً إلى أن «التوقعات تشير إلى أن التهم ستكون كيدية وسيخرج منها براءة، وفي نهاية المطاف سيعود العيساوي إلى العملية السياسية».
رافع العيساوي
ولفت إلى أن «الشباب الذين ماتوا من كل الأطراف كانوا ضحية سياسو رعناء حمقاء متهورة لا تراعي مصالح المواطنين ولم تخدم مصالح العراق وخدمت نفوذ دولة أخرى، وهذا يؤكد أن دم العراقيين رخيص».
وفجرت تلك الخلافات بين العيساوي والمالكي، احتجاجات شعبية واسعة في المناطق الغربية، بسبب ما اعتُبر استهدافًا للرموز السنية، وتبع تلك التظاهرات أحداث كبيرة، انتهت بدخول داعش إلى هذه المناطق.
وبين عامي 2010 – 2014، شن المالكي، حملة واسعة ضد قيادات سنية، أبرزهم رافع العيساوي، وطارق الهاشمي، وعلي الحاتم سليمان، وأحمد العلواني، وغيرهم، حيث اتهمهم بالإرهاب، والتواطؤ مع الجماعات المسلحة، واعتقل حماياتهم.
ويقول هؤلاء السياسيون، إن تلك التهم أطلقت جزافًا، وليس لها أي دليل واقعي، خاصة وأن الانتربول الدولي أصدر براءة بحق نائب رئيس الجمهورية الأسبق، طارق الهاشمي، الذي حُكم بالإعدام من محكمة عراقية.
بدوره، رأى النائب في البرلمان العراقي، أسوان سالم، أن «فتح هكذا ملفات يصب في المصلحة الوطنية، فالعراق عاني كثيرًا من مسألة الإقصاء والإبعاد، ويمكن لنا اليوم فتح صفحة جديدة، وإعادة الملفات السابقة وتنقيتها، والتعاطي معها بصورة أفضل، إذْ أن تلك الفترة اتسمت بالضبابية وعدم الوضوح».
وقال سالم في تصريح صحفي، إن «عودة العيساوي وغيره، لها مساران، الأول يجب ثبوت براءتهم، والثاني عدم مرور مثل تلك الحوادث مرور الكرام، فالقضاء لا يمكنه إصدار أحكام بالسجن، ثم بعد ذلك يصدر أحكامًا بالبراءة، وهذه مسؤولية كبرى يتحملها القضاء»، لافتًا إلى «أهمية إعادة كل الحقوق التي ربما ترتبط بها مثل تلك القضايا، وتحييد الصفقات السياسية عنها، وتأطيرها بإطار القضاء».