الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024
Homeاراءالفرمان الأسود : رحمن خضير عباس

الفرمان الأسود : رحمن خضير عباس

 

الفرمان الأسود فيلم وثائقي للمخرج نوزاد شيخاني، وهو مغترب عراقي يعيش في ألمانيا، وقد استطاع من خلال أدواته الفنية أن يدافع عن الإيزيديين، وأن يفضح الممارسات الهمجية التي مورست ضدهم ، من قتل وإبادة وأسر واغتصاب. لقد حاول إيصال أصواتهم المكبوتة إلى العالمومن خلال اللقطات المتتابعة، يتغلغل الفيلم بين ركام الأجساد البشرية، للبحث عن الدفق الإنساني، كما يصوّر هول الألم الذي تعرضت له النسوة وهن ينتظرن الأسر والبيع في الأسواق، وعن أرواح الضحايا التي أزهقت بوحشية من قِبَلِ هذه المجاميع من القطعان البشرية، التي اعتقدت بأنها تقوم بنشر الإسلام والعودة به إلى عصر خلافة الراشدين.
لقد عرض المخرج نوزاد الكثير من المشاهد المؤلمة، والتي أصبحت وثائق رسمية للإبادة الجماعية، والتي اعتمدتها محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهذا يعتبر بحد ذاته إنجازا كبيرا للسينما الملتزمة والتي اعتمدت على توثيق الجرائم لعرضها على العالم، ومن ثمة إدانة الفعل وإنصاف الضحية.
وفد اختار عنوان فيلمه بعناية، وأطلق عليه الفرمان الأسود، وكأنه امتداد للفرمانات الكثيرة التي أصدرتها الإمبراطورية العثمانية في اضطهادها للإيزيديين عبر التاريخ. والفرمان في اللغة التركية يعني القانون الذي بموجبه تلقى الايزييون الكثير من حروب الإبادة. والتي استهدفت ديانتهم ومعتقداتهم، وماتخلل ذلك من سفك دماء واغتصاب وتدمير لهذه المجموعة البشرية المسالمة، والتي عانت الويلات تاريخها، وكان هذا الفرمان قد اكتسب لونه من راية داعش السوداء، ووحشيتها الأكثر سوادا. وكأن المخرج يريد أن يبرز من خلال عنوان الفيلم تاريخ الحروب التي تكررت، وآخرها مجزرة داعش بعد احتلالها للموصل والتي تمت من خلال ضعف وتفكك الحكومة العراقية آنذاك، التي انهزم جيشها وشرطتها من المنطقة، وتركت المواطنين في مواجهة الموت.
لقد كان فيلم الفرمان الأسود من الأفلام القصيرة، ولكنه كبير في حمولته ومضامينه وعطائه، فكل ثانية منه تتقافز الدموع ويُسفك الدم وتحرق البيوت ويصرخ الناس، في مشاهد حقيقية من بؤرة الحدث، ومن خلال نفس الضحايا.
كان الفيلم يترجم القضية التي أراد أن يريها الى كل العالم، وهي ان شعبا مسالما قليل العدد والعُدَّة، يعيش في ارضه التي نشأ عليها منذ بزوخ التاريخ، هذا الشعب يُضطهد ويُباد على مرأى ومسمع كل العالم المتحضر. وتقوم قطعان داعش المنفلتة عن القيم الإنسانية النبيلة، بقتل أبنائه وترويع إطفاله وسبي نساءه، باساليب بربرية لم يعرف لها التأريخ الحديث مثيلا.
ورغم أنه اعتمد على تجميع الكثير من الوثائق والصور والفيديوات من مختلف المصادر، حتى من وثائق داعش ذاتها، ومن خلال القنوات الفضائية والمراسلين العالميين والمحليين، والقنوات الأجنبية والعربية والكردية. ثم قام بتركيب الصور والفيديوات بطريقة جعلت الفلم يعكس حجم الفجيعة التي تعرض لها الايزيديون، ودفعوامن خلالها فاتورة باهظة من الدم والعذاب والذل.
ولعل منظر الطفلة الصغيرة التي كانت تحتضن دميتها وتحاول أن تغمض عيني الدمية، كي لا ترى مشاهد الرعب والقتل والقصف، تعتبر صفعة للحس الإنساني الذي توقف عن النبض.
استطاعت هذه اللقطة أن تفجّر مشاعر الأسى عند المشاهدين. الذين كانوا يستمعون الى إسلاميي داعش الذين يتوعدون الناس بالشريعة، ويؤكدون أنهم يطبقون حدود الله واوامره، وان شرع الله لا يقوم إلا بقوة السلاح. وفي الجانب الاخر تسمع صوت أحد الايزيديين وهو يجهش بالبكاء ويشكو أمره الى الله بقوله:
” ماذا فعلنا يا ربي ”
لقد كانت اللقطات تنهمر بقوة. القتل والحرق والإعدامات والهروب الى الجبل. تصرخ طفلة صغيرة وهي تبكي في لوعة وتتحدث عن موت اَهلها عطشا وموتا. رجل طاعن في السن يبدو في حالة من الدهشة والذهول. ترتسم بين غضون جبهته كل خيبات التاريخ البشري الموغل في الكراهية والهمجية.
طفل صغير كأنه الملاك يضحك ببراءة، وفجأة تتحول قسماته إلى موجة من العويل المدمر والموجع، بينما تحيط به مجموعة من الرجال ذوي الملامح المتجهمة.
الهروب الجماعي من سنجار. قوافل من الناس الذين يهيمون تحت الشموس المحرقة، يلتحفون بخوفهم ولوعتهم. صور للبرلمان العراقي وهو عاجز عن الفعل، بينما عضو البرلمان الايزيدية تبكي وتصرخ قائلة:
” إن شعبنا الايزيدي يُذبح تحت راية لا اله الا الله ”
لقد نجح الفنان نوزاد شيخاني في رسم لوحة سينمائية مؤلمة عن واقع المذبحة والتخريب والقتل الذي طال الشعب الأيزيدي.
لم يكتف الفيلم بالتوثيق، بل وجّه أصابع الاتهام إلى كل من ساهم في هذه المأساة، حتى تحول إلى صرخة لرفض الإرهاب وإدانته. كما كان صفعة للضمير الإنساني الذي وقف عاجزا عن إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular