الانتخابات عملية راقية , يعبر عن مدى نضوج الفكر الانساني وحبه في صنع القرار السياسي لبلده و يدافع عن حقوقه ، و يرسم الامل و يختار الامثل و الافضل لخدمة قضيته ، و حماية المصالح العليا .
تجري الانتخابات وفق الخطط و البرامج خلال مدة معينة تكون اربع سنوات في الغالب و لكن شاءت الاقدار ان تكون الانتخابات السمة البارزة للحياة السياسية في منطقة الشرق الاوسط لكثرة المجالس النيابية و المحلية ناهيك عن الانتخابات الرئاسية ، فلا تمر سنة إلا و يدخل الشعب في دوامة الانتخابات لمرات عديدة من القرار و اختيار المرشحين و الحملة الانتخابية في يوم الاقتراع و اعلان النتائج و اخيراً الاعتراض عليها و تصديقها ، و ان اغلبها تأتي بالوجوه الجديدة فقط و لاتغير في الواقع إلا اليسير و لكن الملفت للنظر ان حماسة المواطنين للاشتراك فيها تزداد يوماً بعد آخر .
ان الانتخابات الشرق اوسطية بشكل عام و العراقية و الكوردستانية بشكل خاص تتأرجح بين الصدق في الترشيح و الوعود، و التناقض فيما بين المرشح و المواطن و الاحزاب و برامجها بحيث تشكل دائرة من المتناقضات المتقاطعة فيما بينها تنتهي في نقطة البداية ، لتبدأ المشوار من جديد على نفس المنوال مع التغيير في الاسماء و من هذه المتناقضات :-
تناقض و خلاف المواطن مع المرشحين , ما ان تبدأ الجهات الرسمية باعلان اسماء المرشحين حينها تبدأ العلاقة الشبه المنقطعة بالتواصل و الزيارات المكوكية من اقصى الدائرة الانتخابية الى اقصاه باسترجاع الذكريات القديمة ، و التذكير بالمواقف البطولية للمرشح و تطرق الابواب التي ما كانت لتفتح إلا لصوت، و ان المواطن الاعزل ينتظر من يقرع بابه ليعده بصوته يوم الاقتراع بمقابل ام لا، وما ان يخرج إلا و يدخل التالي ، و يستمر المواطن في وعوده بدعمهم مع انه لا يملك سوى صوتاً واحداً و خاصة نعيش في مرحلة قل التأثير على الاخرين و الجميع احرار في اصواتهم ، و هذا يعني انه يناقض كلامه مع المرشحين العديدين .
تناقض المرشح مع المواطن و يقوم المرشح باعداد قائمة بالمشاريع الخدمية التي يمكن ان يقدمها الى المواطنين خلال الحملة الانتخابية او عند فوزه بمقعد في المجلس المحلي او النيابي مع يقينه المطلق بأن تنفيذ هذه المشاريع ليس بمقدوره ، و من جانب آخر يطلق العديد من الوعود كالحمم البركانية الملتهية سرعان ماتبرد بعد ساعات من انتهاء الاقتراع او اعلان النتائج و هذا يعني تناقضه مع مؤيديه و الشارع .
تناقض البرامج الانتخابية مع الواقع في كل عملية انتخاب تتسارع الاحزاب و القوائم و المرشحين المستقلين في اعداد قائمة تتضمن مجموعة من الخطوات في المجالات المتعددة التي تجعل من حياة المواطنين جنة الله على الارض لا يسأم و لا يمل و لا يمرض و لا يحتاج كل الحقوق مكفولة و الحريات و صوته و لقمة العيش مضمونة و يروج لها عبر وسائل الاعلام و خلال ايام الحملة الانتخابية ولكن لسان الحال يناقض ذلك فالحياة تبقى كما هي المواطن يعيش كالسابق بين احضان الفقر والبطالة و قلة الخدمات و تذهب كل البرامج ادراج الريح .
تناقض الاحزاب و القوائم مع مرشحيها تكاد تكون قوة و نفوذ كل حزب و قائمة محدودة في الغالب و عدد مقاعدها معروفة بشكل تقريبي و لكن التناقض الوارد في هذه الحالة هي العدد الكبير للمرشحين بحيث تصل الى ضعف المقاعد الكلية او اقل منها بقليل مع يقين تلك الاحزاب و القوائم بأن عدد مقاعدها لاتتجاوز اصابع اليد و ان هذه القوائم تهدف من وراء القائمة الطويلة الى جمع اكبر عدد من الاصوات لها خاصة في نظام القائمة الشبه المغلقة او الى إرضاء البعض و كسب ودهم او رد الاعتبار اليهم و لربما كتم افواه و اصوات تنادي بالمناصب و تراعي سعة القاعدة الجماهيرية لها .
هذه المتناقضات بالجملة تحتل مكاناً واسعاً في عملية الانتخابات تؤدي الى نتائج متناقضة مع التوقعات و الاستيبانات التي تجريها المؤسسات المختصة ،لأنه لا سلطان على ارادة الناخب عندما يدلي بصوته بعيداً عن كل التأثيرات الجانبية و الوعود السابقة .
و ربما ما ذكرناه لا يروق للبعض و لكنه الواقع المرير و هو الغالب مع تقديرنا للاصوات الصادقة و النوايا الحسنة من الجوانب المختلفة للعملية الانتخابية .
و اخيراً فان الصدق في الترشيح و الوعود و التصويت تؤدي الى نتائج صادقة في التغيير و الاصلاح و تحسين معيشة المواطن فالصدق يولد الصدق و تبدأ من المواطن و تنتهي اليه .