منذ اسابيع والعملة الإيرانية (التومان) تشهد تراجعا كبيرا امام الدولار الامريكي وبقية العملات في السوق الموازية، وقد بلغ التراجع خلال الأيام الاخيرة مستويات قياسية وبسرعة كبيرة. فسعر صرف الدولار في السوق الإيرانية تجاوز حاجز الثمانية عشر الف وخمسمائة تومان مهددا مدخرّات الناس، دون أن يؤثّر على أصحاب رؤوس الاموال. فإنهيار سعر صرف التومان مقابل الدولار الامريكي يؤدي الى انخفاض القوّة الشرائية للمواطنين الايرانيين، ما يؤثّر بشكل كبير على حياة محدودي الدخل والموظفين ذوو المداخيل الثابتة والمتقاعدين، الذين ستزداد معاناتهم نتيجة إرتفاع اسعار السلع متأثرة بالتضخم الناتج من انخفاض المداخيل النقدية الحقيقية.
هل سعر الدولار الامريكي يتأثر بالأوضاع السياسية التي تعيشها ايران أم بوضعها الاقتصادي وتداعياته، هذا السؤال يجيب عليه مرتضى عزّتي أستاذ الإقتصاد بجامعة ” تربيت مدرّس” قائلا ” إن سعر العملة الأميركية في إيران يخضع للحسابات السياسية أكثر من المؤشرات الاقتصادية، مما يجعل التكهن بالمستقبل عملية عصيبة “، الا أنّ الباحث الإقتصادي مرتضى ميري وقبل بدأ السنة الفارسية الجديدة ( 21 آذار/ مارس 2020 ) قال: ” أن ظروفا عصيبة تنتظر العملة الإيرانية خلال العام الإيراني الذي سيبدأ في 21 من الشهر الجاري، وتوقع أن تتراجع أكثر من ألف ريال مقابل الدولار الذي سيبلغ سعره 170 ألف ريال في العام الإيراني الجديد – سعر الدولار اليوم 187200 ريال”.
الحصار المفروض على إيران وفساد السلطة فيها والمضي قدما في برنامجها النووي وتحديثها المستمر لترسانتها العسكرية محليا، والأهم تدخلها المباشر في شؤون الدول الأخرى كسوريا ولبنان واليمن، تعتبر من الأسباب الرئيسية لتراجع الاقتصاد الايراني، والذي أصبح اكثر قتامة وفق وجهة نظر الباحث مرتضى ميري الذي قال: “نظرا للتطورات الأخيرة ووقف الصادرات خلال العام المقبل (العام الإيراني)، فإننا سنواجه عجزا في احتياطي البلاد من العملة الصعبة، لا سيما علی ضوء إغلاق الحدود وتوقف تصدير البضائع غير النفطية إلی الخارج”.
إذن فالعامل السياسي هو الذي يؤثّر في أوضاع إيران الاقتصادية، كونها تستطيع أن تتجاوز الكثير من ازماتها فيما لو إنتهجت سياسة مغايرة لما تنتهجه اليوم. خصوصا وأنّ تدخلاتها في لبنان وسورية واليمن واللواتي إنهارت عملاتها أسوة بالتومان قد أنهكت الأقتصاد الإيراني بشكل كبير، ما أثّر بشكل اكبر على أوضاعها الداخلية. فتظاهرات الشعوب الإيرانية نهاية العام الماضي إندلعت بسبب رفع اسعار البنزين من قبل السلطات، وكدليل على إستهتار السلطة هناك بحياة الناس ومشاعرهم نراها تقوم اليوم بإرسال البنزين الى فنزويلا لتخفيف نقصه الحاد هناك، وقد فعلت نفس الأمر مع سوريا العام الماضي.
سلطة العصابة في العراق تفعل المستحيل لضخ الروح في الإقتصاد الإيراني، فالبدء بفتح المعابر الحدودية معها لتسهيل دخول البضائع الإيرانية للبلاد ومنافستها للمحلية منها ليست وليدة اليوم، بل هي إستمرار لنهج سياسي مدمّر لإقتصاد العراق. وسلطة المحاصصة ذات الطابع الشيعي لا تكتفي بإستيراد ما تنتجه السوق الإيرانية وإن كان فضلات بشرية!! بل تعمد وبإصرار غريب على حرق المحاصيل الزراعية وقتل الأسماك وإغراق السوق المحلية بكل البضائع الفاسدة. والسلطة نفسها تضخ المليارات سنويا في الإقتصاد الايراني عن طريق مزاد العملة والذي يعتبر من أشهر اوجه الفساد بالبلاد.
لو كنا قد دفعنا لايران مبلغ 100 مليار دولار كتعويضات لحرب شنّها صدّام ورفض الخميني إنهائها قبل ان يتجرع السم اخيرا مثلما طلب عبد العزيز الحكيم وقتها مقابل ان يكون لدينا موقف وطني، لكنّا قد وفرنا مئات مليارات الدولارات التي نهبتها ايران عن طريق وكلائها من زعماء الاحزاب والميليشيات والعصابات والمافيات الشيعية. على السلطات الإيرانية ان لاتخاف مطلقا على وضع التومان الإيراني ولا على وضعها الإقتصادي، فاسواقنا ونتيجة خيانة ساستنا لبلدنا وعمالتهم لها ستستمر مفتوحة امام بضائعهم، وعملتنا الصعبة ستّهرّب اليهم بإستمرار، واموالنا المنهوبة ستستثمر في بلادهم.
لكي تكتمل اوجه الكارثة في العراق فأنّ اللقاء الذي جرى بين رئيسي البنكين المركزي الايراني عبد الناصر همّتي والعراقي علي العلّاق مؤخرّا، تكمن في اتفاق ايران مع الجانب العراقي بإستخدام مواردها المالية الكبيرة بالعراق!! لشراء إحتياجاتها من السلع التي لا تستطيع شراءها من السوق العالمية نتيجة الحصار المفروض عليها عن طريق البنوك العراقية، اي تحويل التومان الايراني و الدينار العراقي الذي تحصل عليه من خلال عمليات اختلاس الاموال التي يقوم بها الحرس الثوري الايراني عن طريق مؤسسة ” لجنة إعادة إعمار العتبات المقدّسة” في العراق ” ستاد باز سازي عتبات عاليات” والمسؤولة عن أذرع أخطبوطية تنهب المال العراقي العام بمعرفة غالبية الساسة الشيعة وبمساعدتهم، وكذلك الاموال التي يحصل عليها الحرس الثوري من خلال عمليات التهريب وغسيل الاموال من خلال شركات وهمية او شركات بادارة عراقية شيعية تعمل لصالحها، الى العملة الصعبة وتهريبها للداخل الإيراني أو إستخدامها في المعاملات المالية عن طريق البنوك العراقية.
ومن هنا نقول “آقايان”، ايها السادة الإيرانيون، عليكم ان تقلقواعلى اقتصادكم وتومانكم متى ماكانت لدينا حكومة وطنية تهمّها مصلحة شعبها، لكن والأمر هو كما اليوم فعليكم ان تضعوا ” في بطونكم بطيخة صيفي” كما يقول المثل.
زكي رضا
الدنمارك
18/6/2020