أثار اغتيال المحلل والخبير الاستراتيجي هشام الهاشمي، صدمة كبيرة في العراق والوطن العربي والعالم كذلك، ومخاوف بشأن ما وصلت إليه سطوة الميليشيات الموالية لإيران وانتهاكها للقانون في العراق.
وكان ثلاثة مسلحين يستقلون دراجتين ناريتين أطلقوا النار من مسافة أمتار على الهاشمي، الذي كان يستقل سيارته أمام منزله في منطقة زيونة في شرق بغداد، وشيع عشرات المتظاهرين في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية، الثلاثاء، الهاشمي بجنازة رمزية غاضبة هتفوا فيها “حزب الله عدو الله”، وطالبوا خلالها الحكومة بالقصاص من قتلة الهاشمي.
ورفع المشيعون الغاضبون صورا للمرشد الإيراني علي خامنئي والدماء تسيل من فمه وعليها عبارة “خامنئي قاتل”، محملينه المسؤولية عن عمليات الاغتيال التي تقوم بها الميليشيات المدعومة إيرانيا.
وتوعد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بملاحقة القتلة، وقال: “لن نسمح بأن تعود عمليات الاغتيالات ثانية إلى المشهد العراقي”.
موقفه من الميليشيات
نادر هاشمي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر، قال لموقع ميديا لاين إنه “يجب فهم اغتيال هشام الهاشمي في سياق تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، التي يعتبر العراق ساحة قتال رئيسية فيها”، واعتبر أن اغتياله هو ردّ إيراني على اعتقال أعضاء من كتائب حزب الله.
وفي أواخر يونيو الفائت داهمت قوات مكافحة الإرهاب قاعدة لكتائب حزب الله في محاولة لكبح جماح الميليشيات المدعومة من إيران التي تعمل بشكل مستقل في العراق، واعتبر هاشمي أن هذه خطوة جريئة من رئيس الوزراء.
وذكر أن “إيران ترسل رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة والحكومة العراقية مفادها أن ميليشياتناقادرة على استعراض قدراتها وعضلاتها بحال حاول الكاظمي تقييد نفوذنا في العراق”، مضيفا أن هشام الهاشمي تم استهدافه بسبب آرائه وانتقاده للميليشيات المدعومة من إيران.
وأكد أن الهاشمي كان يحتقر الطائفية ودافع باستمرار عن سيادة القانون والدولة، وأنه رجل وطني لا يعرف الخوف استطاع وصف الواقع وتحلليه بموضوعيه، مشيراً إلى أنه كان صريحًا في معارضته للجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية.
وأضاف أن آخر ما فعله الهاشمي قبل وفاته بدقائق أنه انتقد “خلايا كاتيوشا” التي تطلق الصواريخ على البعثات الدبلوماسية في المنطقة الخضراء ببغداد، وصرح أن انتقاد الهاشمي المتكرر للميليشيات المدعومة من إيران في العراق جعله هدفًا لهم، مضيفا: “قال لي إنه تلقى تهديدات عدة مرات لأنه يتحدث بصراحة”.
الاغتيال الوحشي
وكانت الخارجية الأميركية دانت ما وصفته بـ”الاغتيال الوحشي” للمحلل الهاشمي، ووفق بيان صحفي طالبت الخارجية بضرورة تقديم مرتكبي “الجريمة الشنيعة” إلى العدالة.
وأوضحت أن التقارير تظهر أن ميليشيات إيرانية مدعومة من إيران تشيد باغتياله، وهذا يعد سلوكا سيئا تجاه القيم التي يعتز بها الشعب العراقي.
كما قالت الممثلة الأممية الخاصة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت في تغريدة: “صُدمنا باغتيال الدكتور هشام الهاشمي. نُدين بشدّة هذا الفعل الخسيس والجبان”، داعية الحكومة إلى “تحديد الجناة بسرعة وتقديمهم للعدالة”.
من جانبها اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز أن اغتيال الهاشمي رسالة إلى الحكومة العراقية الجديدة، وأنه تحدي صارخ للحكومة وجهودها المعلنة لفرض سيادة القانون.
رسالة للحكومة
وبالرغم من عدم إعلان أي جماعة أو شخص مسؤوليته عن الحادث، أكد محللون أمنيون وسياسيون أن أي جماعة أو شخصية أمرت بقتله كانت ترسل رسالة للحكومة.
وقال مايكل نايتس، محلل أمني في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “الأمر كله يتعلق بالكاظمي، لأن الهاشمي كان قريبا من دائرة رئيس الحكومة”، مشيراً إلى أن الانتقادات اللاذعة للميليشيات من قبل الهاشمي لم تكن جديدة، ما تغير مؤخرًا هو وصول الكاظمي إلى السلطة.
وقال عزت الشابندر، وهو سياسي عراقي قديم مقرب من قوات الأمن “هذا أكبر مؤشر على أنه لا توجد دولة، المليشيات المدعومة من إيران، وداعش والقوات الأميركية في العراق كلها أقوى من الحكومة”.
يذكر أن الهاشمي كان قد اتخذ موقفاً داعماً بشدة للانتفاضة الشعبية التي انطلقت في العراق مطلع أكتوبر الماضي للمطالبة بإصلاح شامل للنظام السياسي العراقي والتنديد بموالاة الحكومة السابقة إلى المعسكر الإيراني.
وخلال موجة الاحتجاجات التي استمرت ستة أشهر، اغتيل عشرات الناشطين أمام منازلهم بأيدي مسلحين مجهولين، غالباً ما كانوا يستقلون دراجات نارية، وتؤكد السلطات مراراً عدم قدرتها على تحديد هوية الجناة.
وفي سبتمبر الماضي، وحتى قبل بدء التظاهرات غير المسبوقة، هدّدت جماعات موالية لإيران على الإنترنت، الهاشمي و13 شخصية عراقية أخرى، بالقتل، وفي حملة المضايقات الإلكترونية، هوجم الهاشمي واتّهم مع آخرين بأنهم “عملاء” و”خونة الوطن”.