ستظل سنة 2003 بارزة في تاريخ العراق المعاصر كونها شهدت سقوط نظام استبدادي تسلُّطي أمعن في قمع شعبها وكبح طموحها نحو الحرية والتقدم.
كان يُرجى من «العراق الجديد» فتح صفحة جديدة في تاريخە مفتوحة على الكثير من الاحتمالات المتفائلة بغدٍ عراقي أفضل، لکن الحقيقة جاءت وللأسف بخلاف وعکس ذلك.
القيادة الكوردستانية کانت والی الیوم مع بناء عراق جديد يؤمن بنظام توزيع السلطات و مؤسسات دستورية تمارس الحكم الديمقراطي، علی أمل أن تبتعد بغداد عن الشمولية والحکم المرکزي و حکم الحزب الواحد ولغة الحرب، التي کانت اللغة الوحيدة والسائدة لعقود من الزمن في العراق و أن تمارس الفدرالية بعيداً عن تهميش و إقصاء و لغو الآخر المختلف وتطبيق نظريات الإصطفاء العقائدي والفرز العنصري و التطهير العرقي.
کان الهدف من مبادرات القيادة الكوردستانیة في حینه هو العمل مع القوی الوطنية في سبيل توظيف طاقات هذا البلد البشرية نحو البناء و التنمية الإقتصادية والإجتماعية المنتجة و القيام بنبذ فلسفة عسكرة المجتمع و خطاب التهديد و سياسة التحشد والتجند و تکتیکات حصر إمکانات الدولة من أجل الهجوم علی الآخر المختلف.
الرئيس مسعود بارزاني ، الذي يحمل رسالة قومية و ينثر بأفعاله و أقواله المحبة بين أفراد الشعب الكوردستاني والعراقي ويشيع التفاهم مع المحیط الإقلیمي و يخاطب العالم بلغة انسانية بليغة، حمل عام 2003 شعلة السلام الكوردية الی بغداد، مع إیمانه الکامل بأن السلام هو مدخل و أساس من أسس الإستقرار وأن العنف هو من صنع البشر.
ففي خطبه ومناقشاته العلنية يٶكد الرئیس بارزاني دوماً بأننا قادرين على تفكيك هذا القضاء، لإعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة.
هذه القناعة هي إستراتيجية عمل وسياسة لحلِّ النزاعات. المنطق يقول، من يستطيع التفكير بعقل تداولي يكون قادر علی أن يتغير لكي يسهم في تغيير سواه علی نحو مثمر وخلاق.
إن هذه المعادلة خلقت الاستقرار السياسي في إقليم كوردستان وبفضلها تمكن الإقلیم أن يواجه التحديات التي تفرزها شبكة العلاقات الاقليمية المعقدة في منطقتنا بشكل مستمر.
وتحت هذه المظلة من الاستقرار السياسي والقدرة على اتخاذ القرارات السياسية الحكيمة قدمت القيادة السياسية في إقليم كوردستان وما يزال الدعم السياسي اللامحدود لإنجاح عملية الحوار مع بغداد و ذلك لحل القضايا العالقة معها في إطار الدستور بشکل مدني و عقلاني أولاً وخلق أجواء مليئة بالأمن والإستقرار ثانیاً.
فمن خلال تثبیت الأمن والإستقرار وصون السيادة يمکن لکل من الإقلیم والعراق أن يكونا فاعلين حيويين في مسيرة البناء والتنمية على مختلف الصعد و أن يحافظا معاً، بحسب سياسة التفكير والعمل معاً ومنطق التبادل وفلسفة التعايش والتواصل، على وحدة وسيادة العراق.
فالاستقرار بصورة عامة، فضلاً عن التماسك الاجتماعي، يمثل صمام الأمان في أي مجتمع بما يمنحه من فرص للنمو والتطور وقدرة على مواجهة مختلف التحديات الداخلية منها والخارجية.
ففي هذا الزمن المعولم وفي ظل أزمة تفشي وباء کورونا لم يعد من الممکن تأجيل القضايا العالقة والمزمنة أو إهمال إقامة ديمقراطية حقيقية قائمة على الحوار والتعددية والاحترام تضمن نشوء دولة الإنسان، تلك الدولة التي تمارس الحياد الإيجابي تجاه قناعات ومعتقدات وأيديولوجيات مواطنيها وتضمن الأمن الإنساني والسياسي ونحن نعيش مرحلة الفوضی واللاإستقرار السياسي في المنطقة والعالم والتي من الممکن أن تؤدي الی تغيير جذري في النظم السياسية والإجتماعية علی المستوی الأقلیمي والعالمي.
ختاماً، علینا بخلق و بناء آفاق واعدة لمداخل وأسس الاستقرار في إقلیم کوردستان والعراق، من خلالها يکمننا أن ننتج ونحقق في النهاية مجالات واسعة لحرية الإبداع والتفكير وتكريس الديمقراطية والحكم الرشيد و نکون أيضا قادرين علی رفع الحجر عن الفكر باسم الدين، ونشر ثقافة الحوار والاختلاف والمسؤولية والمحاسبة وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وترسيخ ثقافة الاحترام والتسامح والنزاهة والكفاءة وتداول السلطة وتقوية عوامل التماسك الاجتماعي بين مختلف الفئات المجتمعية في الإقلیم والعراق.