محاصر من أدوات إيران
تجهّز قوى سياسية وشعبية عراقية، معارضة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، حملة للضغط على الحكومة في البرلمان والشارع، بهدف إسقاطها، وسط توقعات بأن تكون المواجهة محتدمة خلال الصيف الجاري.
وتقول مصادر مطلعة إن قادة تحالف الفتح، ثاني أكبر الكتل النيابية في البرلمان العراقي، تواصلوا مع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، لبحث مستقبل حكومة الكاظمي وإمكانية إقالتها في البرلمان، قبل أن توقّع اتفاقات ملزمة على المدى الطويل مع الولايات المتحدة، في سياق الحوار الذي انطلق بين البلدين قبل أسابيع.
وتنتمي القوى السياسية المناهضة للكاظمي إلى دائرة الحلفاء الوثيقين لإيران.
وتدرك هذه القوى أنها لا تملك القدرة السياسية التي تمكنها من الإطاحة بالكاظمي، في ظل وجود قوتين شيعيتين داعمتين له، الأولى بزعامة مقتدى الصدر والثانية بزعامة عمار الحكيم.
ولم يوضح الصدر حتى الآن حقيقة موقفه من الكاظمي، وما إذا كان مساندا أو معارضا له، لذلك فإن نواب كتلة “سائرون”، التي يرعاها مقتدى الصدر يرسلون إشارات متناقضة بشأن الحكومة.
أما الحكيم، فهو أحد أشد المتحمسين لحكومة الكاظمي، وقد بادر فعلا لتوفير غطاء سياسي يحميها، من خلال تشكيل كتلة برلمانية تضم أكثر من 40 نائبا، بهدف دعم الحكومة.
وتواجه القوى الشيعية المقربة من إيران قبولا سنيا وكرديا للكاظمي، ما يصعّب مهمتها في الإطاحة بحكومته. لذلك، يبدو أن حلفاء إيران يجربون خليطا من الحراك الشعبي الذي يمكن أن يقلب مواقف القوى السياسية الأخرى نحو الحكومة.
ويتكون الخليط الشعبي من بقايا احتجاجات أكتوبر، وهي مجموعات في بغداد والمحافظات تصر على مواصلة الاحتجاجات التي بدأت في 2019، رغم التغييرات السياسية الكبيرة التي حدثت بسببها، وفئات اجتماعية تضررت مؤخرا من قرارات حكومية تستهدف الإصلاح المالي.
ومنذ 15 عاما، تخدم امتيازات حكومية كبيرة شرائح عديدة من المجتمع العراقي بذريعة انخراطها في معارضة نظام صدام حسين، ما أشاع في الأوساط الشعبية شعورا بوجود نوع من التمييز السياسي الذي من شأنه أن يثري طبقة واحدة على حساب طبقات أخرى.
وعندما تزامن تكليف الكاظمي بقيادة الحكومة العراقية مع جائحة كورونا وحرب أسعار النفط، كان العراق يعاني ضائقة مالية كبيرة اضطرته إلى وقف الامتيازات التي حظي بها الآلاف من العراقيين على مدى عدة سنوات، ما تسبب في غضب الفئات المستفيدة.
ويقول مراقبون إن حلفاء إيران يعملون على الجمع بين بقايا تظاهرات أكتوبر 2019 والمتضررين من قرار الإصلاح المالي الأخير، لتكوين تيار شعبي يطالب بإسقاط حكومة الكاظمي، من بوابة فشلها في توفير الطاقة الكهربائية خلال الصيف، الذي اقتربت فيه درجات الحرارة في العراق مِن حاجز الـ50 درجة مئوية.
وتعتقد الأحزاب الشيعية الموالية لإيران أن تحرك الشارع، انطلاقا من أزمة الكهرباء، قد يغري مقتدى الصدر الذي يعشق أنصاره المشاركة في الاحتجاجات والتصدي لقوات مكافحة الشغب.
وفي حال نجح هذا السيناريو، فإن قوى سياسية عديدة يمكن أن ترفع يدها عن الكاظمي، الذي يتحرك يمينا ويسارا لإجهاض هذه الخطة.
ويوم الاثنين أمر الكاظمي بإنهاء مشاريع الطاقة المعلقة، موجها وزارة النفط بمنح الوقود لأصحاب المولدات الأهلية مجانا، وهو إجراء قد يكون له مفعول سريع.
ومنذ تدمير منظومة الطاقة الكهربائية في العراق من قبل طيران الولايات المتحدة وحلفائها، خلال عملية عاصفة الصحراء إثر اجتياح الكويت، تعاني البلاد نقصا حادا في الكهرباء، ما دفع الحكومة إلى الاستعانة بمولدات أهلية، تبيع منتجها للمواطنين مباشرة.
وخلال أعوام مضت، أسهمت المولدات الأهلية في إنتاج قرابة 50 في المئة من طاقة العراق الكلية.
وخلال الأسبوعين الماضيين انخفض تجهيز الكهرباء الحكومية للمواطنين بشدة، بالتزامن مع موجة حرارة شديدة، سجلت خلالها مدن عراقية معدل حرارة بلغ 50 درجة مئوية، ما زاد الضغط على المولدات الأهلية.
ويوم الثلاثاء توجه الكاظمي إلى كربلاء لمتابعة افتتاح عدد من المشاريع الخدمية، في محاولة لتخفيف الاحتقان الشعبي.
ويقول الكاظمي إن “الفترات الماضية شهدت إنفاق مليارات الدولارات” على الكهرباء، “كانت تكفي لبناء شبكات كهربائية حديثة، إلا أن الفساد والهدر المالي وسوء الإدارة عوامل حالت كلها دون معالجة أزمة الطاقة الكهربائية في العراق، لتستمر معاناة المواطنين التي تتفاقم في أشهر الصيف”.
وهاجم الكاظمي حكومة سلفه عادل عبدالمهدي بشراسة، متهما إياها بعدم تنفيذ “المشاريع الخاصة بصيانة الكهرباء، الأمر الذي فاقم من مشكلة الكهرباء، لاسيما في هذا الظرف الاقتصادي والمالي الذي يعيشه العراق بسبب انهيار أسعار النفط عالميا نتيجة تداعيات جائحة كورونا”.
ووجّه الكاظمي وزارة النفط “بتزويد الوقود مجانا إلى أصحاب المولدات الأهلية، مقابل تخفيض أسعار الاشتراك وزيادة ساعات التجهيز”.
ويقول مراقبون إن تركيز حلفاء إيران على تهييج الوضع الشعبي ضد الكاظمي في بغداد تحديدا، يستهدف إشغال رئيس الوزراء عن مباشرة أي أنشطة أخرى تتعلق بملاحقة الميليشيات الشيعية المتورطة في عمليات سرقة وابتزاز واختطاف وتهريب أسلحة ومخدرات والمشاركة في أنشطة قتالية خارجية غير مرخصة.
ويتوقع مراقبون تطور السجال بين الكاظمي وحلفاء إيران قريبا للتأثير في توجه الحكومة العراقية نحو بناء شراكة مستقبلية مع الولايات المتحدة.
ويعتزم الكاظمي زيارة واشنطن قريبا تمهيدا للجولة الثانية من الحوار بين البلدين، الذي افتتح الشهر الماضي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.