يعاني أكثر من مليون ونصف شخص في ألمانيا من مرض الزهايمر أو من شكل أخر من أشكال الخرف. ويقول الأطباء أن الوقاية والتدخل المبكر هما سر التعامل مع المرض. لكن السؤال الملح هو: هل يمكن الوقاية من هذا المرض؟
يتذكر كلاوس كايزر جيداً اللحظة التي بدأت علامات النسيان في الظهور لديه. ويحكى كايزر تجربته لموقع مجلة فوكوس الألمانية، عندما كان في أحد المطاعم مع زوجته وأصدقائه وحان موعد دفع الحساب. فبالرغم من عمله كخبير مالي من قبل، إلا أنه يقول: “لم أستطع قسمة مبلغ 330 يورو على ثلاثة أشخاص. وأدركت في هذه اللحظة أنني أعاني من مشكلة ما.”
حاول الأطباء البحث عن أسباب ظهور أعراض النسيان لدى كايزر. وفي البداية عزوا الأمر إلى الحبوب التي يتناولها باستمرار لعلاج اضطرابات ضربات القلب لديه، فقد تكون هي سبب شعوره بالارتباك والنسيان. كما كان كايزر قد انتقل مع زوجته للحياة في مدينة جديدة وقتها، وهو الأمر الذي قد يكون تسبب في ضغوط نفسية أثرت في ذاكرته.
غير أن الموقف الذي تعرض له في المطعم دفعه إلى زيارة متخصصين في أمراض الذاكرة، بحسب ما نقل عنه موقع فوكوس. وبعد سلسلة من الاختبارات توصل الأطباء أخيراً للتشخيص الصحيح، وهو أن كايزر مصاب بمرض الزهايمر.
كايزر ليس الوحيد الذي يعاني من االخرف، ففي ألمانيا يشخص الأطباء سنوياً 300 ألف حالة جديدة من المرض، ليصل العدد إلى 1،7 مليون شخص مصاب بأمراض الذاكرة على اختلافها. ويعاني ثلثا هولاء من مرض الزهايمر، وهو نوع واحد من بين 50 نوعاً من أمراض الذاكرة.
أعراض الزهايمر
يزداد خطر الإصابة بالمرض كلما تقدم الإنسان في العمر، ويتميز الزهايمر بسرعة ظهوره وتمكنه من الشخص المصاب ليفقده السيطرة تماماً على حياته اليومية. ولا يوجد علاج للزهايمر حتى اليوم، غير أن الإكتشاف المبكر شديد الأهمية.
ويقول ريتشارد دودل، وهو طبيب أمراض عصبية وخبير في مرض الزهايمر:”التشخيص المبكر مهم للغاية، فنحن نركز جهودنا على الوقاية والتعرف المبكر على المرض.”ويعاني الكثيرون من أعراض النسيان مع التقدم في العمر، لكن يجب الانتباه عند اشتداد هذه الأعراض واستمرارها لفترة طويلة.
ومن العلامات الأخرى لمرض الزهايمر بحسب جامعة جونز هوبكنز الأمريكية هي تكرار الجمل وحدوث تغيرات في شخصية وسلوكيات المريض، بالإضافة إلى عدم التمكن من فعل شيئين في نفس الوقت، وعدم القدرة على القيام بأمور روتينية في الحياة اليومية لم تكن تمثل صعوبة من قبل. ويضيف موقع الجامعة أعراضاً أخرى مثل الارتباك المستمر والتقلبات المزاجية.
أبحاث الزهايمر تطورت كثيرا في السنوات الماضية..
ما أسباب مرض الزهايمر؟
ليس من المعروف بعد كيفية قضاء المرض على خلايا المخ. وكان الطبيب النفسي ألويس الزهايمر، وهو من سمى المرض نسبة له، وجد في 1906 تراكماً للبروتين لدى مريضة لديه كانت تعاني من أعراض النسيان والارتباك. ومن الممكن فهم مرض الزهايمر من خلال نوعين مختلفين من الخلل البروتيني: لويحات “بيتا أميلويد” وبروتين “تاو”.
يعد بروتين “بيتا أميلويد” غير مؤذ، إلا أن تراكمه يتسبب في تكوين لويحات بين الخلايا العصبية في أدمغة المصابين تمنع عملية التواصل بينها. أما بروتين “تاو” فهو مسؤول عن الحفاظ على هيئة خلايا المخ، غير أنه في بعض الأحيان يحدث خلل يجعله يترسب ويتسبب في موت الخلايا العصبية، مما يؤدي لمرض الزهايمر.
تحدث هذه التراكمات عادة في مناطق المخ المسؤولة عن الذاكرة والتفكير واللغة والتوجه، وهي القشرة المخية والمنطقة المسماة بـ “الحصين”. وتحدث التغييرات في هذه المناطق عبر سنوات أو عقود قبل أن تظهر الأعراض الأولى على المصابين.
متى بجب الذهاب للطبيب؟
يقول دودل لموقع فوكوس: “بمجرد الشعور بحدوث تغيير في الذاكرة يجب زيارة المتخصصين.” ففي البداية يجب تحديد ما إذا كان سبب قصور الذاكرة يعود لأمراض أخرى مثل الاكتئاب أو أمراض الدورة الدموية وأورام المخ.
وعلى الرغم من أمل الأطباء في إيجاد حل لترسب بروتين “بيتا أميلويد” عن طريق التطعيم ضده، إلا أن هذه التجارب لم تحقق نجاحاً بعد. لذلك تزداد أهمية طرق المعالجة الأخرى للمرض، فأسلوب الحياة، على سبيل المثال، يلعب دوراً كبيرا في الوقاية.
إلى أين وصلت أبحاث الزهايمر؟
وبحسب الجمعية الالمانية للزهايمر هناك عدة أشياء قد تقي الشخص من مرض الزهايمر، وهي: الحفاظ على الحركة وممارسة الرياضة، تفادي الضغط العصبي والنفسي، والحفاظ على التغذية الصحية. فالغذاء الذي يحتوي على فيتامين سي (مثل الخضروات) وأوميغا 3 (مثل السمك) يساعد في الحفاظ على صحة المخ، كما أن الأمراض المترتبة على السمنة، مثل مرض السكري، تزيد من فرص الإصابة بالزهايمر.
ويضيف موقع فوكوس الألماني أن مستوى التعليم يلعب دوراً كبيراً أيضاً. فكلما زاد مستوى التعليم واستعمال القدرات الذهنية في الحياة اليومية، قلّ معدل الإصابة بالزهايمر. ووجد العلماء أن الحفاظ على القدرات الذهنية والتعلم المستمر يؤخر أعراض الزهايمر أكثر من الأدوية.
طرق بديلة لمقاومة الزهايمر
يركز العلماء جهودهم على ايجاد حلول لتسهيل حياة مرضى الزهايمر. بحسب موقع فوكوس يختبر العلماء بالمستشفى الجامعي في غرايفسفالد بألمانيا تأثير الجلسات الكهربائية على تحفيز الذاكرة لدى المصابين بالمرض ودمج هذه الجلسات مع برامج تدريب مكثفة لتقوية الذاكرة. لكن هذه الدراسات مازالت في مراحلها الأولى وتحتاج لسنة على الأقل حتى تظهر نتائجها، بحسب ما نقل الموقع.