الأحد, نوفمبر 24, 2024
Homeاخبار عامةمعاناة الاطباء الان في طوارئ مدينة الطب ببغداد في زمن الكورونا

معاناة الاطباء الان في طوارئ مدينة الطب ببغداد في زمن الكورونا

مواقف واجهتني في آخر خفارتين

المكان: طوارئ مدينة الطب

 

 

الموقف الأول:

مما لا يخفى عليكم هي الأعداد المخيفة المتزايدة هذه الأيام للمصابين.

بطبيعة الحال، الأوكسجين في المستشفى لا يكفي لتغطية كافة المصابين.

شنو اللي ديصير حاليا؟ وصلت مرحلة كل مريضين أخليهم على قنينة أوكسجين وحدة!

دتتصورون الموقف؟ هذا الأوكسجين هو حياته لهذا الشخص ونفسه اللي يعيشه، ومن دونه يموت، أخلي مريضين على كل قنينة، كل شوية واحد منهم ياخذ كم نفس وينطي للمريض الآخر، لحد ما يتخربط ويرجع يتنفس شوية علي، ويعوفه مرة لخ!

 

 

الموقف الثاني:

مريضة متوسطة العمر وياها ابنها وبنتها أعمارهم نهاية العشرينات، إجتي للطوارئ كالمعتاد تعاني من صخونة ونحول شديد وگحة وانخفاض شديد في نسبة الأوكسجين في الدم، المفراس الحلزوني للصدر يبين انتشار الفايروس في كل أجزاء الرئة تقريباً، كل شيء يدل على انتشار الڤايروس لمرحلة متقدمة جداً في جسدها.

توفيت المريضة بعد ١٠ ساعات من دخولها للطوارئ.

اتجهت لمكان جلوس الطبيب في الطوارئ لكتابة ملاحظات الوفاة والساعة والتأريخ، رجعت لتسليم الكارت للأهل، شنو اللي شفته؟

الابن مگابل والدته المتوفية على سريريها ويسويلها إجرائات الإنعاش الرئوي، ويضغط على صدرها ويحاول يحييها، والبنت تبوس بيها وحاضنتها ممصدگة باللي دتشوفه عينها.

موقف مخيف! متعرف تنتقد الأهل لأن مملتزمين بإجراءات سلامتهم ومعرضين نفسهم لهيچ خطورة بشكل مباشر لو تنقهر عليهم وعالحالة الهستيرية اللي هم بيها!

 

الموقف الثالث:

موقف متكرر.. نستقبل أحد مرضى الفشل الكلوي المزمن المشتبه بإصابته بالڤايروس، هذا المريض يحتاج عناية طبية معينة لكن تقديم هذه العناية الطبية قد تكون على حساب بقية المرضى إن كان المشتبه به مصاب فعلا، قرارات يحسب لها ألف حساب قبل اتخاذها!

كما متعارف عليه بأن أغلب هؤلاء المرضى يحتاجون لغسل الكلى على الأقل مرتين أسبوعياً لإزالة السموم من الجسد واستعادة حيوته.

شنو موقف الطبيب هنا؟ حيدز على عمل مسحة أكيد، زين واثناء انتظار المسحة؟ إذا قرر الطبيب إدخال المريض المشتبه به لردهة الغسل الكلوي وكان مصاب بالڤايروس فعلاً فسيكون سبب لنقل العدوى لبقية المرضى والمعروفين بضعف مناعتهم، واذا منعه من الدخول لردهة الغسل فسيموت المريض من مضاعفات الفشل الكلوي! حيرة ما بعدها حيرة!

قرارات مصيرية تضع مرضى كورونا في خصوصية تامة عند التعامل معهم. توفير الخصوصية التامة لجميع متطلبات المرضى المصابين وعزلهم أصبح من المستحيل مع تزايد عدد الإصابات الهائل، وهالشي محزن جداً.

 

الموقف الرابع

الساعة 7:55 صباحاً، ٥ دقائق قبل انتهاء خفارتي الليلية.

مريضة، والدة طبيب زميلنا (صدف أن كان هذا الطبيب خفر ويانه في نفس الخفارة) استقبلناها في الطوارئ تشكو من نحول وصخونة لمدة يومين فقط لا غير، نسبة الأوكسجين في الدم قليلة جدا!!

أحد أخطر الأعراض السريرية لڤايروس كورونا اللي دنلاحظها هذه الأيام هو “نقص الأكسجة الصامت”، الرئة تبدي تدريجيا تتآكل ويتزامن هذا مع تكيف الجسم، فالمصاب لا يشكو من أي أعراض في المراحل المبكرة.

خليناها على أوكسجين بالسرعة الممكنة وسوينالهه مفراس، توفيت بعد ٢٠ دقيقة من دخول الطوارئ.

أثناء إجراء پروتوكولات الإنعاش الرئوي وقف ابنها الطبيب جانباً ولم يستطع التدخل!

شگد ما أكتب ما أگدر اوصف كمية المشاعر في هذا الموقف! صعب جدا جدا..

 

الموقف الخامس:

استقبلنا نداء عن وصول أحد مرضى سرطان الدم إلى الطوارئ في غضون ١٠ دقائق. استغليت فرصة وفاة أحد المرضى قبل قليل لحجز قنينة الأوكسجين لمريض سرطان الدم القادم.

بهالأثناء استقبلنا حالة مستقرة نسبيا لمريض وزوجته مصابين بڤايروس كورونا يكادون أن لا يشكون من أي أعراض، الزوج شاف قنينة الأوكسجين وطلب استعمالها، رفضت هالشي ووضحت إنها محجوزة لمريض سرطان الدم القادم للطوارئ وكون حالته وحالة زوجته مستقرة ولا تتطلب أوكسجين.

دقيقة وحدة وأشوف أحد معيني الطوارئ شايل قنينة الأوكسجين راكضاً لزوجة هذا المريض وبدأت هي باستعمال القنينة بعد ما أعطى الزوج مبلغ مالي معين لهذا المعين.

تتسائلون شنو موقفي آني كطبيب؟ ببساطة خليت مريض سرطان الدم يتشارك قنينة أخرى مع مريض تعبان آخر.

ليش؟ لأن أي تصرف مني أو مشاجرة أفتعلها مع هذا المريض وزوجته حتنعكس نتائجها على الكادر الصحي وحتلهينا عن رعاية المرضى المتبقين في ظل هذا الزخم الكبير، وسيئاتها حتكون أكبر من إيجابياتها. إي نعم هذا اللي صار بدون أي مبالغة!

 

الموقف السادس:

موقف متكرر كل يوم نسمعه من مرافقي مرضانا.

دكتور ليش ما عدكم أوكسجين؟ ليش متنطونه أوكسجين؟ وين أودي أبويه، أمي كل المستشفيات مقپطة؟ ليش متخلون الله بين عيونكم يا أطباء؟

دكتور هالعلاج ليش ما عدكميا بالطوارئ؟ دكتور وين إنسانيتكم أجيبلك ابويه متخربط وتگلي ما عدكم سرير إنعاش أو تحويل لمستشفى العزل؟

 

بالرغم من كل التعب وكلشي دا أقدمه كطبيب، وهذا واجبي دا أسوي!

أكثر شغلة تحز بيه تعرفون شنو؟ أكثر شعور مؤذي ومحبط هو عندما المريض يحملني مسؤولية سيئات النظام الصحي، ميگول هذا طبيب يحاول يعالجني بأبسط المواد اللي متوفرة إله، يتصور أنه الحل والربط بأيدي ومدا أقدمله الرعاية اللي يستحقها.

 

أقرب الصورة أكثر؟

حرفياً الطبيب العراقي هو مقاتل جاي لساحة معركة بدون أسلحة وعتاد.

 

الله يوفق الجميع ويحفظلكم أهاليكم وأحباءكم.

 

د. أحمد عقيل شاكر

طبيب مقيم دوري / مدينة الطب

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular