أنها أزمة أمنية تفاقمت في ظل حكم الدين السياسي الراديكالي أو قل في ظل دولة الفشل أو في ظل دولة التفاهة التي وردت مقارباتها في كتاب ” نظام التفاهة ” تأليف الدكتور ألان دونوأستاذ الفلسفة الجامعات الكندية ، ترجمة د/ مشاعل الهاجري ، لا يخص نظاماً معيناً بل يقصد بطروحاته جميع النظم الشمولية والدكتاتورية ، لقد وجدتُ في هذا الكتاب الحداثوي التأليف : أن نظام التفاهة ينطبق حرفيا على جراحات شعبنا بعد الأحتلال الأمريكي البغيض التي وسعت جغرافية وطني المباع في مزاد العهر السياسي ، من أهم طروحات هذا الكتاب العجيب :
أدانة الرافض ، الصمت بدلا عن التفكير ، تحويل وسائل الأعلام إلى بوق للسلطة ، الصمت والأمتناع عن محاربة الخيار، يصبح الخيار مقياساً للعقاب والثواب ، تفريغ الحياة من السعي والبحث والتعليم والتطور ، الأغفاء والنأي عن متابعة ومجاهرة وتحدي نظام التفاهة ، تحدي للنظم والقوانين الوضعية ، تقديس الأفراد ، الأنصياع الفكري الأعمى ، ترميز التافهين وتحويلهم إلى رموز—- ؟! .
نحنُ الجيل المخضرم الذي عايش جميع الحكومات العراقية من النظام الملكي وثورة تموز التغيرية وعصر الأنقلابات المعرّفة بالبيان المرقم -1- تأكد لنا بأن التأريخ يكرر نفسهُ مرتين : مرّة كمأساة ومرّة كمهزلة كما قالها العم كارل ماركس ، وحقاً أن التأريخ كشف لنا وجهي العملة الرديئة ( المأساة ) المؤطرة ب(المهزلة ) بعد عام الأحتلال الأمريكي البغيض أو الأصح العهد الأمريكي في 2003الذي سلمنا وطناً ممزّق الخيمة ، منكسر الراية ، مغيّب السيادة ، مكبل اليدين ، مكمم الأفواه ، أسير عدة قوى متنفذة ، قد تكون محلية أوأقليمية أو دولية ، ربانها سياسيون متأزمون ، يفتقدون المشروع المستقبلي ، لكونهم منفصلين عن الواقع ، مسلوبي القدرة للخروج من مستنقع التطرف والكراهية البنيوية ، فهي حكومات طلاب ( حكم ) لا طلاب ( دولة ) وقدموا لنا أسوأ نموذج للحكم ، لم يشهدهُ التأريخ منذُ حكم أول رجل قانون ( أورنمو ) وحتى اللص بريمر ، حكومتان متداخلتان الأولى بيدها تلك المؤسسات الآيلة للسقوط ، والثانية المتمثلة بالدولة العميقة بتشكيلاتها العشائرية والكتلوية الفئوية الميليشياوية المسلحة بالطبع فهي التي تقود العراق ( ميدانياً ) ذات تأثير مباشر على مصادر القرار السياسي ، وكان لبعضهم مهمة تأجيج النعرات الطائفية فقط ، لذا سقطتْ عنها ورقة التوت ، وأنكشفت تجليات تداعياتها السيئة بتدوير نفاياتها التي تزكم الأنوف ، حيث وجد العراقي نفسهُ بعد 2003 في شبكة عنكبوتية من الفوضى الأمنية ، وفوبيا المجهول ، من الصعوبة تعداد أخطاء ومطبات وسلبيات حكومات المقبولية وتداعياتها على النسيج النفسي والروحي والتربوي ولم تثمر خلال سنيها الأربعة عشر العجاف غير الغثة والمتردية والنطيحة تجلت بوضوح في مطر السوء الساخن والتي تمثّلتْ بجرائم سياسية وأجتماعية وأخلاقية سادية متطرفة ك( جريمة خطف الأشخاص ).
مع الأسف الشديد أن هذه العمليات المعيبة ظهرتْ بشكلٍ جلي وواضح أثناء ” أنتفاضة تشرين 2019 ، حيث ( وثقت ) مفوضية الأمم المتحدة 79 حالة خطف وتغييب قسري في 24مارس 2020 بينهم أربع فتيات ، وتزايدت العمليات الأمر الذي هدد سلامة العشرات من الناشطين في تلك األأحتجاجات الشعبية ، حيث وصلت تداعياتها دولياً في كشف مصير المغيبين والمختطفين وشكلت قائمة بأسماء بعضهم {الكاتبين توفيق التميمي ومازن لطيف ، الناشط الدكتور ميثم الحلوطبيب لا يزال مصيره مجهولا ، مصطفى منذر عمره 20 عاما ، وصبا فرحان حميد 36 عام ، وكاظم كاطع لا يعرف مصيره لحد اليوم ، وأم خليل —– ووو} .
ثمة أخبار مرعبة في وطننا المبتلى – وما أكثرها – عن أرتفاع حالات الخطف والسرقة والنشل والسطو المسلح ، وهي موجودة ولكنها أعلنت عن نفسها جهاراً في وضح النهار ، خاصة بعد 2003 وأنتشار الفوضى وثم إلى ذروة العنف الطائفي في 2006و2007 كثرتْ ظاهرة الأختطاف والتي تسمى بلغة القانون الدولي في الأمم المتحدة (بالأختفاء القسري) ، وأزدياد أعداد العصابات والمافيات في مركز العاصمة بغداد خصوصاً وباقي عموم المحافظات حيث سجلت ملفات محاكم الجنايات في بغداد 31 حالة منذ بداية هذا العام الجديد ، والعجيب أن المجرمين يساومون ذوي المخطوف بمبالغ خيالية ربما لا توجد في مقاييس غيتس وبلغة عصرنة السرقة 30 أو60 شدة أو دفتر ، وتدفع الأسرة المنكوبة ما تيسر لها من ذلك المبلغ المرعب بأنتظار مخطوفهم يخرج سالما بيد أنهم يجدوه مقتولاً ومرميا على قارعة الطريق أو ربما على مكب النفايات .
تعد ظاهرة خطف الأشخاص من أخطر الجرائم التي يشهدها المجتمع المعاصر لكونها تتعلق بسلب الحرية الشخصية وما لها من تداعيات أجتماعية ونفسية على الفرد وعموم المجتمع ، ويتضح من خلال فلترة شخصية الخاطف السايكولوجية بأنهُ سادي السلوك ، وهو الجيل الذي خرج من رحم الحروب العبثية بهويات منسلخة من موجات الفوضى الناتجة من الخواء الفكري للسلطات الدينية الراديكالية وفشلها التام في أدارة الدولة المدنية ، والذي أضاف لها العهر الأمريكي من مخزون مخلفاته الفكرية الأستعمارية صنيعتها داعش الخلافوية المزعومة المكلفة بأدارة ناعور الدم العراقي بأبشع طرق جهاده المزعوم .
الأسباب/
-مادية لا للعوز بل لربما لسد الغرائز المحرمة الدنيئة لنزوات المجرمين .
– قانون العفوالذي أقره البرلمان في آب 2016 جاء بتسهيلات في فك وحلحلة حيثيات الجريمة .
– السيارات الرباعية وبعضها مظللة وهي مخصصة للأمن الداخلي فيستعملها المجرمون في جريمتهم الشنعاء في تظليل وأيهام الناس لكونها لا تفتش .
– أنهيار الوضع الأمني وعدم قدرة الحكومة على محاسبة المجرمين ، وخاصة الأختيار الخاطيء لوزير الداخية من خلال المحاصصة الطائفية فليس بالضرورة لدى الحكومة أن يمتلك حساً أستخبارياً أو قانونياً !!! وهنا قد تسكب العبرات حين يكون أغلب حالات أختطاف الأشخاص تقف وراءها جهات سياسية أو ميليشياوية تمتلك في الدولة العراقية مراكز متنفذة محاولة منها تمويل نفسها من خلال المبالغ المستحصلة من ذوي المختطفين .
– أنتشار السلاح لمن هب ودب وتدار من قبل مافيات منتشرة في جميع المحافظات وأي سلاح تطلب حتى كاتم الصوت !!! .
– أنتشار تعاطي أقراص الهلوسة والمخدرات بأنواعها وحتى باودر التخدير وبنسبة 85% .
– أتضح أن مرتكبي جريمة خطف الأشخاص من ذوي التعليم المنخفض أبتداءاً من أمي أو يقرأ ويكتب فقط أو لم يكمل المرحلة الأبتدائية .
– وتبين أن هذه النخبة الشاذة من جيش العاطلين عن العمل حيث يشكلون نسبة 75% من البطالة في العراق بنسب عالية قد تجاوزت 38% وأزدياد مطرد للحاجة للمال .
– وتبين أن نسبة 100% من عمليات الخطف في المدن وخاصة في بغداد ولم تظهر في الأرياف ، وذلك لتعدد حاجات الأنسان الضرورؤية والكمالية وتعدد أماكن اللهو والعبث الغرائزي .
– أنتشار الفقر بنسبٍ عالية قد تكون 40% ، ولم لا أذكّرْ القراء الكرام في زمن الحصار الجائر الذي فُرض على الشعب العراقي في العهد الصدامي أدت إلى ظهور ضعاف النفوس وأرتكابها مثل هذه الجرائم .
– الحالة الأجتماعية أكثر الخاطفين غير متزوجين بنسبة 90% وعلاقاتهم بأسرهم غير جيدة .
أهم المعطيات
-التأثير المباشر على المجال الأستثماري بأمتناع الشركات الأستثمارية في العمل ضمن هذا المناخ الموبوء.
– أتساع ظاهرة الهجرة الداخلية والخارجية ، بأستهداف خيرة الأكاديميين والأدمغة من الكفاءات العراقية لمغادرة البلاد بعد الكشف عن خطف الكثير من الأطباء وقتلهم ورميهم في مكبات النفايات لأسباب شتى قد تكون مادية أو أنتقاماً فئوياً بيد العصابات الطائفية التي أصبحت خصماً للعلم .
– أنهيار أخلاقيات المجتمع بالأتجار بالبشر أو أخضاعه للعبودية والعمالة القسرية والتحرش الجنسي .
– وقتل المختطف بدم بارد من قبل هذه العصابات الغير سوية والسادية شاركت حمامات الدم للنظام السابق والسيف الداعشي الدموي في ناعور الدم المستمر لحد اليوم .
وأخيرا / أن عمليات الأختطاف لا يمكن أن تنتهي ألا بتفعيل القانون وسد ثغراته التي يستثمرها المختطف والضرب بيد من حديد
كما نصحت المرجعية وأن يكون أختيار وزير الداخلية مستقلا مهنيا حرفيا غير خاضعاً للمحاصصة البغيضة ومن ذوي الخبرة في العمل الأستخباري والحس الوطني ——
كاتب وباحث عراقي مغترب
حزيران 2020 ستوكهولم