بعد وفاة مرشد الطريقة القادرية الكسنزانية، محمد الكسنزاني، تمت مبايعة نجله الشيخ نهرو الكسنزاني، (51 عاماً)، ليخلف والده، الذي أوصى قبل نحو ربع عقد من الزمان، بأن يخلفه كمرشد للطريقة.
الآلاف من الدراويش ومريدي الطريقة الكسنزانية دخلوا إلى إقليم كوردستان، يوم أمس الخميس، (9 تموز 2020)، بعبورهم معبر باشماخ الحدودي مع إيران، من دون القيام بالإجراءات الرسمية وفحص فيروس كورونا، بغرض المشاركة في مراسم تشييع زعيمهم، الشيخ محمد الكسنزاني، في السليمانية، رغم إصابة ستة منهم برصاص القوات الإيرانية بحسب إفادة مسؤول في المنفذ.
الدراويش الذين دخلوا حاملين الخناجر والعصي، وصلوا إلى السليمانية، للمشاركة في مراسم دفن الشيخ محمد بن عبد الكريم الكسنزاني، عبروا عن تأييدهم للشيخ نهرو الكسنزاني، خليفة قائدهم، وتمت مبايعته يوم أمس الخميس (9 تموز 2020).
وتوفي مرشد الطريقة القادرية الكسنزانية في العراق والعالم، الشيخ محمد بن عبد الكريم الكسنزاني، السبت (4 تموز 2020) عن عمر ناهز 82 عاماً في الولايات المتحدة التي نقل إليها في شباط الماضي، بغرض تلقي العلاج.
تقرير أميركي سابق، صدر عام 2019، سبق أن أكد أن برنامج عمل الشيخ نهرو الكسنزاني، يلتقي مع السياسة العامة الأميركية تجاه إيران، والمتمثلة في لجم النفوذ الإيراني في العراق.
وأدناه نص تقرير صحيفة واشنطن بوست الأميركية، الذي سرد جانباً من حياة المرشد الجديد للطريقة الكسنزانية، والذي نشر في 11 حزيران 2019:
الكسنزاني.. من مخبر لوكالة الاستخبارات الأميركية إلى الحلم برئاسة العراق
في شهر تموز من العام الماضي، وجه الشيخ نهرو الكسنزاني رسالة إلى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جون بولتن، ووزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ويشير تقرير لجريدة (واشنطن بوست) الأميركية إلى أن الكسنزاني عبر من خلال رسالته عن أمله “في تحقيق هدفنا المشترك المتمثل في إضعاف نظام الملالي في إيران والقضاء على نفوذ ذلك البلد”.
لكن الشيخ الكسنزاني، 50 سنة، لم يقف عند هذا الحد، وبعد أربعة أشهر من توجيه تلك الرسالة، ذهب في 39 تشرين الثاني الماضي إلى فندق ترمب الدولي في واشنطن ليقضي فيه 26 ليلة في جناح بالطابق الثامن من الفندق، وتقدر تكاليف إقامته تلك بعشرات آلاف الدولارات.
حصلت الجريدة الأميركية على قائمة الضيوف المهمين للفندق لعشرات من أيام السنة الماضية، وتظهر القائمة أن أطول فترة إقامة كانت فترة إقامة الكسنزاني فيه.
وصرح الشيخ نهرو الكسنزاني، الذي يقيم في قصره الضخم في العاصمة الأردنية عمان ويحدث خدمه عبر جهاز لاسلكي، لواشنطن بوست: “في الغالب نقيم في فندق (هي آدمز) لكننا سمعنا عن فندق ترمب الجديد في واشنطن، وتوقعنا أن يكون مكاناً جيداً للإقامة”، ونفى أن يكون الهدف من إقامته في الفندق هو التحشيد لهدف ما.
لكون الفندق تابعاً لمنظومة ترمب، فإنه أضحى مكاناً لاجتماع السياسيين والشخصيات التي تتعاطى مع العمل الحكومي، ولهذا فإنه يصبح محل إقامة الشخصيات الأجنبية التي تريد عرض أجنداتها على إدارة الرئيس الأميركي ترمب.
وتحدث للجريدة الأميركية، المتحدث باسم الكسنزاني، إنتفاض قنبر، الذي رافقه خلال فترة إقامته بالفندق، وقال: “كان هناك كثيرون من مؤيدي ترمب والسفراء والشخصيات الهامة، لكننا لم نتواصل مع أي منهم”.
امتنعت الشركة المشرفة على الفندق عن كشف تكاليف إقامة الشيخ نهرو الكسنزاني، لكنها أشارت إلى أنها تبرعت بالمبلغ للخزانة الأميركية، وحسب تقرير الجريدة الأميركية، فإن إقامة الكسنزاني وعائداتها عوملت على أنها “دعم أجنبي” للأعمال التجارية للحكومات الأجنبية، في حين أن الكسنزاني لا يشغل أي منصب حكومي، ويقول المتحدث باسمه أنه هو الذي دفع تكاليف الإقامة.
الشيخ نهرو محمد عبدالكريم الكسنزاني، الذي يعتبر مرشد الطريقة العلية القادرية الكسنزانية، أعلن للجريدة الأميركية أنه عمل خلال فترة الهجوم الأميركي على العراق في العام 2003 مخبراً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA.
ويشير بوب وودوارد في كتابه الموسوم “خطة هجوم” (ط 2004) إلى أن فرقة دينية في إقليم كوردستان، كانت لها لقاءات متعددة ومتقاربة مع مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وكان الأميركيون في تلك الفترة يعملون على وضع خطة هجوم 2003، وأن عائلة الكسنزاني شكلت شبكة مخبرين من أتباعها، وحسب كتاب وودوارد، فإن المعلومات كانت نادرة جداً وتصدم العقول، الأمر الذي أدى إلى منحهم لقب “روكستار”.
الكتاب لم يسمّ الكسنزانيين، لكن الشيخ نهرو الكسنزاني يؤكد أن العائلة التي يشير إليها الكتاب هي عائلته، ويقول إنهم كانوا يتقاضون مليون دولار شهرياً من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كمصاريف للشبكة التي كانوا يديرونها.
كما أطلع الكسنزاني الجريدة الأميركية على مجموعة وثائق للجيش الأميركي تبين أن اسم شبكة الشيخ تغير في فترة الحرب إلى شركة “حماية المؤسسات العراقية” التي أبرمت عدة عقود لحماية القواعد العسكرية الأميركية والمؤسسات النفطية، وكان أحد تلك القواعد بالقرب من كركوك.
لكن طموحات الشيخ ليست تجارية فقط، إذ تقول الجريدة إنه يعتبر نفسه خياراً ملائماً لرئاسة العراق ويرى أن التصوف، الذي يجمع الشيعة والسنة، يمكن أن يكون بديلاً يمنع توسع رقعة النفوذ الإيراني وعنف القاعدة.
لم يسمح للشيخ نهرو الكسنزاني، أمين عام التحالف من أجل وحدة العراق الوطنية، بالترشح في انتخابات العام 2005، وجاء أكبر المكاسب السياسية لتلك العائلة في العراق في العام 2014، عند ترشيح أخيه ميلاس محمد عبدالكريم، لوزارة التجارة العراقية، لكن أمر إلقاء قبض على الأخوين صدر بعد عام من ذلك، بتهمة تلقي الرشاوى في عقود شراء الرز للحصة التموينية.
وينفي مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية علمهم بأي اجتماعات رسمية بين كوادر وزارتهم وبين الكسنزاني، كما لم يفصحوا عن عقد اجتماعات غير رسمية أيضاً، وقال الكسنزاني للجريدة الأميركية إنه كانت له حوارات مع عدد من خبراء شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، ومنهم الكولونيل عباس دهوكي.
كان مستشاراً في مكتب شؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأميركية، وعمل في السابق في الشؤون العسكرية بالسفارة الأميركية في السعودية، ويقول عن الكسنزاني: “لديه من يستمع إليه، وملاحظاته محل اهتمام عدد كبير من المسؤولين المعنيين”.
يلتقي برنامج عمل الكسنزاني مع السياسة العامة الأميركية تجاه إيران، والمتمثلة في لجم النفوذ الإيراني في العراق.
يعارض الكسنزاني الذي يحمل شهادة دكتوراه في التاريخ، الهجوم الأميركي متعدد الجوانب على إيران، ويقترح سلسلة هجمات دقيقة على المؤسسات العسكرية والاستخبارية الإيرانية بدلاً عنه، ويقول عن موقفه المتشدد من إيران: “يسألوننا لماذا تريدون الحرب، في حين أننا لسنا في سلام في الواقع، فالعنف ضد السنة في العراق لم يتوقف أبداً”.
وحسب التقرير، فإن مساعي الكسنزاني لا تجد نفسها ضمن إطار جدول أعمال سياسي، بل في مجموعة شركات خدمات أمنية، وخدمات حقول نفطية وإنشائية، افتتحها في أميركا وفي إصراره على العمل التجاري مع إدارة ترمب، ويقول هو: “نحن نبحث عن فرص”.
قبل وصوله بيوم واحد إلى فندق ترمب، حكم على أخيه غيابياً بالسجن سبع سنوات بتهمة الارتشاء، وأبلغ المتحدث باسم مؤسسة القضاء العراقية، عبدالستار بيرقدار، واشنطن بوست بأن الشيخ نهرو الكسنزاني أيضاً مطلوب و”سيلقى القبض عليه حال عودته إلى العراق”، بينما ينفي الكسنزاني اتهامه بالفساد ويقول إن تلك القرارات وراءها أهداف سياسية.
وكشف الكسنزاني للجريدة الأميركية أنه حجز جناحاً وغرفة في الفندق المذكور، وأنه أقام هناك مع زوجته وأولاده حتى 26 كانون الأول. فيما امتنع إنتفاض قنبر، الذي كان يعمل في السابق لصالح أحمد الجلبي، عن الحديث عن تكاليف إقامة الكسنزاني في الفندق، واكتفى بالقول إن تكلفة الليلة الواحدة بلغت “بضع آلاف” من الدولارات.
وحسب تقرير واشنطن بوست، تتراوح تكلفة المبيت ليلة واحدة في جناح بفندق ترمب بين ألف وألفي دولار.