لم يعد مرتكب أي جريمة مجهولا في عصر التكنلوجيا ، وبالرغم من الدلائل والقرائن التي تصاحب عملية القتل ، فأن الأساليب والوسائل التي تتوفر للمحقق كفيلة بتسهيل عملية الكشف عن تلك الأدلة التي تدفع للقبض على المتورط بارتكاب الجريمة ، وبالتالي محاصرته وصولا الى اعترافه وتقديمه للمحاكمة ، وعمليات الاغتيال التي مورست منذ فترة ، وعملية الاغتيال الأخيرة التي طالت الخبير الأمني والمحلل السيد هشام الهاشمي واحدة من تلك الملفات التي توفر للمحقق الوصول الى الجناة بمدة زمنية غير بعيدة ، فكاميرات المراقبة أمام المنزل صورت الجناة ، وصورت الدراجات البخارية ، أنواعها وأشكالها وأرقامها ، كما تبين وجوه الجناة وأعمارهم وملامحهم ، بالإضافة الى مرورهم بعد ارتكاب الجريمة على العديد من كاميرات التصوير التي صورتهم بعد انتهاء التستر والتخفي والحذر ، بالإضافة الى مرورهم على مفارز أمنية في مسار عودتهم وهم يخفون أسلحتهم المعززة بكواتم الصوت ، وثمة من شاهدهم ولاحظ ارتباكهم ،وطبعات إطارات الدراجات البخارية ، وبقايا الظروف التي أطلقت من الأسلحة ،ومسحات الDNAوكل ما يمكن استعماله علميا في أصول التحقيق .
أسماء عراقيين عديدة طالهم فعل الاغتيال ، وخسرتهم عوائلهم وبلدهم ، وفتحت ملفات التحقيق ، غير أن الأسى والأسف يرافق تلك الملفات حين لا يتوصل المحقق الى الفاعل فيتم تسجيل الجريمة ضد المجهول ويتم حفظ الأوراق وغلق التحقيق مؤقتا .
الأسى والحزن يغلي في صدور العراقيين وهم ينتظرون موقفا عراقيا يحد من سطوة الجناة ، ومن ممارستهم جرائم القتل وسط الشوارع وفي وضح النهار ، في تحدي واضح وصريح للدولة واجهزتها الأمنية ولسلطة القانون ، مع ما تملكه الأجهزة الأمنية والشعبية من معلومات تجعل هوية الجناة مكشوفة والأدوات معروفة ، في حين تنتظر الناس ملفا يتم كشف اللثام عن وجوه الفاعلين لا يقيد ضد مجهول .
الأجهزة الأمنية معنية قبل غيرها في كشف الجناة في الجرائم التي طالت أسماء عراقية عديدة ، كان لها موقف سياسي ، مهما كان هذا الرأي يختلف في المعتقد فقد كفل الدستور الحق في الحياة والأمن والحرية ، كما الزم الدولة بكفالة حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل ( المادة 38/أولا ) ،
وبهذا فأن حماية أرواح الناس وأمنهم وحريتهم من بين المهام المناطة بالدولة ، وتتعلق ثقة الناس بهذه الحماية حتى يمكن أن تكون هناك دولة تتقيد بدستورها ويحكمها القانون ، وحتى لا يلجأ الناس الى التشكيك وبث الإشاعات ، لأن فقدان الأجهزة الأمنية لعنصر المبادرة واختزال الزمن في إنهاء الملفات التحقيقية يعزز من الثقة ويجعل الناس تطمئن لحرياتها ، ولعل من بين أهم الأمور التي لا تتحمل التباطؤ في القرار حظر انتشار السلاح بيد الناس ، والأخطر من ذلك استعمال كواتم الصوت التي ينبغي أن يتم أعتبارأستعمالها من الظروف المشددة عند فرض العقوبة لخطورتها في ارتكاب الجرائم .
جرائم الاغتيالات السياسية وجرائم الرأي جديدة على العراق ، إذ كانت تمارسها السلطة الدكتاتورية لتصفية معارضيها ، إلا إنها اليوم تبرز للعيان بشكل لافت للنظر ، ، فقد تحدث أن يتم ارتكاب فعل لا تتوصل السلطات التحقيقية إلى مرتكبه ، وبعد أن تستكمل جميع الإجراءات القانونية يقرر قاضي التحقيق غلق التحقيق مؤقتا لمجهولية الفاعل وفقا للمادة ( 130 ) الفقرة ( ج (من قانون أصول المحاكمات الجزائية ، وهذا الغلق المؤقت مرهون بتوفر أدلة وقرائن جديدة لفتح التحقيق مجدداً .
وما يربك المشهد السياسي والسلطات التحقيقية تلك الاتهامات والتشويش على السلطات المعنية بالتحقيق ، وهي وأن كانت لا أهمية لها أن لم تكن من أسم واضح وموجود يدلي بشهادته أو يقدم الوثائق أو القرائن التي تفيد العملية التحقيقية ، وسواء كان تقاذف الاتهامات بقصد أو دون قصد فأنه لا يفيد سير العملية التحقيقية ، بالإضافة إلى أن وجود الجناة طليقين ويتجولون في الأسواق يجعل الحياة والتعايش اليومي للناس والأمن المجتمعي في خطر ، فالجاني لن يتخلى عن مسدسه الكاتم للصوت ، ولن يتوقف عن ممارسة فعله الإجرامي .
ارتكاب جرائم الاغتيال لم تكن دون سبب ، ولم يكن الجناة لا يشخصون المجني عليهم ، ولابد أن يكون هناك شخص أو جهة كلفت القاتل وزودته بالسلاح والعتاد وحرضته ، إما بمده بالمال أو بالتلقين او بالخديعة والاستفزاز لأرتكاب الجريمة بقصد إسكات صوت المجني عليه ، وان تكون العقوبات المفروضة على القتلة تتناسب مع الوضع الصحي والاقتصادي والحالة التي يمر بها العراق ، وان يكون هناك رادع حقيقي يلقي من جميع الكتل السياسية ومنظمات المجتمع المدني ما يعزز التعاون والتآزر للحد والقضاء على هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع العراقي .